أخبارمانشيت

من السويداء شهادة حية إبان اقتحام القوات الحكومية للمدينة

إبان اقتحام القوات الحكومية السورية مدينة السويداء، كانت أصوات القصف وطلقات القناصة تطوّق الأحياء السكنية، لتجد عائلات بأكملها نفسها محاصرة بين الموت والخوف. من قلب هذه المأساة، تروي مواطنة شهادتها عمّا عاشته، حيث تحوّل قبو مظلم إلى ملاذ أخير، وشهدت بعينيها عمليات قتل جماعي، واستهداف مباشر للمدنيين.

شهادتها تكشف حجم الرعب الذي خيّم على المدينة في ذلك اليوم، وسط مشهد دموي لم تعرف له مثيلًا من قبل.

ويشير المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن الأحداث في السويداء بدأت في 13 تموز، وتطورت في اليوم التالي إلى هجوم على المحافظة، أسفر عن دخول عناصر الأمن العام ومن سمو أنفسهم مسلحي العشائر، قبل أن يتم إخراجهم والتوصل إلى وقف لإطلاق النار في 20 تموز، تم اختراقه من قبل المهاجمين لعشرات المرات.

ومن بين الأصوات التي نجت من ذلك اليوم المروّع، تبرز شهادة “فرح أبو زور” التي تسرد، ما رأته وعاشته في قلب الحصار:

الشاهد: فرح أبو زور

التاريخ: 16/7/2025

الوقت: 1:01 ظهراً

المكان: طريق المشفى الوطني – المفرق العريض المجاور لحي الجلاء

الجهة المنفذة: القوات الحكومية السورية

في ثاني أيام الهجوم البربري، والقذائف تتساقط على منازل المدنيين، كان عناصر الأمن العام يقتحمون البيوت ويقتلون كل من يصادفونه، كنتُ مع أمي وأبي وعمتي وجارتنا مع أخيها وأطفالها وزوجته، مختبئين في قبو مظلم خانق الهواء، نراقب من نافذة صغيرة تحت الأرض ما يجري في الخارج. على الطريق المقابل لمنزلي تمركز نحو عشرة قناصين في أبنية قيد الإنشاء، بينما كان عشرة آخرون يطلقون النار عشوائيًا مرددين التكبيرات، واثنان منهم يركزان تصويبهم على منزلنا مباشرة.

اخترق الرصاص جدران المنزل وقطع أسلاك التلفاز والإنترنت. حاولت سيارتان تقلان نساء وأطفال الفرار:

السيارة الأولى (صفراء): كان بداخلها امرأتان وطفلتان وشاب، حاصرها ثلاثة من عناصر الأمن العام وأمطروها بالرصاص حتى استشهدوا جميعاً عدا شابة تمكنت من الفرار.

السيارة الثانية: تقودها شابة متجهة نحو المشفى الوطني لإنقاذ والدها وابن عمها، لكنها أصيبت برصاصة في كتفها، ثم أطلقوا النار على يديها حتى قُطعت أصابعها، وتناثرت شظايا الزجاج في رأسها. ورغم إصابتها، خرجت تركض والرصاص يلاحقها، حتى أمسكوا بها وضربوها على رأسها قائلين: “الله لا يرحمك”.

في تلك اللحظة، حاولت امرأة وطفلتها من ركاب السيارة الصفراء الهرب رغم إصابتهما، ففتح المسلحون النار عليهما، ما أتاح للشابة الجريحة فرصة الابتعاد. فجأة، سمعنا طرقًا على البوابة وصوتًا يستغيث. فتحنا لنجد الشابة مضرجة بالدماء. أدخلناها إلى القبو، حيث جلست تنزف بصمت حتى لا يُسمع صوتها، فاكتفينا بوضع أقمشة على جروحها وإعطائها ماءً، خوفًا من كشف مكاننا.

حتى منظمة الهلال الأحمر لم تتمكن من الوصول إلينا بسبب القناصين وخطورة الوضع. من الساعة الثامنة مساءً، حاصر عناصر الأمن العام منزلنا، وكان بعضهم ملثمًا بالأسود وآخرون بلحى طويلة، ولهجتهم أقرب إلى لهجة مدينة درعا. انتزعوا مصباحًا مضيئًا من الخارج ليغرقونا في الظلام.

بقينا هكذا حتى الساعة الحادية عشرة ليلًا، نتنفس بصعوبة حتى لا يُكشف أمرنا، قبل أن يندلع اشتباك آخر أدى إلى مقتل من كانوا يحاصروننا. قضينا ليلة خانقة، والشابة الجريحة تنزف بلا توقف، بينما القصف وإطلاق النار لا ينقطع حتى فجر الخميس 17 تموز، حين سمعنا صوت شاب ينادي: “أمان يا أهل الحارة، أمان”.

خرجنا من القبو لنجد جثثًا حول المنزل، وسيارات مدنيين حاولوا الفرار، وقد استشهد جميع ركابها، ورائحة الدماء والدمار تملأ الأجواء. تم إسعاف الشابة، وهي على قيد الحياة، تحمل في جسدها ندوبًا وفي روحها جراحًا أعمق، فيما استمرت عملية انتشال جثث الضحايا حتى الساعة 7:23 صباحًا، وسط مشاهد مروعة من الموت والخراب.

ما بين جدران القبو المظلم وأصوات الرصاص والقذائف، مضت ساعات طويلة بدت كعمر كامل. خرجت فرح أبو زور لتجد حارتها غارقة في الدماء، ووجوه جيرانها وقد غابت إلى الأبد. بقيت الجراح في الجسد شاهدة على القسوة، لكن الجراح الأعمق استقرت في الذاكرة والروح. شهادتها ليست مجرد رواية، بل صرخة في وجه النسيان، حتى لا تتحول تلك اللحظات المروعة إلى سطور منسية في أرشيف الحرب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى