أخبارتقارير

“التسويات” طريقة لتمويل الفاسدين في السلكين الأمني والقضائي لدى حكومة دمشق

على الرغم من ترويج حكومة دمشق لموضوع “التسويات” على أنه روتين اعتيادي، إلا أن الشعب السوري بات متيقناً من عمليات السلب والنهب التي تتم عبر الأفرع الأمنية التابعة لحكومة دمشق، فمنطق الحكومة هو أن من يُجري تسوية فهو “إرهابي”، وإلا لما أقدم على هذه الخطوة، فقد أودع مدنيون وموظفون السجون بعد “التسويات”، ومجرمون تمت تبرئتهم بعد “دفع المعلوم”.

تعمل حكومة دمشق بكل الإمكانات المتوفرة لديها على العودة بالبلاد إلى ما قبل عام 2011، وذلك عبر مسلسل “التسويات” الذي أطلقته من درعا وعمّم في باقي مناطق سيطرتها، وقد أصبح المضمون العام لهذه “التسويات” تجارة مربحة، يشارك فيها السلك الأمني الذي يفرض الرشاوى والأتاوات، بعد عمليات اعتقال تطال العديد ممن خضعوا لها.

في هذا التقرير، نسلط الضوء على قصص يرويها أحد المواطنين، يعيش في مناطق حكومة دمشق، حول أشخاص خُدعوا بدعوى أن “التسويات” أمر روتيني، حتى أصبحوا معتقلين في سجون عدرا بتهم “الإرهاب” والتخريب وغيرها التي لا تقل محكوميتها عن 20 عاماً.

المواطن (أع) الذي تعرض للاعتقال والحكم بالسجن20 عاماً، دون وجود أدلة واضحة أو ثابتة ضده، ليتم إجباره على البصم على إفادات أدلى بها بعد تعريضه للتعذيب والابتزاز وحتى الإهانة على الرغم من تجاوزه سن الخمسين.

لو تعرض الحجر للتعذيب الذي تعرضت له لاعترف أنه طين

أكد (أع) أن سبب اعتقاله عام 2017 كان تقريراً كيدياً، حيث تم إلقاء القبض عليه بشكل مفاجئ، وقال بهذا الصدد “كنت أذهب وآتي على حواجز الحكومة ويتم تفييش هويتي يومياً ولم يتم اعتقالي، أنا لم أرتكب أي شيء مشين حتى يتم التعامل معي بهذه الطريقة من قبل فرع الأمن السياسي بطرطوس، المحافظة التي لم أزرها في حياتي”.

وتابع سرد قصته “في أحد الأيام، جاءني استدعاء من فرع الأمن السياسي في طرطوس، وقالوا لي إنه روتين اعتيادي للإجابة عن بعض الأسئلة، عندما ذهبت ودخلت إلى الفرع كان الاستقبال “راقياً جداً” “فقد ضربوني حتى تكسرت أسناني، واتُهمت بالمشاركة في تفجيرات طرطوس، على الرغم من أن زيارتي الأولى للمحافظة كانت منذ نعومة أظفاري، وكانت بعد استدعائي، إلى جانب اتهامي بتقديم المساعدة الطبية لمرتزقة جيش الاحتلال التركي”.

أما عن طرق التعذيب التي تعرض لها فور اعتقاله فقال (أع) “أحد العناصر قام بركلي على القفص الصدري، ما أدى إلى كسر عدد من الأضلاع وإحدى فقرات العمود الفقري، وقعت وبدأ مسلسل تعذيب لا نهاية له، إن التعذيب الذي تعرضت له لو تعرض له الحجر لاعترف أنه طين”.

سحب الاعتراف مني تحت التهديد والابتزاز بالشرف

بعد أن رفض (أع) التهم الموجهة إليه، من تفجير وتخريب وارتزاق دون أدلة واضحة، لجأ فرع الأمن السياسي في محافظة طرطوس إلى ابتزازه عن طريق التهديد باعتقال زوجته وجلبها إلى الفرع.

وقال (أع) بهذا الخصوص “زوجتي معلمة، وقد تم ابتزازي بالتهديد باعتقالها، إما أن أبصم على الأوراق والتهم المسجّلة ضدي والتي لا أعرفها، أو يتم اعتقال زوجتي بتهمة جاهزة، وهي تقديم المساعدة الطبية للمرتزقة، التهم جاهزة والسيناريو جاهز، ولم يبقَ سوى التنفيذ”.

أفاد (أع) خلال حديثه، بأنه اختار البصم على جميع التهم الموجهة إليه؛ لحماية أسرته من الاعتقال، وهنا تحوّلت التهمة من القيام بتفجير في طرطوس إلى تقديم المساعدة الطبية للمرتزقة.

سيناريوهات عشوائية

وتابع “بعد ذلك حُوّلت إلى القضاء، ورويت على القاضي قصة، حبكتها من خيالي لحماية أسرتي من الاختطاف والاعتقال، وأذكر أماكن عشوائية كنت أقدم فيها المساعدة الطبية للمرتزقة، بحسب الاتهامات التي أراد فرع الأمن السياسي تلفيقها لي”.

مضيفاً “إلا أنه بعد مراسلة القضاء لغرفة العمليات العسكرية التي كانت تقوم بأعمال تلك المناطق العشوائية التي ذكرتها تحت تهديد فرع الأمن السياسي، تبيّن أنه لم تحدث أي اشتباكات بين المرتزقة وحكومة دمشق فيها، وإنما أفرغت عبر مصالحات، وهو ما كان سبباً في توقيفي 60 يوماً في المنفردة بفرع الأمن السياسي، بتهمة تضليل الجهات القضائية وأعيد عرضي مرة آخر على المحكمة”.

وزاد “على الرغم من تقديم أسرتي شهود في الجلسة الثانية من المحاكمة، أكدوا عدم وجود أي علاقة لي بتلك التهم، إلا أن المحكمة لم تأخذ ذلك بعين الاعتبار وتم تحويلي إلى سجن عدرا في العاصمة دمشق، بعد الحكم علي بـ 20 عاماً من السجن، ثم خُفف الحكم بعد اتخاذ الأسرة عدد من المحامين والاستفادة من قوانين العفو الصادرة، إلى نحو 4 سنوات ونصف”.

بعد أن استكمال إجراءات “التسوية” أودع السجن بتهمة الإرهاب

خلال حديثه، لفت (أع) الانتباه إلى قصة مدير مدرسة في مدينة دير الزور كان معه في السجن، “قصته تبدأ من اعتقال مرتزقة داعش له بعد سيطرتهم على دير الزور بتهمة التعامل مع الحكومة، وبعد إطلاق سراحه وسيطرة حكومة دمشق على مناطق من دير الزور، طلبت منه القيام بإجراءات “التسوية”، مع أنه لم يرفع السلاح، لكن أقنعوه بأنه روتين اعتيادي.

وبعد 6 أشهر، تم القبض عليه بعد استكماله إجراءات ما تسمى بـ “التسوية” بتهمة “الإرهاب”، حيث مكث في سجن صيدنايا عاماً ونصف العام، وخرج بعد دفع رشوة مقدارها 3 ملايين ونصف المليون ليرة سورية”.

وذكر (أع) أيضاً قصة مهندس يقيم في الغوطة، أجرى “التسوية” بعد خروج مرتزقة الاحتلال التركي من الغوطة وسيطرة حكومة دمشق عليها، إلا أنه بعد مرور فترة وجيزة تم اعتقاله أيضاً بتهمة “الإرهاب”.

وقال(أع) “تهمة الإرهاب جاهزة لأي أحد، لأهداف عديدة، منها الابتزاز بالمال لإخراجهم أو لإقفال قضايا أُخرج المذنبون الحقيقيون فيها”.

تقارير كيدية لا تستند إلى أدلة

قال (أع) “وصل عدد السجناء في سجن عدرا عام 2018 إلى نحو 12800 سجين، كل غرفة تحوي من 100إلى120 شخصاً، ينامون بطريقة التسييف وهي طريقة ابتكرها السجناء، وتشبه إلى حد ما تنظيم ورق العنب في القدر أو علب السردين”.

أما عن عدد المسلحين الذين حملوا السلاح في وجه حكومة دمشق وحكم عليهم بتهمة الإرهاب، فقدّر (أع) “عددهم بنحو 700 شخص من 12800، والبقية مدنيون لم يحملوا السلاح، تم سجنهم بتقارير كيدية غير مستندة إلى أدلة”.

“محكمة الإرهاب… بتدفع ملايين أو بتنام سنين”

في شق آخر من حديثه، أشار (أع) إلى “أثناء مكوثي في أحد مهاجع سجن عدرا لقضاء محكوميتي، كان في المهجع متزعم لمرتزقة جيش الاحتلال التركي، وهو يعترف بذلك بشكل علني”.

وقال “ذات يوم، قال لنا هذا القيادي إنه اشترى براءته بالمال، وإنه سيخرج بعد أيام، لم نصدقه في البداية، لكن بعد يومين خرج حقاً مع البراءة، وعند الاستفسار عن المبلغ الذي دفعه قال لنا 18 مليوناً”.

أشار (أع) “أتذكر أن المتزعم لمرتزقة جيش الاحتلال التركي قال جملة قبل خروجه بيومين، “محكمة الإرهاب… بتدفع ملايين أو بتنام سنين””.

أرادوا أن يبيعوا لي حريتي بـ 20 مليوناً

تابع (أع) “بعد هذه الواقعة تواصلت مع أسرتي لأبلغها أني في سجن عدرا للتدخّل والعمل على إخراجي بالطريقة نفسها التي خرج بها ذلك المتزعم لمرتزقة جيش الاحتلال التركي، أي بدفع رشوة لجهات عديدة في حكومة دمشق، من بينهم قاضي محكمة الإرهاب.

وبالفعل تواصلت أسرتي مع بعض أصحاب النفوذ الذين قالوا إن الموضوع يجري بسلاسة إن توفرت الملايين وتوكيل محامٍ من طرفهم يفاوض على السعر”.

بعد تحديد محامٍ للأسرة من قبل أصحاب النفوذ الذين تواصلت معهم، فاوض المحامي الأسرة على حرية ابنها مقابل20 مليون ليرة سورية، أي أن كل سنة حكم بمليون ليرة (قبل تخفيف الحكم عبر مراسيم العفو)، ونتيجة عدم قدرة الأسرة على تأمين المبلغ، مكث (أع) في سجن عدرا أكثر من 4 سنوات ونصف، بعد أن خُفّف حكمه من 20 سنة إلى 4 سنوات ونصف، لاستفادته من مراسيم العفو الصادرة عن الرئيس السوري بشار الأسد في أوقات متفرقة.

بهذا الصدد (أع)قال “العدالة في سوريا الأسد باتت تباع وتشترى، والحرية سلعة يمكن اقتناؤها إن توفر المال”.

وأنهى حديثه بقوله “لا أشعر بالانتماء إلى الوطن ولا الوطنية؛ لأن الوطن لم ينصفه “البلد عم يحكمها الأمن”.

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى