تقاريرمانشيت

خفايا «أستانة ـ 17» 

انتهت الجولة 17 من مسار “أستانة” حول القضية السورية في العاصمة الكازاخية “نور سلطان”، فيما يبدو أنَّ الهدف الرئيسي لهذه الجولة وفق حاضرين لاجتماعاتها وخبراء ومراقبين لدى مركز جسور للدراسات الاستراتيجية هو مجرد الحفاظ على المسار واستمرار جولاته، مع تأكيد المُتفَق عليه كخطوط عريضة وترحيل التفاصيل الخلافية بين الضامنين الروسي والتركي والإيراني مع تأكيد حرص روسيا على تثبيت بعض المكتسبات السياسية وإن كانت غيرَ متفَقٍ على تعريفها، والحفاظ على استمرارية مَسار اللجنة الدستورية وفتح فرصة لجولة جديدة لها في “جنيف”.
وحول الملفات التي تصدرت طاولة المباحثات، والنتائج المأمولة من الجولة الأخيرة، قال المتحدث باسم وفد المعارضة أيمن العاسمي لـ “القدس العربي” إن المواضيع التي ناقشتها الجولة، تتلخص بعدة نقاط رئيسية محددة بشكل ضمن جدول الأعمال، وعلى رأسها الخروقات، حيث “تحدث وفد المعارضة عن خروقات روسيا، والميليشيات التابعة لإيران خلال الخمسة أشهر الأخيرة، واستخدامها قذائف الكراسنوبول الموجهة بالليزر، والتي استهدفت المدارس والمراكز الصحية والمزارع والأماكن الحيوية عموماً وحتى المخيمات، كما ركز الوفد في هذه القضية على أن هذه الخروقات وهذا النوع من القذائف استخدم بعد انتهاء جولة أستانة 16 بشكل مباشر”.
ووجه الوفد الاتهام بشكل مباشر إلى روسيا، كونها “المسبب الرئيسي لعدم احترام وقف إطلاق النار المزعوم، وذلك، بالوثائق والأرقام ‏والتواريخ والأماكن والصور”. كما طرح الوفد، وفق العاسمي “قضية المعتقلين وتسويف روسيا وإيران هذه القضية والاقتناع برواية النظام بشكل فج، حيث شغلت هذه القضية أكثر من 80% من الوقت المحادثات”. وأعرب العاسمي عن قناعته بأن هذا البند من المباحثات لن يتقدم بشكل فعلي، إلا بتدخل مباشر للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، مضيفاً “إذا لم يحدث ضغط على روسيا والنظام في هذا الملف لن يحدث تقدم فيه بالمطلق لذلك حمّل وفد المعارضة روسيا المسؤولية أولاً ثم ‏لامبالاة المجتمع الدولي ثانياً، ‏وفي هذه الجزئية ‏تحديداً، طالب وفد المعارضة مندوب الامم المتحدة بحث الدول على تشديد العقوبات على النظام وعدم التطبيع معه كمكافأة على جرائمه”.
وناقشت الجولة ملف المساعدات الإنسانية بشكل رئيسي، كما طالب الوفد بأن تكون المعابر في شمال سوريا هي المدخل الرئيسي لهذه المساعدات، وحول المأمول من هذا الملف، قال العاسمي لـ”القدس العربي” إنه “‏من الواضح أن روسيا تستخدم هذا الملف الإنساني للضغط سياسيًا على المجتمع الدولي وعلى المعارضة حيث تطالب أن تكون المعابر من جهة النظام ودخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحررة عبر الخطوط وليس عبر الحدود لكن من الواضح بأن النتيجة كانت تشير إلى استمرارية دخول المساعدات حسب الآلية المعتادة وهي عبر الخطوط وعبر الحدود إلى الآن”.
إفشال «الدستورية»
وفي ملف آخر، ناقشت الجولة “إفشال النظام للجولة ‏السادسة من اللجنة الدستورية، حيث حمّل وفد المعارضة روسيا مسؤولية فشل الجولات السابقة كلها بما فيها الجولة السادسة، بينما رد الجانب الروسي بهذا الشأن بأنهم ينصحون النظام بأن يتفاعل مع هذه القضية ولا يستطيعون إرغامه على ذلك”. وحول الملفات الثانوية، قال العاسمي “‏ناقش وفد المعارضة مواضيع ‏كثيرة لم تدرج على جدول الأعمال، وأهمها الميليشيات الإيرانية ودورها في تخريب الحل السياسي، وعلاقتها بالتغيير الديموغرافي في سوريا، وتأثير ذلك على بنية المنطقة واستقرارها ككل، وتغذية الإرهاب، حيث حمّل وفد المعارضة، الجانب الروسي، المسؤولية المباشرة في دعم تلك “المليشيات الإرهابية” و”انتشارها على مختلف أنواعها الإيرانية والانفصالية في المناطق الشمالية وفي منطقة تل رفعت وما جاورها، الأمر الذي أحدث حالة من التوتر”.
وتضمن البيان الختامي للجولة الأخيرة، 18 نقطة، لم تختلف في معظمها عن بيانات الجولات السابقة مثل التأكيد على سيادة سوريا ووحدة أراضيها واستقلالها، ومحاربة الإرهاب ودعم الحل السياسي، لا سيما مسار اللجنة الدستورية، كما أعاد بيان هذه الجولة من جديد ما تضمنته بيانات الجولتين السابقتين 15 و16 بذكر “الإصلاح الدستوري” بدلاً من عبارة “كتابة دستور جديد”.
قراءة لمدير «جسور»
وقال مدير جسور للدراسات الاستراتيجية محمد سرميني إن البيان تميز، مقارنةً مع البيانات السابقة، بمُطالَبة المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بالمساعدة في عملية “التعافي المبكر” في سوريا، وإشارته إلى “التوطين المحلي”، والتي يُقصد بها المصالحات، باعتباره الأسلوب الأنجح في استعادة الأمن والاستقرار. وتعد الجولة 17 مقارنة بالجولات السابقة هي الأولى في جولات “أستانة” التي لم يسبقها تصعيد روسي بقصف مناطق المعارضة، وعادة ما كانت مشاهد قصف المدنيين تشكل ضغوطاً وحالة استفزاز لوفد المعارضة قبل أي جولة مفاوضات وفق دراسة لمركز الأبحاث حول نتائج الجولة الأخيرة من مسار أستانة.
بينما استبقت الجولة – أسوة بسابقاتها – بخطوة لتبادل الأسرى في معبر “أبو الزندين” بإشراف الجانب التركي والروسي، وتمرير المساعدات الإنسانية عَبْر الخطوط بين مناطق المعارضة والنظام من معبر “سراقب” مع تقدير أن إجراءات إطلاق سراح المعتقلين وتمرير المساعدات ما تزال شكلية أو رمزية، وفي حدودها الدنيا.
وقرأ سرميني عدداً من المؤشرات في جولة “أستانة 17” أهمها أن المسار “بات يُعبِّر أكثر من قبل عن تلازُم المسارين السياسي والميداني، وأصبح تقييم عمل اللجنة الدستورية وتحديد الجدول الزمني لعقد جولاتها في جنيف يُقرَّر بين دول “أستانة” الثلاث، وبشكل أدقّ بين تركيا وروسيا مع المراقبة الحَذِرة من إيران، وهو ما يعني مزيداً من انزياح العملية السياسية نحو مسار “أستانة”. كما رأى سرميني أن موسكو تحاول ومن خلال منصة “أستانة” إعادة تعريف عمل اللجنة الدستورية وحَصْره بالعمل على الإصلاح الدستوري وليس كتابة دستور جديد، وإعادة الترويج إلى المصالحات على أنها النموذج الأنجح في تحقيق الاستقرار.
واستنتج الخبير السياسي من الجولة بأن منطقة شمال غربي سوريا تتَّجه في المرحلة المقبلة إلى مزيد من الاستقرار النسبي، رغم بقاء بعض الملفات العالقة وأهمها فتح الطريق الدولي M4 أمام الدوريات المشتركة والحركة التجارية، وعزل الفصائل المعتدلة عن المتطرفة، وهي ملفات من شأنها أن تُحافظ على استمرار وقف إطلاق النار، وإنْ بشكل قَلِق ومؤقت، مضيفاً أن مخرجات “أستانة” لا تبتعد – في تأكيد دعم الاستقرار ووقف إطلاق النار وإجراء عملية التعافي المبكر وتخفيف الحصار الاقتصادي عن النظام- عن التفاهُمات “الروسية-الأمريكية” بخصوص التعاطي مع الملف السوري.

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى