أخبارمانشيت

محلل شؤون الشرق الأوسط والخبير في الكردولوجيا: عبدالله أوجلان لا يتخلى عن العمل والتفكير

في حديث لوكالة أنباء الفرات مع محلل شؤون الشرق الأوسط والخبير في الكردولوجيا فاديم ماكارينكو المختص بسياسة الشرق الأوسط والقضية الكردية والعلاقات الروسية ـ التركية والصراعات الإقليمية، حول التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط. وفي الحرب الدائرة في الشرق الأوسط التي توصف بالحرب العالمية الثالثة، وانهيار نظام الأسد في سوريا واستلام هيئة تحرير الشام السلطة، مع انخراط روسيا وتركيا وأمريكا وإسرائيل والعديد من الفاعلين في هذه الحرب، وأثناء السؤال أفاد بما يلي:

 ماذا يعني التقدم في سوريا…؟ من ربح ومن خسر في سوريا…؟  ما النتائج التي ستظهر على المستوى الإقليمي…؟

لا داعي لتعظيم ذلك، لا يتم الحديث عن الحرب العالمية الثالثة، ولكن هناك مرحلة صراع بين البلدان التي ظهرت بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في الشرق الأوسط، إسرائيل التي كان الكثير من الدول العربية لا يريدون الاعتراف بها لفترة طويلة، أثبتت في الأعوام 1948، 1967 و1973 أنه لا يمكن محوها من خارطة الشرق الأوسط، ولكن لم ينشأ بعد بين بلدان الشرق الأوسط مجتمع إقليمي قادر على التعامل مع بعضها البعض دون تحيز أو غطرسة، من الممكن أن اتفاقية إبراهيم التي غيرت البنية السياسية للشرق الأوسط هي التي مهدت الطريق لذلك، لكنها ستدوم لعقود من الزمن.

عدا عن العلاقات الصعبة مع إسرائيل، هناك مشاكل في العلاقات الدولية بين بلدان الشرق الأوسط: الحرب الإيرانية العراقية، احتلال الكويت من قبل العراق، حدوث أزمات حقيقية بين سوريا والأردن، وبين مصر وليبيا، حول اليمن هناك أزمة إقليمية، سياسة تركيا في سوريا والعراق تشكل تهديداً خطيراً وتخشى من محاولات تغيير حدود الدولة بالقوة في الشرق الأوسط، لأن الحروب والصراعات في المناطق التي يشكل الكرد غالبية سكانها، تُظهر تسريع هذا الشيء، وهناك عقدة غورديون أخرى ألا وهي الصراع بين إسرائيل وإيران، بعد تبادل عدة رشقات صاروخية بين إيران وإسرائيل، شن الجيش الإسرائيلي هجوماً لا هوادة فيه ووحشي ضد غزة وحزب الله، وبعد انهيار نظام الأسد، استفادت إسرائيل من هذا الوضع ودمرت الأسلحة المتطورة والتكنولوجية للجيش السوري، ووصل الصراع بين إسرائيل وإيران إلى أعلى مستوى، كما توجه أمريكا تهديدات خطيرة للقواعد العسكرية الإيرانية على أراضيها.

ومع تفاقم هذا الوضع، هناك حاجة لإيجاد الحلول ودعمها بمشاركة زعماء العالم، ودعم إعمار المنطقة، ولذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي/روسيا يحافظان على وجودهما في الشرق الأوسط، ولكن على الرغم من التغيرات الجيوسياسية الكبيرة التي حدثت في هذه المنطقة، فإن الوضع ليس كما كان في أعوام 1956 و1967 و1973، ولا يمكن أن يحاربوا بعضهم البعض.

دول الشرق الأوسط، بالإضافة إلى مشاكل السياسة الخارجية، فهي تعاني أيضاً من العديد من المشاكل الداخلية، لديها مشاكل كبيرة فيما يتعلق بالاستقرار الداخلي، لأنها لم تستطع حل مشكلة تطوير الهوية الوطنية المشتركة، وهذه القضية ليست سهلة في سوريا والعراق وإيران واليمن وليبيا والجزائر، أفريقيا ليست من ضمنها، ورغم ذلك، لم يتم حل هذه المشاكل حتى وإن كانت غير ظاهرة في بلدان غنية مثل مصر ودول الخليج، في فترة الربيع العربي، شعر الجميع بذلك، الكل وقع في ضائقة عندما انقلب الوضع في مصر والعراق وليبيا وتونس وسوريا رأساً على عقب.

وبالرغم من امتلاكها كل شيء، لم يستطع حزب البعث في العراق وسوريا من تطوير بلدهما، والنتيجة: انهيار الأنظمة السياسية في كلا البلدين، لقد تم إسقاط كلا النظامين نتيجة لتدخلات خارجية قوية، ولكن العوامل التي أدت إلى انهيارهما كانت الصراعات العرقية والدينية الداخلية، القوى الخارجية يمكنها أن تطيح بنظام لا إنساني، ولكنها لا تستطيع حل مشاكله الداخلية، ولذلك فقد واجهت العراق حالة من عدم الاستقرار السياسي الشديد خلال العقدين عقب سقوط صدام حسين، الأمر الذي وجّه البلاد في كثير من الأحيان نحو الانهيار، وحتى الآن لم يتم حل هذا الوضع غير المستقر، حتى الآن لا يستطيع أحد أن يقول كم سنة أخرى يحتاجها العراق ليصبح دولة مستقرة ومتقدمة، لأن العراق يسير على نفس النهج الذي اتبعه من قبل، هذه المرة تحت الحكم الشيعي، إن وضع كرد العراق صعب، لكن إقليم كردستان لعب دوراً مستقراً للغاية خلال هذه الفترة، وبدلاً من تقويض استقرار العراق وسلامته، دعم الدفاع عن العراق.

بعد إسقاط نظام الأسد عن طريق العنف، كم من العقود ستمضي لحل الوضع في سوريا، ولأن الأحزاب في هذا البلد لا تحترم مصالح الوضع ولا تقبل بالتسويات والقرارات التوافقية فإن النظام يتجه نحو استبداد آخر تحت غطاء التطرف الديني السني والتطرف الديني، وهذا أكثر تخلفاً من عهد حافظ الأسد، الجميع سوف يخسر، لأن المجتمع سيبدأ من الصفر، وفي هذا الوضع نأمل أن لا يتم حل القضية الكردية في سوريا والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بالقوة، لكن الولايات المتحدة الأمريكية التي تتسم سياستها في المنطقة بعدم القدرة على التنبؤ، هي الوحيدة التي بإمكانها ضمان الحكم الذاتي الفعلي للكرد في سوريا.

ومع حرب غزة، نرى أن إسرائيل اعتمدت موقفاً أكثر نفوذاً وعدوانية في الشرق الأوسط، ما هو الهدف الرئيسي لدولة إسرائيل برأيك؟

رأت إسرائيل في هجوم السابع من تشرين الأول عام 2023 فرصةً للقضاء على غزة وحماس، وانتصرت بذلك، دمرت غزة وأزالت الحكومة الباقية من حماس، مما أسفر عن مقتل الآلاف من سكان غزة، لكن الوضع ذاته، أما أن تنتفض غزة، ويختار حماس رئيساً جديداً، أو أنه سيظهر منظمة جديدة ليتولى قيادة شعب غزة، لن يتغير شيء، ستستغرق هذه العملية وقتا طويلا؛ ولكن في نهاية المطاف سوف يتعين على إسرائيل والفلسطينيين الاعتراف ببعضهما البعض على أساس الواقع الحالي، الذي سيصب في صالح إسرائيل، إن إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، مستقلة، ومكتفية ذاتيا على وجه السرعة هو في مصلحة إسرائيل. إذا كانت إسرائيل تريد مواصلة العملية التي بدأت باتفاقية إبراهيم، فسوف يتعين عليها اتخاذ هذه الخطوة، ويجب على حماس أن تتحول إلى الوسائل السياسية والسلمية بأسرع وقت للدفاع عن مصالح الشعب الفلسطيني.

هناك بعض التعليقات بأنه تم ضياع اتفاقيتي لوزان وسايكس بيكو، فهل تنضمون إلى هذه

هناك تعليقات تشير إلى أن اتفاقيتي لوزان وسايكس بيكو فقدتا صلاحيتهما. هل توافق على هذا التعليق؟ إذا كان الأمر كذلك، فعلى أي أساس تتوقع إعادة تصميم الشرق الأوسط؟

ويبدو من غير المحتمل أن تكون أي دولة قد استرشدت بشكل مباشر بمعاهدة لوزان، لأن جميع الدول تعترف داخل حدودها بالدول القائمة في الشرق الأوسط والتي تشكلت تاريخيا ولا تخضع للمراجعة، بغض النظر عن أحكام معاهدة لوزان أو الأهم من ذلك اتفاقية سايكس بيكو سازونوف، باستثناء إسرائيل (قضية منفصلة). وبطبيعة الحال، هناك مخاوف من أن تركيا سوف تحاول تغيير حدودها مع سوريا والعراق بالقوة، كما فعلت في قبرص. ولكن الأمر لا يتعلق بمعاهدة لوزان، بل بالوضع العسكري والسياسي الحالي في المنطقة. وتعمل تركيا على تسييس المكون الكردي واستخدام الاتهامات الكاذبة ضد الكرد السوريين التي يحتاجها السياسيون الأتراك لإضفاء الشرعية على مطالبهم غير القانونية بإنشاء منطقة أمنية على الحدود السورية العراقية وكذلك لتعريب هذه الأراضي بحكم الأمر الواقع من خلال إعادة اللاجئين السوريين.

وفي هذه الحالة فإن وقف جميع أنشطة التشكيلات العسكرية الكردية على الحدود التركية من شأنه أن يساعد في إزالة حتى أكثر الأعذار سخافة للخطوات العدوانية التي اتخذتها تركيا تجاه سوريا والعراق؛ لأن الكرد في المناطق الحدودية على جانبي الحدود يتأثرون بهذا الأمر بشكل كبير. وأعتقد أيضاً أن دعوة عبد الله أوجلان، لجميع الكرد، بغض النظر عن حزبهم أو انتماءاتهم التنظيمية الأخرى، لوقف الحرب، سوف تساهم في حل القضية الكردية، والتي يتمثل جوهرها في

احترام حقوق كل كردي كشخص ومواطن، بغض النظر عن أي جزء من كردستان أو خارجها يعيشون فيه.

ومن شأن هذا الوضع أيضاً أن يعزز الموقف الدولي للعراق وسوريا في علاقاتهما مع تركيا، ينبغي حل القضية الكردية من خلال انتخاب الهيئات الإدارية على كافة المستويات، وفي مقدمتها البلديات في المناطق التي يعيش فيها الكرد بشكل مباشر.

هناك بعض التقييمات التي تشير إلى أن الهدف الرئيسي من حرب الشرق الأوسط كان تنفيذ مشروع الطاقة من الهند إلى أوروبا، ويتم تمهيد الطريق لذلك، برأيكم ما هي أهمية الوصول إلى مصادر الطاقة الجديدة ومشروع الممر التجاري والطاقة المرتقب…؟ وما علاقة ذلك بالحرب الدائرة في الشرق الأوسط…؟

في الخمسينيات والستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين، كانت مشكلة طرق نقل النفط والغاز تشكل مشكلة حقيقية، لكن اليوم، وبسبب تنويع مصادر النفط والغاز الطبيعي في أوروبا، وخاصة بالنسبة للسوق العالمية، فإنها لا تلعب دوراً كبيراً، إن التوترات العسكرية الحالية في الشرق الأوسط لها أسباب داخلية، وترغب العديد من دول المنطقة، وخاصة إسرائيل، في إثارة الصراعات الدولية من أجل استغلال هذه القضايا في صراعات القوة داخل بلدانها.

في القرن العشرين، كان الفاعلان الأكثر أهمية في المنطقة هما تركيا وإيران، ويقال إن إسرائيل ستصبح القوة المهيمنة الجديدة في الشرق الأوسط، ومع اتفاقية إبراهيم الموقعة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، ستتولى المملكة العربية السعودية الدور القيادي في المنطقة، هل تتفقون مع هذا التفسير وكيف تحللون الوضع الجديد واتفاقية إبراهيم…؟

لأسباب موضوعية (عدد سكانها، ومساحتها الصغيرة، واستحالة التوسع بشكل كبير عملياً)، تملك إسرائيل فرصة لتصبح قوة مهيمنة في الشرق الأوسط، المملكة العربية السعودية أيضاً تفتقر إلى الظروف الاقتصادية والبيئية اللازمة للتوسع والتحول إلى الهيمنة الإقليمية، ولكنها قادرة على أن تصبح مركزاً مالياً قوياً في الشرق الأوسط مع دول أخرى في الخليج وفي الشرق الأوسط.

إن اتفاقيات إبراهيم مفيدة لجميع دول الشرق الأوسط لأنها تجلب السلام، وتزيل العقبات أمام التكامل الإقليمي، ويمكن أن تعمل على تسريع النمو الاقتصادي للدول العربية التي تحتاج إلى التكنولوجيا والاستثمار -وخاصة الدول العربية كـ (مصر، العراق، سوريا) التي تعتبر فقيرة نسبياً -بسبب نموها الاقتصادي السريع.

وجّهت إسرائيل والولايات المتحد الأمريكية ضربات قوية لمحور المقاومة المعروف بالمحور الشيعي والذي يعتبر منطقة نفوذ إيران، تنظيمات مثل حماس وحزب الله تلقت ضربات قوية، الهجمات ضد الحوثيين مستمرة، انهار النظام السوري، وفي العراق تتعرض الميليشيات الشيعية أيضاً لهجمات وتهديدات شديدة، من ناحية أخرى، بدأت المحادثات النووية بين إيران وأمريكا، هل تعتقدون أن إيران هي الهدف الجديد…؟ ما هي تحديات التدخل الإيراني المحتمل، وما هي العواقب الإقليمية التي قد ينجم عنها…؟

هزيمة حماس وحزب الله، انهيار نظام الأسد، هزيمة إيران في سوريا كلها أمور سلبية بالكامل، والمفاوضات المباشرة التي حصلت بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بشأن البرنامج النووي الإيراني، والتي إذا نجحت قد تؤدي إلى رفع أو تخفيف العقوبات على إيران، وتظهر إيران أنها انسحبت من منطقة البحر الأبيض المتوسط في الشرق الأوسط وأنها مستعدة للتركيز على التنمية الاقتصادية التي تحققت في عهد الشاه، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تحاولان الحد من نفوذ إيران في العراق، والاحتمال الأكبر أن تفعل إيران الشيء نفسه، ولكن من الجدير بالذكر أن الفرس كانوا يأتون ويذهبون في هذا الجزء من الشرق الأوسط ومعظم شرق أفريقيا منذ آلاف السنين، واليوم لا شيء يستطيع إعادتها إلى حدودها في التمكين، كما أنه لا يمكن الحد من النفوذ الثقافي الإيراني في الشرق الأوسط.

إن تركيا هي دولة ذات أهمية جيوسياسية في المنطقة واستفادت من الخلافات بين أمريكا وروسيا في الحرب في الشرق الأوسط وتقوم بهيمنة العثمانية الجديدة في المنطقة، كيف ترون مستقبل تركيا…؟ هل تركيا دولة مهمة كالسابق…؟ برأيكم، ما الذي ستكتسبه تركيا من التغيير والتصميم الجديد في الشرق الأوسط…؟

لن تتواجه روسيا وأمريكا في الشرق الأوسط، لكنهما لا تتعاونان حتى في المواقف التي يمكنهما فيها حل المشاكل وفقاً لمصالحهما المشتركة، ويمكننا اظهار سوريا كمثال واضح، هنا، قد تؤدي الإجراءات المشتركة بين أمريكا وروسيا إلى خروج ديمقراطية حقيقية من نظام الأسد وإقامة ديمقراطية واسعة النطاق في البلاد، بدلاً من إقامة حكومة إسلامية متطرفة مثل طالبان الأفغانية.

في وضعها الحالي وعبر مواردها في الشرق الأوسط، لا يمكن لتركيا أن تكون دولة مهيمنة، إن النمو الجاد غير ممكن، لا موارد، لا أسواق، لا قوى عاملة، إنها غير قادرة على المنافسة مع الدول العربية في الشرق الأوسط (مصادر التمويل والطاقة البشرية التي لا نهاية لها) وإسرائيل (التمويل والتكنولوجيا المتقدمة)، ولا يبدو أن هذا الوضع سيساعد تركيا أن يكون لها مكان في المنطقة، تركيا لوحدها في الشرق الأوسط، ولهذا السبب تهتم آسيا الوسطى بالعالم التركي، لكن روسيا وإيران لا تسمحان بذلك، برأيي، ينبغي لتركيا في كل الأحوال أن تسعى لإيجاد طرق

للاندماج في منطقة الشرق الأوسط، فهناك أسواق وتكنولوجيا واقتصاد، لا أحد يستطيع تغيير هذا.

الكرد هم شعب لا مكانة لهم في القرن العشرين وتم تقسيم وطنهم بين أربع دول، الشعب الكردي ضحية لعقلية الدولة القومية المبنية على مصالح القوى الدولية، يناضلون في الأجزاء الأربعة لكسر الوضع الراهن، أقاموا نظاماً ديمقراطياً في روج آفا، شمال وشرق سوريا، هل يمكن أن يكون نضال الشعب الكردي هذا نموذجاً لإسقاط الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط وبناء شرق أوسط ديمقراطي…؟ برأيكم، ما هو المستقبل الذي ينتظر الكرد الذين تركوا بلا مكانة في القرن العشرين…؟

إن مصير الكرد مأساواي، في بلد كان مهدداً بالتفكك والفناء شبه الكامل كدولة كبيرة (1918-1922)، أصبحوا أقلية قوية جداً وواثقة من نفسها، بعد هذا الضغط (متلازمة الثورة)، القضاء على أي شخص يشتبه في كونه يريد الانفصال أو لديه عدم ثقة كاملة بالسلطات، لقد تم قمع انتفاضة الشيخ سعيد (1925)، وانتفاضة جبل آرارات (1930)، وانتفاضة ديرسم (1937-1938)، التي بدأ بها الكرد لحماية حياتهم التقليدي، بوحشية، بعد مجزرة ديرسم الدموية، ازدادت مشاعر العداء والكراهية ضد الكرد، ويجب اعتبار هذا كإبادة عرقية ضد الكرد. 

في تركيا الاتاتوركية، تم تنفيذ عمليات استيعاب فعالة ضد الكرد، تم حظر اللغة الكردية الأم، وتم إطلاق أسماء جديدة على المستوطنات والهياكل الجيوفيزيائية، كل هذا أعطى المثقفين اليساريين الكرد الفرصة لاعتبار النظام العسكري ـ البوليسي الذي أقيم في المناطق التي يسكنها الكرد أنها “مستعمرات” وتسليط الضوء على واجب النضال من أجل تحرير كردستان، لكن هذا النضال بعد عام 1945، في “تركيا الديمقراطية” بقيادة عصمت إينونو، الذي اضطر إلى وضع البلاد على مسارات ديمقراطية وكان لديه آمال كبيرة في أن يصبح جزءاً من العالم الليبرالي الغربي، تحقق متأخراً جداً، مصيره يذكرني قليلاً بمصير غورباتشوف، وكما كان الحال مع الحكم المطلق الذي مارسه غورباتشوف، أدخل إينونو حريات ديمقراطية محدودة على أمل إخضاع البلاد لسيطرته، ولكن العملية خرجت عن نطاق السيطرة، حكومة حزب الشعب الجمهوري خسرت في الانتخابات البرلمانية عام 1950 وفقدت السلطة، تزايدت الازمات الاجتماعية في تركيا في أعوام الستينيات والسبعينيات.

كانت تُرى تغييرات راديكالية، بعد عصر الدولة، تم تبني القيم الليبرالية، لقد اختفت فعلياً الوحدة الوطنية التي بناها أتاتورك بأساليب عنيفة، حقيقةً كانت قد أزيلت من الوسط، كل شخص كان يعمل من أجل نفسه، طبعاً، الأتراك منفصلين، والكرد منفصلين، لم تحقق الانقلابات العسكرية في عامي 1960 و1971، والتي كان من المتوقع أن تطفئ نار النضال السياسي أية نتائج، خلال هذه الفترة، ظهرت أحزاب وإدارات عرقية، معظمها من المتطرفين الراديكاليين (الذئاب الرمادية)، تأجج الصراع بين السياسيين والأحزاب، وتطور الإرهاب السياسي (الاغتيالات السياسية)، وحاول الكرد أيضاً تشكيل أحزابهم الخاصة، ولكن في أواخر سبعينيات القرن العشرين أصبح من المستحيل تقريباً القيام بذلك من الناحية القانونية.

بعد أن عقد قائد حزب العمال الكردستاني اجتماعاً تنظيمياً، اضطر إلى دخول سوريا، حيث يوجد فيها العديد من العناصر المتطرفة من جميع أنحاء الشرق الأوسط، وكانت القرارات التي اتخذتها قيادة حزب العمال الكردستاني بعد ذلك، على الأقل من حيث مناقشاتها وعواقبها، لم تكن متوقعة، وخاصة بعد انقلاب عام 1980، عندما أعاد الجيش السلطة إلى السياسيين، كان كل شيء جيداً، قبل كل شيء، هناك قرار الانتفاضة في عام 1984 على الأراضي التركية، لا نيّة لي بانتقاد قيادة حزب العمال الكردستاني، عندما ننظر إلى الوراء، نجد أن الجميع ذكي وحكيم، في ذاك الوقت، لم يكن اختيار الطريق الصحيح سهلاً.

السنوات التي بدأت بالنضال البطولي، ساهمت بلا شك في تطوير الوعي الكردي، ولكن لم تكن هناك فرصة لحدوث تغيير سياسي إيجابي في تركيا بهذا الشكل، عرّفوا الكرد على أنهم جماعة عرقية مستقلة وموحدة، ولكنهم تلقّوا خسائر كبيرة أيضاً، القضية الكردية محظورة بشكل كامل في تركيا، البرلماني الذي تحدث باللغة الكردية حكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات، الاشتباكات المسلحة وعنف الشرطة أدت إلى حدوث عمليات قتل، تم سجن الآلاف من الكرد لفترات طويلة من الزمن، وفقد العديد منهم حياتهم في السجن، تم تدمير آلاف القرى الكردية.

هذا كان واقع النضال السياسي، ولكن جاء الوقت الذي قرر فيه حزب العمال الكردستاني استخدام الأساليب السياسية، بعد عام 2002، حدثت تغييرات كبيرة في أنشطة حزب العمال الكردستاني، لجأ العديد من السياسيين الكرد إلى النضال القانوني من أجل حقوق الشعب الكردي، وأثبت الأكراد أيضًا في عام 2015 أنهم قادرون على الدفاع عن أنفسهم عندما يكون ذلك ضرورياً، كانت الظروف في تركيا صعبة للغاية ولا تزال: من أجل مصالح الكرد، هناك حاجة ماسة للنضال والشجاعة، لأن الأحزاب المؤيدة للكرد يتم حظرها و إغلاق مكاتبها، أمضى النواب والسياسيون فترات طويلة في السجن، ولكن العمل السياسي لا يتوقف، وهذه هي نتيجة الصعوبات التي واجهها الكرد كمجموعة عرقية في أعوام 1980 و2000، وكانت بمثابة اختبار ليس للكرد فحسب، بل لتركيا بأكملها، ونتيجة لذلك، ظهرت الآن أحزاب ذات خبرة في تركيا تحمي وتدافع بحق عن حقوق الأمة الكردية وحقوق الشعوب الأخرى في تركيا، وهذا هو النضال العملي من أجل الكونفدرالية الديمقراطية للشعوب.

تجربة النضال من أجل الحقوق الكردية تظهر أن الجهود السياسية والقانونية تسفر في الواقع عن نتائج أكثر أهمية، ومن المؤسف أنها لا تقل خطورة عن الكفاح المسلح، قد يموت البعض، وقد ينجو البعض عبر القدر، الآن، هناك العديد من السياسيين الكرد مسجونين ظلماً، ولكن عندما يهدف هذا النضال لتحقيق أهدافه بالطريقة الصحيحة، فإن الكفاح المسلح في الظروف الحديثة يسبب في عزل حزب سياسي، ومنع فرص النشاط السياسي المشروع، ويسبب ضرراً كبيراً ويضعفه هو والأمة الكردية، ولذلك فإن المجموعة العرقية الكردية غير ممثلة في الإدارات التي تتناول قضايا مهمة تتعلق بوجودها، إذا كان هناك نضال قانوني، فلا أحد يستطيع أن ينكر مكانة الكرد، الذين يتزايد عددهم ووعيهم ووحدتهم، وهدفهم ليس الصراع، بل إيجاد حل عادل للمشاكل العملية الذي يحتاجه الأتراك والشعوب الأخرى في تركيا.

لقد طوّر القائد آبو الحداثة الديمقراطية بدلاً من الحداثة الرأسمالية، ومفهوم الأمة الديمقراطية والإدارة الذاتية الديمقراطية بدلاً من الدولة القومية كنموذج، وفي المعنى العام، طوّر الكونفدرالية الديمقراطية في الشرق الأوسط التي ستكون الحل، كيف تقيمون الاقتراحات الفلسفية واقتراحات الحل للقائد آبو…؟

قائد مقاومة الشعب الكردي عبد الله أوجلان، رغم قضائه أكثر من ربع قرن في السجن، لا يتوقف عن التفكير في مصير الكرد والشرق الأوسط، يحاول فهم أساليب التطور في هذه المنطقة، وتقييم أفعاله وآرائه بشكل نقدي.

إن تعريف الكونفدرالية الديمقراطية من قبل عبد الله أوجلان يشكل خطوة مهمة نحو فهم حقيقة مفادها أن المجتمعات المنقسمة بعمق -بغض النظر عن مدى ظهورها على أنها ليبرالية أو اشتراكية تحت عباءاتها -يمكن أن تتطور بشكل سلمي وتقدمي إذا رفضت الروابط الدوغمائية الأيديولوجية، إن مفتاح الإدارة الذاتية المناطقية الحقيقي هو أن يتمكن الناس الذين يعيشون في مناطق مختلفة، أياً كانت جنسياتهم (عرقهم) ودينهم، من حل مشاكلهم باحترام وبشكل جماعي، مع التركيز على العقلانية والمصلحة المشتركة، وتتحد هذه المجموعات في اتحادات ديمقراطية.

وهذه هي الخطوة الأولى نحو الديمقراطية الحقيقية في جميع أنحاء البلاد، إن الإدارة الذاتية المحلية من قبل الشعب يعكس تقاليد الشرق الأوسط، حيث حمت المجتمعات المستقلة الحقيقية للمجموعات العرقية والدينية، الكبيرة والصغيرة، لآلاف السنين، حتى ظهور الدول القومية في أوروبا، سكان الشرق الأوسط يدفعون ثمناً باهظاً من أجل تحقيق الحداثة الأوروبية، بعد مرور قرن من الزمان على انهيار الإمبراطورية العثمانية، لا تزال بلدان المنطقة تكافح تحت براثن المفاهيم الأوروبية الزائفة للتقدم الاجتماعي، ولهذا السبب تراق الدماء، وتدمر البلدان، وتحدث الصراعات الداخلية، بما في ذلك الحرب بين الكرد والأتراك، ومن المؤكد أن مطالب الفيدرالية الديمقراطية سوف تبرز إلى الواجهة، وسوف يستفاد منها، وقبل كل شيء فأن التوترات بين المجتمعات العرقية والدينية سوف تنخفض.

نتمنى أن تنجح مبادرة المصالحة التركية الكردية، المدرجة على جدول أعمال السياسيين الأتراك، هذه المرة وأن تتاح الفرصة لعبد الله أوجلان لرؤية كيفية تطبيق الكونفدرالية الديمقراطية في الممارسة العملية، لقد حان الوقت بالنسبة لتركيا للتغلب على الانقسام الكردي التركي الطويل الأمد والمؤلم، وأن تتمكن من البقاء على مستوى مجتمعات الشرق الأوسط، وهذا من شأنه أن يساهم في التنمية الجماعية لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى