مقالات رأي

” جبل العرب في وجه العاصفة “


د . مهيب صالحة
حدث كبير بالنسبة لمنطقة صغيرة لكنها استراتيجية كونها جنوبية تجاور إسرائيل التي تخشى أن تنجح إيران بإنشاء حزب الله سوري على حدودها عند الجولان السوري المحتل وبسط سيطرتها على كل الجنوب السوري ، مما يخلق معادلات سياسية جديدة لا ترغب بها إسرائيل . كما تعتبر بوابة الخليج العربي الشمالية لمجاورتها المملكة الأردنية بمئات الكيلومترات معظمها ذات طبيعة صحراوية قاسية تصلح لاختراقات أمنية ، عملت منها إيران عبر ذراعها الرئيس حزب الله ممرا لتهريب المخدرات وربما السلاح إلى الأردن والخليج ومستقرا لتعاطيها ومصدرا مهما لتمويل أعمالها العسكرية والأمنية والمدنية والطائفية في عموم المنطقة .
محافظة السويداء التي تراهن عليها إيران ذات غالبية درزية يظن ملالي إيران أنها مناسبة ، عقديا ، لتكون جنوب لبناني في سورية ، تحذر منه قوى دولية وإقليمية وعربية ، وفي الوقت نفسه تعمل هذه القوى على إنهاء الدور الإيراني أو تحجيمه خاصة بعد أن ملأ الفراغ الذي أحدثه تراجع الدور الروسي نتيجة حربه في أوكرانيا وانكفائه باتجاه الساحل . هذا الدور الإيراني يعتمد على ميليشيات محلية ( درزية ) يتغير تموضعها بالنسبة لإيران وفق متغيرات العلاقة مع النظام وأطرافه ( مراكز القوى ) من جهة ومع الشريك الأكبر روسيا من جهة أخرى على أساس اختلاف أو اتفاق المصالح بينهما . فقد تمكنت روسيا من تحجيم دور ميليشيا الدفاع الوطني في السويداء والتي كانت تعتمد عليها إيران بعد أن تعاظم دورها وصار حملا ثقيلا عليها في الجنوب كما في عموم سورية بسبب أعمالها وتصرفاتها الخارجة عن أي قانون أو وازع إخلاقي أو قيم مجتمعية ، فأنشأت إيران ميليشيا قوات الفجر ( في كل منطقة من مناطق النظام أنشأت مثلها ) إلى جانب ميليشيات أخرى أقل أهمية ، لكن هذه الميليشيا طغت وتجبرت على المجتمع بالسلطة المطلقة الممنوحة لها من قبل النظام وسيطرت على عمليات تهريب المخدرات تصنيعا ونقلا وترويجا فغدت تشكل خطرا ليس فقط على المجتمع المحلي وإنما على الجوار العربي وعلى توجهات روسيا السياسية في سورية التي تتمحور حول إعادة إنتاج النظام ليكون مقبولاً دولياً وإقليمياً وعربياً . هذا الخطر ربما أجمعت عليه القوى الدولية والإقليمية والعربية وأطراف في النظام فحركت أذرعها في المحافظة لأن كل سلاح ميليشياوي طالما لا يستند إلى استراتيجة وطنية هو تابع لإحد هذه القوى ويعمل في إطار استراتيجيتها في سورية كما كل الميليشيات المسلحة في عموم سورية .
إن القضاء على عصابة فلحوط كما تحجيم دور الميليشيات السورية التي انتجتها إيران في عموم سورية يأتي في سياق تحجيم الدور الإيراني المتوافق عليه دوليا وإسرائيليا وعربيا والذي قد يستكمل بتحجيم دور الميليشيات الإيرانية اللبنانية والعراقية والأفغانية تمهيداً لتوافق دولي وإقليمي وعربي على خارطة طريق لحل المسألة السورية وفق القرار الأممي رقم ٢٢٥٤ .
ويبقى السؤال الملح : هل يتمكن مجتمع جبل العرب المحلي بكافة تلاوينه من ضبط ايقاع المصالح الدولية والإقليمية والعربية بما يخدم مصالحه الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ويحفظ إنتمائه الوطني والعربي ؟؟
الجواب يتوقف على مدى وعيه الجمعي لضرورة إنتاج مرجعية جامعة تحمل استراتيجية وطنية حيال كل القضايا التي تقض مضاجع الجميع …
السويداء / ٤ / آب / ٢٠٢٢

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى