مقالات رأي

أوهام المعارضة العربية السورية المتلاشية

فتح الله حسيني

اعتماد المعارضة العربية السورية على جهة إقليمية واحدة، أفضى إلى نوع من القسرية في التعامل مع الملف السياسي السوري وطموحات تلك المعارضة وأوهامها في تسيد السلطة في دمشق، واعتبار البلاد مرة أخرى مزرعة لطائفة واحدة، بعد أن كانت مزرعة لطائفة أخرى، أي توزيع الطوائف لا توزيع الحقائب وفق المكونات والأعراق والقوميات، تلك القوميات التي وجدت لنفسها مشروعاً سياسياً شاملاً في جغرافيا شمال وشرق سوريا تحت مسمى “الإدارة الذاتية” بينما ظل المعارضون في شوارع استانبول وقصور أنقرة يحلمون بـ “قصر المالكي” وسط دمشق، أي استبدال حكم فرد بحكم فردي آخر، فقط تغيير صورة الرئيس، وهذا ما تلاشى تماماً بعد أولى مغازلة بين نظامي أنقرة ودمشق، وحتى قبلها بإعلان الرئيس التركي هشاشة المعارضة العربية الإسلامية السورية، بعد توزعها على عواصم عربية مثل: الرياض والقاهرة، وتوجس كل تلك المعارضات من المشروع السياسي الذي يقوده الكرد سياسياً وعسكرياً، بينما على الضفة الأخرى وبدل أن تتقرب تلك المعارضات من الكرد ومشروعهم السياسي باتوا أكثر عداوة لذلك المشروع.

على مدى الأيام الأخيرة، باتت بعض تلك الفصائل السياسية المعارضة تتقرب من المشروع السياسي الكردي، وربما تتوج بانفتاحها على ذلك المشروع بعد إفلاسها وفشلها في تركيا وممنوعيتها في سوريا، وهذه هي الخطوة ربما الأكثر جرأة في الاعتراف بالخطأ بعد أكثر من عقد والتقرب إلى الحل السياسي الداخلي الذي تنشده الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية دون أجندات إقليمية، وسط هذا البؤس العام، الذي يغطي مختلف أشكال وصنوف المعارضة العربية السورية بمختلف هوياتهم وخياراتهم ومناطقهم التي باتت محتلة بإرادتهم، وارتضوا العملة التركية والعلم التركي بديلين عن العلم السوري والعملة السورية.

علانية، فإن الجهة الأكثر وضوحاً في إعلانه البراءة من أي مسؤولية سياسية أو أخلاقية عما يجري في البلاد، هي الإدارة الذاتية الكردية، بينما اعتمدت الجهتان الأخريتان على تنشيط الجماعات الدينية المتطرفة وخاصة المسلحة منها، وأيضاً الاعتماد على عشرات الميليشيات المختصة بالسرقة والقتل ليس إلا.

الاعتراف بهذا الواقع المرير، والتحول المتسارع في تعقيدات الأزمة السورية إنما يستوجب اللجوء فقط إلى الحل الداخلي ولم شمل كل صنوف المعارضات الهشة وغير الهشة في إطار واحد تحت مظلة المشروع السياسي القائم في شمال وشرق سوريا كخارطة طريق للحل في عموم البلاد لتخفيف وطأة الأزمة بعد تعميقها.

فقد بات واضحاً أن أغلب ملامح الدولة ومؤسساتها تتصدأ وتتلاشى في سوريا اليوم، في ظل سطوة العسكرتاريا المفروضة دولياً وإقليمياً، وفي ظل التقسيم الجغرافي الساري دون موقف واضح من رئيس النظام أو من جانب الدول الملمة بالأزمة السورية، وسط التهجير القسري والطوعي السائد في عموم سوريا، والأكثر سلبية أن راس النظام ليس لديه مبادرة لتخفيف الأزمة الاقتصادية أو السياسية أو الخدمية، بينما الحكومات المحلية في تلك المناطق ليست على تماس مباشر مع مآسي المواطنين الخاضعين للقرارت الارتجالية منذ أكثر من عقد.

ملامح الفوضى تلك، هي نتاج الصراعات العسكرية وأيضاً السياسية المحتدمة برعاية تركية بامتياز، إلى أن تعقدت الأزمة حتى وصلت إلى ما هي عليه، برعاية دولية طبعاً هذه الإرادة الدولية التي تنصلت من استحقاقات الشعوب السورية في الوصول إلى الديمقراطية وجعلت المسألة مطاطاً دون قوانين دولية حتى أصبحت سوريا ككل مرتعاً للصراعات الطائفية والمذهبية وفرض الإرادات الإقليمية قبل الإرادات الدولية.

من أخطر المظاهر السائدة في سوريا اليوم، هي فوضى السلاح والحدود المفتوحة للفصائل العسكرية والتسليح وفق مصالح إقليمية، حولت سوريا كجغرافيا إلى ساحة للاستعراضات العسكرية والسياسية، بينما العالم كله يتفرج على مأساة السوري وعبوره بالجملة للبحار وموته على شواطئ العالم “الديمقراطي” بينما على الضفة الأخرى ليس هنالك ضغط دولي لتقريب وجهات النظر بين القوتين الأساسيتين في سوريا “نظام دمشق برعاية روسية، وقوات سوريا الديمقراطية برعاية أمريكية”.

يتساءل السوري العابر للحدود، منتظراً مصيراً مجهولاً: من يحكمنا ويتحكم بمصير البلد ويعقد الأزمة أكثر مما هي معقدة، ويهجر السوري من داره، ويخوض معارك دموية حيث يقتل السوري السوري علانية على الهوية، في ظل ظهور أمراء حرب وميليشيات تحت مسميات وتوصيفات مختلفة، وظهور مافيات سياسية واقتصادية، تربعت في قصور في استانبول وجعلت الساحة السورية مترعاً للسلاح وصفقات الفساد.

ووفق ما ذكرته صحيفة “الإندبندنت” البريطانية فإن “الأمم المتحدة بدت أكثر واقعية وملاءمة لهكذا أزمات، لأن منصاتها بدت كطاولة مستديرة حولها ما يكفي من المقاعد لجميع من يرغب في الجلوس والتعبير عن مصالحه، والوصول إلى قرارات حسب المصالح أيضاً”، بينما وراء كواليس تلك الطاولات ذاتها تتكرر مآسي شعب ما زال يحلم بالحرية والديمقراطية كأنه يحلم بخبز يومي وبيت آمن، وسوق يوفر له الحياة وسماء يوفر له عدم الموت على يد جاره.

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى