مقالات رأي

أردوغـ ـان مرشـ ـح بوتيـن للرئاسـة التـركـ ـيـة!

بين بوتين وأردوغان كيمياء خاصة في العلاقة؛ فالرجلان لديهما نزعة قومية تحن لاستعادة الماضي الأمبراطوري، ومع أن ماضي العلاقة الروسية – التركية قام على سلسلة حروب دموية إلا أن الجيوسياسة باتت مسرحاً لتبادل التطلعات المشتركة بين الزعيمين في مواجهة الغرب، ولعل ما عزز هذا التوجه هو الموقف الروسي من المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا صيف عام 2016، إذ لعب الكرملين دوراً مهماً في نجاة أردوغان من هذه المحاولة، ومنذ ذاك الوقت بات الأخير يتوجّس من الغرب ويتقارب مع موسكو رغم عضوية بلاده في حلف الناتو. وعليه، رفض أردوغان كل طلبات الولايات المتحدة والأطلسي بالانخراط في العقوبات الغربية ضد روسيا على خلفية حربها ضد أوكرانيا، حتى بدا رجلاً موثوقاً لدى بوتين في مقاربة سياسته في الصراع الجاري مع الأطلسي على أوكرانيا.

وفي هذا الإطار ينبغي النظر إلى حركة الاتصالات النشطة بين بوتين وأردوغان، وكذلك إلى ثناء بوتين الدائم على أردوغان، ووصفه بالرجل القوي الذي يحافظ على مصالح تركيا، علما أنه ليس في قاموس بوتين الثناء على زعماء الدول، وهو حين يفعل ذلك مع أردوغان يدرك جيداً أهمية ما فعله الأخير خلال السنوات الماضية لروسيا، بدءاً من الاعتذار لموسكو عن إسقاط مقاتلة حربية روسية في سوريا عام 2015، مروراً بمنح روسيا صفقة لبناء مفاعل أقويوي النووي التركي، وصولاً إلى شراء المنظومة الدفاعية الروسية إس – 400 رغم رفض واشنطن لذلك؛ ففي كل ما سبق، انقلاب تركي واضح على الأطلسي والغرب عموماً، وهو ما يشجعه بوتين على اعتبار أن تركيا باتت بمثابة حصان طراودة له داخل حلف الأطلسي، ولعل هذا ما يفسر تعالي الأصوات في الغرب ضد التوجه التركي هذا، والتساؤل إلى متى ستستمر تركيا عضواً في حلف الناتو؟ وهل حان الوقت لطردها منه؟ في الواقع، رغم مشروعية طرح السؤالين السابقين، إلا أن ثمة قناعة لدى العديد من الأوساط في الغرب، بأن العلاقة بين بوتين وأردوغان هي شخصية أكثر من تعبير عن حقيقة استراتيجية في السياسة التركية، وأن ما يجري بينهما ليس سوى لحظة عابرة لا تعبّر عن حقيقة السياسة التركية التي ارتبطت بالغرب استراتيجياً بعد الحرب العالمية الثانية.

وعليه يمكن فهم مدى تمسك بوتين بأردوغان حليفاً له، ومحاولة نسج مصالح مشتركة معه في أكثر من منطقة من العالم لاستمرار هذا التحالف أولاً، ولاستكمال التحول التركي نحو السياسة الأوراسية بدلاً من الأطلسية ثانياً، وبهذا المعنى ليس الاستحقاق المنتظر في تركيا، أي الانتخابات الرئاسية، مصيرياً لأردوغان فحسب، بل لبوتين نفسه، إذ إن خسارة أردوغان في هذه الانتخابات ستشكل ضربة قاسية لبوتين ومجمل سياسته الإقليمية، من أوكرانيا إلى سوريا.                            

ينطلق بوتين في تمسكه ببقاء أردوغان في الحكم، من معادلة تقوم على أن أي منافس لأردوغان يفوز في هذه الانتخابات سيكون موالٍ للغرب، وسينقلب على التفاهمات والاتفاقيات التي جرت بين موسكو وأنقرة، وهو ما يعني ليس خسارة التفاهمات الإقليمية بين الجانبين فحسب، بل خسارة مشاريع حيوية في مجالات الطاقة والتجارة والأسلحة والسياحة والاستثمار … ومن شأن كل ما سبق، أن يتسبب بتداعيات كارثية على الاقتصاد الروسي في هذه المرحلة الحساسة حيث استنزافها المفتوح في أوكرانيا، وعليه يسعى بوتين بكل ما يملك من أوراق لبقاء أردوغان في الحكم، من خلال خلق معطيات تساعده على الفوز في الانتخابات المقبلة، وقد تجلى هذا الأمر بقوة في الأزمة السورية، إذ لا يخفى على أحد حجم الضغط الكبير الذي تمارسة موسكو على النظام السوري للانخراط في مصالحة مع أردوغان، وعقد لقاء على مستوى القمة بينه والأسد برعاية بوتين، ورغم حديث دمشق قبل فترة أنها تفضل التريث إلى حين معرفة نتائج الانتخابات التركية إلا أن من الواضح أن الجهود الروسية أفضت إلى انخراط دمشق في المسعى الروسي هذا، وبات دور موسكو إلى حد كبير تقديم معطيات تفيد بأن أردوغان هو الفائز في هذه الانتخابات، فلماذا تأجيل المصالحة معه؟ وحقيقة الأمر بالنسبة لبوتين، أن القضية هنا لا تتعلق بالمصالحة بين دمشق وأنقرة وإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، خاصة أن كل ما يجري خارج القرارات الدولية، لاسيما القرار 2254، وإنما القضية هي أن بوتين بات يرى أن مصيره مرتبط بمصير أردوغان! وعليه بات مرشحه الوحيد في هذه الانتخابات، وسيعمل كل ما هو ممكن لاستمراره في الحكم، وهو ما يعيه الغرب جيداً، رغم أنه لا يجاهر بالعمل لإسقاط أردوغان في الانتخابات، لأسباب تتعلق بمقاربته لأهمية موقع تركيا الحيوي في استراتيجيته. والثابت هنا، أن أردوغان بسياسته المتأرجحة بين روسيا والغرب، جعل من الانتخابات التركية معركة صراع جيوسياسي دولي على سياسة تركيا أكثر من كونها مجرد استحقاق دستوري يتعلق بانتخاب رئيس جديد لتركيا.   

    خورشيد دلي/ نورث برس

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى