مانشيتمقالات رأي

سيناريوهات سقوط الشرع والعبرة في تأخر الحل

كمال حسين

في وقت تجمع فيه كل المؤشرات على قرب انهيار سلطة الأمر الواقع الحاكمة في دمشق بقيادة الجولاني؛

يدور اهتمام السوريين ومعهم الكثير من المراقبين، لا حول حتمية الانهيار المرتقب إنما على توقيته، وعلى الشكل الذي سيحدث فيه، وهل سيكون عبر تدوير زوايا جَدّي وعميق يتنازل فيها الجولاني عن الكثير من صلاحياته إلى حكومة انتقالية جديدة تمثل تطلعات المكونات السورية، ويتحول في النهاية إلى رئيس شكلي على الطريقة العراقية، هذا بحسب المساعي الفرنسية والأمريكية، ووفق ما يرمي إليه اللقاء المرتقب في باريس بين ممثلي نظام الجولاني والجنرال مظلوم عبدي، أو يكون بطريقة الانتحار الذاتي كما جرى في مشهد السويداء، حيث أدى النفير الأحمق إلى إعطاء الفرصة لإسرائيل للتدخل، الأمر الذي أدى إلى خسارة سلطات الأمر الواقع لنفوذها في السويداء، وربما في عموم المنطقة الجنوبية.

وفي الحقيقة، طريقة الانتحار الذاتي التي تورطت إلى شباكها سلطات الجولاني في السويداء عبر وهم الجهاد والنفير لنصرة الدين تحت لبوس فورة ما سمو أنفسهم بالعشائر العربية والبدو؛ هي نفسها التي قامت ضد مواطني الساحل السوري، العلويين في آذار الماضي، إنما الفخ الأكبر الذي وقعت فيه حكومة الجولاني، والذي قد تكون نصبته الأقدار كان هناك، حينما لم يظهر سكان الساحل أية مقاومة لمواجهة إجرام الجولاني الفظيع، ولم يلجؤوا إلى حمل السلاح أسوة بالسويداء، الأمر الذي شجع طغمة حكومة الجولاني للتمادي والتهور، والوقوع تحت رحمة الطيران الإسرائيلي الذي كان ينتظر قطعانهم المنفلتة على أحر من الجمر.

نعم هو نفسه كان قد بدأ في الساحل، وما زال مستمراً يثير الخوف والهلع بين السكان العُزل المسالمين، ومازالت الأطر العلوية مصرة على تجنب حمل السلاح، لكن الذي يمكن أن يكون مختلفاً هنا هو الجغرافيا، والعامل الروسي المتناغم مع العامل الإسرائيلي، حيث الغارات لا تتوقف على مواقع الإرهابيين على مساحة الساحل، وحيث تطال كما تنقل التقارير تواجد قوات ظهيرهم التركي ومسيراته عندما تخترق أجواء الساحل.

وأثناء الاحتكام إلى معادلات القوة في مواجهة أوهام الجولاني وداعميه الأتراك الحالمين بدولة الخلافة، مروراً  بحقول الغاز والنفط في الساحل السوري؛ فإن كلاماً كثيراً يمكن أن يقال بهذا الخصوص حول الدور والحسابات الروسية، والاشتراطات التي ظهرت في أعقاب دعوة الشيباني إلى موسكو، وبصرف النظر عن استياء العلويين من الدور الروسي، الذي يصفونه بأنه لم يقم بالدور المأمول حتى الآن، لتأمين حمايتهم، ويفضلون عليه في أحاديثهم اليومية دوراً لقوات سوريا الديمقراطية وللتحالف الدولي بقيادة أمريكا والغرب، إلا أنه من الموضوعية بمكان النظر إليه كتحد كبير لمنظومة الإسلام السياسي الإرهابية وتركيا، يمكن أن يقوى ويتطور لما يشكله هذا الإرهاب من خطر على المصالح القومية الروسية في سوريا وداخل روسيا نفسها.

فإلى ذلك، وبما يعزز وجهة النظر التي تعول على العامل الروسي في رسم معادلة النفوذ في الساحل، وعلى نطاق قد يكون أوسع مدى؛ تتردد أقاويل ومشاهدات عن اختفاء حواجز تابعة لسلطات دمشق في محيط قاعدة حميميم، وعن تسلم القوات الروسية لمواقع مثل الكلية البحرية في جبلة، وثكنة قرية البصة في اللاذقية ورفع علمهم عليها.

ولطالما مازلنا نتداول بالسيناريوهات الأكثر ترجيحاً لخروج الجولاني وطغمته من واجهة الأحداث؛ تحتفظ جعبة المحللين ومتابعي الحالة السورية بخيارات عديدة يقع في رأسها، قرار دولي يصدر من مجلس الأمن يقال أصبح جاهزاً، وجرى اتفاق القوى المؤثرة حوله؛ سيحدد شكل الدولة الائتلافية التعددية الجديد، ويتضمن قواعد حماية الأقليات والسلم والاستقرار، وتحت البند السابع.

وإن مما يعزز فرصة خيار القرار الدولي تحت البند السابع؛ فثمة جملة من العناصر والتطورات ترجح حتمية اللجوء إليه، منها تلكؤ حكومة الشرع عن المشاركة في لقاء باريس مع ممثلي قوات سوريا الديمقراطية، وذلك بعد تنامي الضغوط التركية لمنع المشاركة، والتي حملها معه وزير الخارجية حقان فيدان أثناء زيارته إلى دمشق.

ومنها أيضاً كثرة الخروقات والأعمال الاستفزازية المُهدِدة للاستقرار من قبل الفصائل الإرهابية الموالية لتركيا في أكثر من مكان، وعلى أكثر من صعيد.

ثم أخيراً، نجاح مؤتمر المكونات السورية الذي انعقد في مدينة الحسكة في إطلاق خطاب واحد واضح وصريح، يحبذ لسوريا نموذج الدولة اللامركزية الديمقراطية العلمانية التعددية واللاقومية، وبما يتعارض جذرياً مع النهج والخطاب الذي اتبعته حكومة الجولاني، ومع الإعلان الدستوري الذي يحدد توجهاتها.

وعلى ضوء ما تقدم، وبالانطلاق من حقيقة أن المجتمع الدولي وقواه الفاعلة كان حاضراً وضالعاً منذ البداية في تطورات الأوضاع على الساحة السورية، فمن المنطقي الاستنتاج أنه شريك أيضاً في كل التفاصيل المتعلقة بسقوط نظام الاستبداد الذي قاده بشار الأسد، وبوصول طغمة الشرع الإرهابية إلى السلطة كبديل عنه، وحتى تمتد المسؤولية الدولية إلى تأخر عملية السقوط نفسها، بمعنى كان بمقدور القوى التي ساهمت بطي صفحة حكم الأسد في 8 كانون الأول، أن تصيب الهدف قبل ذلك التوقيت، فلماذا حصل كل ذلك؟ لماذا استلزم السقوط قرابة أربعة عشر عاماً؟ً ولماذا أسفر المخاض عن مولود مشوه إلى هذه الدرجة؟.

سؤال يكرره الكثيرون هذه الأيام، ألم يكن بإمكان القوى الإقليمية والدولية التي تقاطعت مصالحها قبل أشهر حول الشرع؛ أن تدفع بقيادي من عيار مظلوم عبدي بدلاً عنه، وبذلك توفر كل المآسي التي عصفت بالسوريين. وللإجابة على كل ذلك لا بد من العودة إلى دروس الربيع العربي، الذي انطلق من تونس في مطلع عام 2011، والذي اتخذ لبوساً إسلامياً بنكهة تركية منذ البداية، رغم الدواعي الاجتماعية والسياسية العديدة التي حركته، لكنه في الغالب الأعم حينما وصلت قاطرته إلى دول تحكمها نظم شديدة الاستبداد كسوريا، وإلى حدٍ ما ليبيا؛ لم يكن في قيادة القاطرة غير الإسلاميين، وكانوا الأشد تنظيماً، وهم وحدهم المؤهلون لوراثة نظام الأسد. الأمر الذي استدعى وقتاً لنمو وإنضاج قوى مدنية ديمقراطية علمانية على مستوى المهمة التاريخية التي يتطلبها الوضع السوري.

أما وأن تكون سكة التطورات قد تطلبت التساهل أو التواطؤ مع ظاهرة الجولاني – الشرع. فـ لأن في المسألة عبرة كبيرة لم تكن لتغيب عن بال صُناع القرار الدوليين، مفادها “لو جرى الدفع بأي خيار آخر غير خيار الجولاني – الشرع، لكان الإسلام السياسي وداعميه قد اشتغل في الخمسين عاما القادمة على وضع العصي في عجلة التغيير الديمقراطي وإرباكه، بحجة سرقة فرصته وأحقيته، أما وقد جرى الذي جرى، ففي أشهر قليلة قد هزم الإسلام السياسي نفسه أخلاقياً وتاريخياً إلى لا رجعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى