تقاريرمانشيت

هفرين خلف.. ضحية الحرب التي تشنها “كلاب حرب أنقرة” على شمال شرق سوريا

كان قد أظهر التقرير الطبي الذي صدر في أكتوبر/تشرين الأول، الخاص بتشريح جثمان السياسية الكردية الشابة هفرين خلف، هول العنف المفرط الذي ترتكبه الميلشيات الإسلامية التي تدعمها تركيا. في يوم 13 أكتوبر الماضي، خيّمَ اليأس على وجه الكرد في سوريا، ففي بلدة المالكية/ديريك الصغيرة، توجهت المئات من السيارات والشاحنات الصغيرة والدراجات النارية، صوب مقبرة الشهداء لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان الشهيدة هفرين خلف، القيادية السياسية الشابة، التي اغتيلت في 12 أكتوبر.
في مقبرة هذه البلدة في أقصى شمال شرق سوريا، ثمة حركة دائمة يشيع الناس بوقارٍ ومجد جثمان “هفرين”، التي وارى جسدها الثرى في المقبرة المخصصة للشهداذ، بينما يبلغ عمرها 35 عاما. 
نحن هنا، بين هذه الهضاب مترامية الأطراف والغبار الذي  يهبُّ بلونه الذهبي، في قلب كردستان دولة الحلم، التي ضحى لأجلها الكثير من الرجال و النساء. يقع إلى الشمال منها الأفق التركي، وإلى الشرق تكون جبال كردستان العراق. تتحركُ الجنازةُ بوقار وإجلال في طقسٍ مهيب، يرافقه النشيد الوطني الكردي، وأغاني الثوار الكرد وتحية القوات العسكرية ورثاء النساء المسنات، اللواتي اتخذنَّ من العلم الكردي شالاً على أكتافهن، مع أصابعهن ترفع إشارة النصر، لكن كان كل ذلك يجري بصمتٍ مهيب، تقديرا لموكب الشهداء.
غير أنَ هذه الجنازةُ ليست مجرد تشييع آخر في هذه الحرب التي لا تنتهي، إنها جنازةُ ممهورة بآثارٍ نجسة، فمنذ استشهادها، يتداول الناس فيما بينهم مقطع الفيديو الذي يظهر اغتيالها على أيدي المجموعة الإسلامية التي أوقفت سيارتها، وأطلقت عليها وابلا من الرصاص، وصوروا عمليتهم تلك بينما يهتفون ويرددون الهتافات. هذه المجموعة، هي جزء من الميلشيات الإسلامية الموالية لـ”أنقرة”، والتي انضمت  إلى الجيش التركي الذي بدأ عدوانه ضد قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية.
هفرين خلف، هذه الشخصية النسوية والشابة التقدمية، والتي ساهمت في تأسيس حزب سياسي صغير، وُلد في مدار الحركة الكردية، حزب سوريا المستقبل الذي يحمل رؤية لا مركزية لمستقبل البلد، حيث يقول أولئك الذين يعرفون “هفرين”، إنها كانت ذات شخصية حيوية ذكية وامرأة عصامية.
هذا وكان حاجز على الطريق الدولي M4
صباح ذلك اليوم، انطلقت “هفرين” بسيارتها المصفحة، التي كان يقودها سائق يدعى فرهاد رمضان، واتجهت إلى مقر حزبها في بلدة عين عيسى الواقعة بالقرب من مدينة الرقة. وفي مسار رحلتها عبر السهول السورية، كانت “هفرين” تستعد لمواصلة عملها الدبلوماسي، غير أن تلك الرحلة التي تكون في في العادة رحلة آمنة للغاية، باتت الآن خطيرة، فقد اقتحمت ساعة الحرب هدوء العمل السياسي.
قبل ثلاثة أيام من الحادث، بدأت الميلشيات المرتزقة لدى “أنقرة” بفرض طوق عسكري على شمال شرق سوريا، ووصلت إحدى فصائلها إلى الطريق الدولي السريع M4، وهو فصيل يتزعمه أبو حاتم شقرا قائد لواء “أحرار الشرقية”، وهو فصيل سوري ذو توجه جهادي سلفي، يصنف على أنها وحشي، ومعروف بأنه شارك في عمليتين سابقتين للجيش التركي في سوريا: “درع الفرات” بين أغسطس/آب 2016 ومارس/آذار 2017، و”غصن الزيتون” في يناير/كانون الثاني 2018 خلال العدوان على مدينة عفرين الكردية.
تتشارك عناصر “أحرار الشرقية” العقيدة الإسلامية التطرفية ذاتها التي يعتقنها الأتراك والعداء الشديد لأي مشروع للاستقلال الكردي. وفي عفرين، اتُهموا بنهب ومصادرة الممتلكات الخاصة بالكرد، وقاموا أيضا بتدمير متجر للكحول، وهم يرددون الأغاني الجهادية المعروفة. وكذلك دخلوا في اشتباكات مع مجموعات جهادية أخرى.
الأعمال الوحشية التي ترتكبها هذه المجموعات لا تزعج سلطات “أنقرة” أبدا، فقد قام “أردوغان” نفسه في أنقرة، في مايو/آيار 2018، باستقبال أبو حاتم شقرا مع العديد من قادة الميليشيات الموالية لتركيا، وبادر بالثناء على شجاعتهم في المعارك التي خاضوها في “عفرين”.
يحتاج الزعيم التركي إلى “رؤوس محترقة”، أي إلى أشخاص لا يردعهم شيء من أجل القيام بأكثر الأفعال قذارة، بل يحتاج إلى عبيدٍ يطيعونه طاعةً عمياء، من أجل تنفيذ مشروعه الكبير: تدمير المشروع الكردي في شمال شرق سوريا، وتحويل تلك المنطقة إلى محمية تركية حقيقية.
صباح ذلك اليوم وفي ال12 من شهر أكتوبر/ تشرين الأول، عام 2019 وبينما كانت هفرين خلف تمضي في طريقها مع سائقها، دون التفكير في إمكانية أن يكون هناك كمين في انتظارهم، كانت الميلشيات الإسلامية قد وصلت إلى الطريق الدولي السريع، ونصبت لها حاجزا. وقاموا بطرد وقتل كل من يشتبه في انتماءهم إلى الكرد من تلك المنطقة.
وفقا لمصدر مطلع، مشترطا عدم الكشف عن اسمه، فإنه “عندما توقفت سيارة هفرين على الحاجز، كان قد فات أوان الخلاص. أطلقت الميليشيا الإسلامية النار على سيارتها”. ويظهر الفيديو أنها كانت لا تزال حية مع سائقها، لكن تم جرهما خارج السيارة وأطلق على الفور وابلا من الرصاص على جسدهما، كل ذنبهم بأنهم داعين وصانعين للسلام في سوريا.


ADARPRESS#

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى