مقالات رأي

متابـ.ـعة لمـ.ـلابسات تولي سلـ.ـطات الشـ.ـرع الحكم ومـ.ـسؤوليتها عن بـ.ـلوغ الدولة الفـ.ـاشلة

كمال حسين

تختتم الساعات القادمة العام الأول من عمر حكومة أحمد الشرع – أبو محمد الجولاني الإسلاموية المتطرفة من سيطرتها على السلطة في دمشق، هذه السيطرة التي ورثت بطريقة ملتبسة، نظاماً شمولياً مستبداً فاسداً، كان قد نجح باستخدام القوة في الحفاظ على نوع من وحدة النسيج الوطني، وعلى وحدة أراضي الدولة السورية ذات الخطاب القومي، من مركزها في العاصمة دمشق خلال ما يقرب من عقودٍ ستةٍ من الزمن.

وكان رغم فساده وديكتاتوريته اللذان أثارا بهما نقمة جميع المكونات الوطنية؛ قد نجح وعلى طريقة النظم الشمولية في إشراك ممثلين عن جميع أطياف المجتمع في لعبة الحكم، لكنه في ذلك لم يكن ليقنع السوريين في نموذجه لحكم البلاد؛ فانطلقوا للثورة عليه، في حِراكٍ واسع النطاق، عَكَسَ في بدايته تطلعات قوى وطنية وديمقراطية ثورية عديدة متأثرة بالمناخ الذي أشاعته ظاهرة ربيع الشعوب (الربيع العربي) في العام 2011 في العديد من دول المنطقة العربية.

لكن الموضوعية تستدعي الإقرار بأن الحِراك السوري قد أنزلق منذ البداية عن أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية الجامعة؛ ليحمل أجندات إسلامية، ويطلق شعارات طائفية أخافت أغلب المكونات الوطنية التي دعيت في اللغة السياسية الدارجة بالأقلوية الدينية والعرقية. ثم جاءت التطورات اللاحقة لتؤكد انحراف الثورة ونجاح الأطراف الإقليمية والدولية في دفعها نحو العسكرة والتطييف وفرط الأسلمة. الأمر الذي دفع بالمكونات من غير المسلمين السنة إلى التوجس والخوف، وإلى الأحجام عن الانخراط في مهامها. وفي مرحلة تالية إلى اتباع طرقها الخاصة في بلورة مشروعها الوطني الديمقراطي الخاص، مثال قسد وولادة مشروع مجلس سوريا الديمقراطية.

وعلى خلفية صِراعٍ استمر حتى 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي بين فريق مثَّل حكم الاستبداد بقيادة بشار الأسد المدعوم من الروس والإيرانيين، وما بين فصائل الإسلام السياسي المتطرفة والمصنفة على قوائم الإرهاب الدولية؛ التي تمركز نفوذها في مناطق إدلب، حيث غلب النفوذ فيها لما تسمى هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني. وحظي بدعم مُرَكَّزٍ من قِبَلِ مراكز دعم الإسلام السياسي الدولية، خاصة في قطر وتركيا. وعلى وقع التداعيات التي أحدثتها حرب غزة وتطوراتها على حزب الله ومحور إيران في المنطقة؛ فقد أصيب نظام الأسد بوهن شديد سيما بعد فشله في تنفيذ تعهداته حيال المبادرة العربية في إجراء الإصلاح السياسي والدستوري، وفي تنفيذ القرارات الدولية. وكان واضحاً أن نظام الأسد صار على دريئة التغيير الدولية، وأن توافق مصالح إقليمية ودولية تقاطعت وأدت إلى إسقاط حكم الأسد في حرب مزعومة كانت شكلية ومدبرة في أكثر فصولها. وقد أدت إلى تسليم الجولاني الذي سمى نفسه أحمد الشرع بديلاً عنه.

وليس هذا فقط؛ بل وصل الاستهتار من قبل حكومة الشرع بشروط الوحدة الوطنية مستوى يفوق أي تصور كان السوريون قد وضعوه في حسابهم حين تورطت وبالتواطؤ مع فصائل إرهابية من أصول تركمانية ومحسوبة على أنقرة. ووفقاً لكل الأدلة والقرائن بالضلوع بتنفيذ مجازر 8 آذار في الساحل، والتي قضى فيها آلاف الأبرياء العلويين الأبرياء ذبحاً وتقطيعاً وهم أحياء، والتي تلتها مجازر السويداء عبر تحريض عشائر البدو، بالاشتراك مع قوات الأمن العام ضمن مصطلح الدعوة إلى النفير العام والفزعات، ولغاية إفراغ السويداء من سكانها الدروز السوريين. هذه المجازر الجماعية والفردية المتنقلة والمنسقة في عموم الأرجاء السورية، والتي لم تتوقف يوماً واحداً طيلة عام كامل، ولم توفر حتى الكنائس في العاصمة ودور العبادة في أمكنة عديدة.

لم تتوقف سلطات الشرع عن تقويض المقومات الوطنية للدولة عند هذا الحد؛ بل الجهد الأخطر كان يتم عبر الصمت والتواطؤ والتغاضي حيال تدمير قدرات الجيش السوري وأسلحته التي تحصلت على حساب لقمة السوريين خلال عقود من الزمن، هذا التواطؤ المكشوف، والذي كشفته استماتة حكومة الشرع لتوقيع اتفاقية سلام مع دولة إسرائيل، والقبول بالشروط الإسرائيلية المُذلة، فيما تمنعت إسرائيل عن التوقيع والاعتراف بسلطة الإرهاب ممثلاً مقبولاً عن الشعب السوري لدرايتها بالعقلية الجهادية الإرهابية لهذه السلطة. وفيما تتجول المدرعات الإسرائيلية في تخوم دمشق والطيران في الأجواء السورية وكأنه في سماء تل أبيب؛ هذا التخاذل تجاه التغول الإسرائيلي في تقويض السيادة الوطنية يلقى تخاذلاً أخطر حيال التغول التركي المتعدد المهام، وفي تتريك الجغرافيا السورية كما في هدر الكرامة الوطنية للشعب والدولة السورية.

ما يجدر ذكره إزاء هذا التفريط في الثوابت الوطنية يتناقض جوهرياً مع الانطباع الذي اشتغلت عليه قوى الإسلام السياسي خلال السنين الماضية، والكلام الذي تشدقت خلاله بتهمة بيع الجولان، والتخاذل في مواجهة إسرائيل. وبالانتقال إلى جردة الإنجازات في الوضع الاقتصادي، وفي إطار التقييم الذي يتناول مجريات السياسة الاقتصادية وانعكاسها على الحياة المعيشية للسكان خلال عام مضى؛ فيكفي التذكير بأن الحكومة القائمة كانت قد رفعت في يومها الأول أسعار الخبز إلى ما يقرب من عشرة أضعافها، كما بلغت الزيادات على أسعار المحروقات والغاز المنزلي إلى معدلات مشابهة.

أما شعار الطاقة الكهربائية الأخيرة فحدث ولا حرج؛ حيث بلغت معدلات فلكية تجاوزت مائة ضعف، ولا مثيل لها في دول العالم قاطبة. ناهيك عن الجهل والطيش في إدارات الموارد، وإغلاق الكثير من المؤسسات الإنتاجية والمرافق الحيوية، وعلى نحو متصل تقول المحصلة العامة لرزمة التدابير والإجراءات التي اتخذتها هذه الحكومة منذ توليها المسؤولية وحتى الآن لا تخرج عن سياق مهمتين، الأولى تفكيك الدولة وتقويض مقوماتها وصولاً إلى سمات الدولة الفاشلة حيث غياب الأمن بجميع أشكاله، وانعدام السلم والاستقرار. والثانية، إحداث الصدع والاحتقان في بنية المجتمع، وخلق الأرضية الموضوعية لتقسيم البلاد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى