مقالات رأي

الأخوّة الكردية–العربية: شراكة تبني المستقبل

قاسم عمر
في الثامن والعشرين من تموز/يوليو 2025 المنصرم، وجّه السيد عبد الله أوجلان من سجنه في جزيرة إمرالي رسالة إلى شيوخ ووجهاء عشائر الجزيرة والرقة ودير الزور والطبقة. لم تكن هذه الرسالة مجرّد تحية أو خطاب تقليدي، بل جاءت محمّلة بأبعاد سياسية وفكرية واجتماعية، تعكس امتداد مشروع “الأمة الديمقراطية” ورؤيته لبناء سلام عادل ومستقبل مشترك في المنطقة.
إن العلاقة بين الكرد والعرب لم تكن يوماً علاقة عابرة أو وليدة اللحظة، بل هي علاقة جذرية وعميقة امتدت عبر التاريخ. عاش الشعبان في أرض واحدة، تقاسما الخبز والحروب والآلام والآمال، وصنعا معاً روابط إنسانية متينة ظلّت عصيّة على محاولات التفرقة. يشدد السيد أوجلان في رسالته على أن هذه الروابط التاريخية كانت السبب في دخول الكرد الإسلام بسهولة منذ بداياته، لتتحول الصداقة والأخوة بين الشعبين إلى قاعدة صلبة استمرت قروناً طويلة.
لكن هذه الأخوة ليست مجرد ذكرى، بل مشروع حيّ يتجدّد مع كل تحدٍ. فالمستقبل العادل للمنطقة يمر عبر هذه الشراكة، القائمة على الاحترام المتبادل والاعتراف بحق كل طرف في هويته ولغته وثقافته. بهذا الشكل تتحول الأخوة إلى قوة مشتركة قادرة على فتح الطريق أمام الحرية والديمقراطية لجميع المكوّنات.
يرى السيد أوجلان أن ما يجمع العرب والكرد اليوم ليس مجرد موروث تاريخي، بل اتفاق اجتماعي وسياسي يعكس لحظة تأسيسية جديدة يمكن أن تعيد صياغة الثقة والتحالف بين المكوّنات، خاصة في ظل واقع سوري شديد التعقيد. هذا الاتفاق يجد ترجمته العملية في دعم قوات سوريا الديمقراطية، التي لا تمثل قوة عسكرية فحسب، بل تجسّد روح الأخوة التاريخية والشراكة في الدفاع المشترك عن وحدة البلاد وأمنها.
فالالتفاف الشعبي حول قوات سوريا الديمقراطية يشكل خط الدفاع الأول في مواجهة كل محاولات الفتنة والتقسيم. وحين يقف الكرد والعرب كتفاً إلى كتف، يصبح من المستحيل أن تنجح مشاريع تمزيق النسيج الوطني أو زرع الشقاق بين المكوّنات. إنها ليست معركة بنادق فقط، بل معركة قيم تقوم على المساواة والعدالة والعيش المشترك.
في إطار نظرية “الأمة الديمقراطية”، يؤكد السيد أوجلان أن السلام الحقيقي لا يعني غياب الحرب فحسب، بل بناء نظام سياسي واجتماعي جديد، يقوم على العدالة والتعددية والاعتراف المتبادل. ومن هنا، فإن الأخوة الكردية–العربية لا تقتصر على كونها ركيزة لوحدة سوريا، بل هي أيضاً حجر الأساس لمشروع شرق أوسط أكثر إنسانية، حيث لا مكان للتمييز أو الإنكار، بل للتعاون والمساواة.
إن استدعاء الذاكرة المشتركة بين الكرد والعرب ليس ترفاً خطابياً، بل مدخلاً لبناء الثقة وتجديد التحالف التاريخي على أسس عصرية. فالعشائر العربية، بما تحمله من ثقل اجتماعي وقيمي، قادرة على أن تكون قوة دفع حقيقية في هذا المشروع، إلى جانب القوى الكردية وبقية المكونات السورية من سريان آشوريين وغيرهم.
بهذا المعنى، تتجاوز الأخوة الكردية–العربية حدود الشعار لتغدو التزاماً عملياً، يرسم معالم سلام إيجابي يعالج جذور الصراع، لا أعراضه فقط. إنها دعوة إلى إعادة صياغة العقد الاجتماعي في سوريا على قاعدة الشراكة والمساواة، بحيث تتحول قيم الحرية والديمقراطية إلى واقع ملموس في حياة الناس اليومية.
إن ما يجمع الشعبين العربي والكردي اليوم هو أكثر من تحالف ظرفي، إنه مشروع استراتيجي لإنقاذ سوريا من الانقسام والحروب. ومن خلال هذه الشراكة، يمكن أن تنبثق سوريا جديدة، ديمقراطية وآمنة وموحدة، تكون نموذجاً لشرق أوسط يعيد الاعتبار للكرامة الإنسانية، ويمنح كل مكوّن حقه في العيش بحرية واعتراف متبادل.
إنها رسالة السيد أوجلان من إمرالي، ورسالة الشعوب التي دفعت ثمناً باهظاً في سبيل الكرامة، لتقول إن الأخوة ليست مجرد ماضٍ نتغنّى به، بل مستقبل نصنعه معاً خطوة بخطوة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى