مقالات رأي

ديمقراطيون ثوريون في مانفستو مجتمع المساواة والسلام والديمقراطية يواجهون حكومة د1عـ ـشية تنتخب نفسها

كمال حسين
إن من يتابع التعليقات والمواقف على منصات التواصل الاجتماعي هذه الأيام حول أي موضوع يتصل بالشأن الوطني العام، أو حول الأحداث والتطورات الجارية في سوريا والمنطقة العربية في الساعات الماضية؛ يستنتج إن طلاقاً حتمياً لابد أنه حاصل بين مفهومين متنافرين للدولة والوطن والثقافة، ولطرق فهم التاريخ، فمن انتخابات صورية لا علاقة لها بقيم العصر، ولا شبه لها بأي نوع من الديمقراطية ينظمها؛ نظام دولة الإمارة الإسلامية الحاكم في دمشق، والذي يرتب هندامه السياسي والشعبي ليكون حلقة أساسية في إمبراطورية دولة خلافة إسلامية كبرى، يكون مقرها عند السلطان العثماني في أنقرة، أو في قندهار، أو في أي مكان على وجه الأرض ينتعش فيه التخلف والجهل بالدين والتاريخ.
انتخابات يختزل بها الحاكم أحمد الشرع إرادة الشعب ورأي الأحزاب والتيارات السياسية والمثقفين وممثلي المكونات السورية الدينية والعرقية، وبمنأى عن مشاركة أكثر من ستين بالمائة من الجغرافيا السورية، انتخابات لم تتقارب إلا من حيث المضمون، حتى مع الانتخابات التي درج نظام الأسد على تعويد السوريين على نمطها.
فالموضوعية تقتضي الاعتراف بأن نظام الأسد على هزالته لم يصل إلى هذه الدرجة من الإسفاف في احتقاره لدور الشعب، ولممثلي قطاعاته المختلفة؛ بل إن النظام الإسلاموي الجديد لا يعترف بأيٍّ من قيم العصر المتعلقة بحريات البشر وكرامتهم، ولا يعتمد غير رؤيته البالية التي تزعم أن الخليفة مفوض من قبل الآلهة لأنه الأكثر فهماً لإرادتها، وبذلك، وبفعل هذه السياسة فهو يدفع الكتلة الغالبة من الشعب إلى التذمر والانتفاضة والثورة.
فمفهوم النظام المتسيد الآن لمسائل الدولة والمجتمع لا تدور بالنهاية حول طريقته في إجراء انتخابات ما يسمى بمجلس الشعب فقط؛ بل هي مفاهيم وممارسات تُكْرِه المجتمع الفسيفسائي السوري على تقمص نموذجها بدءاً من طريقة اللباس والمشي في الشارع، إلى المناهج المدرسية وطريقة التفكير، وصولاً إلى طرق الأكل والتحدث والنوم، وحال السوريون معه هي حال نزلاء سجن مع سجنائهم، ويبقى المؤسف في محصلة المشهد هو أن نفراً من الانتلجنسيا السورية تربت في مدارس الإسلام السياسي، وتشكل وعيها على أيدي خطباء مساجد يتبعون أفكار تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، نفر من أخصائيين تعودوا أن ينظروا إلى قانون نيوتن، وقوانين الفيزياء بعيون آبن تيمية، وأمثاله من مدعي التبحر في الفقه والدين. هذا النفر مازال وقود مشروع الخديعة والتضليل، ومازال مسكوناً بقيم الحقد والطائفية والتكفير.
إن صوت هؤلاء مدعي الثقافة من خريجي الجامعات، والذين يكتبون في التعليقات دفاعاً عن القتل والتطييف والتتريك بوهم الحرص على الدين والأسلمة؛ أنهم في الحقيقة مازالوا في سذاجة فهمهم ينتظرون أسراباً من طيور الأبابيل تقاتل معهم عدوهم، ومن يظنون به عدو الأمة والدين، لكن الأمانة في رصد الواقع تقول هؤلاء ليسوا وحدهم من يغرد على مسرح اللحظة، وصار عزفهم ممجوجاً وفي تراجع دائم. وبعد التطورات الحاصلة في معادلات القوى داخل الإقليم، وبعد فشل حملات الجهاد والنفير على الساحل والسويداء، وما أثارته من غضب واستياء عالمي، وبعد تخاذل رموز مدرستهم، وركوعهم أمام أقدام الأمريكان والإسرائيليين؛ تحولت أحلامهم إلى خيبات وكوابيس، ومعاركهم وفتوحاتهم المزعومة في دير حافر وسد تشرين وسواها إلى هزائم.
وإذا كانوا هم وحدهم من يطلق التهديد، ويظن بنفسه ولنفسه القوة؛ فهناك اليوم من بوجههم يمتلك ما يفوقهم في القوة والعزيمة، ولأنه يعرف الطريق إلى الخلاص؛ يحتقرهم ويحتقر استخدام طرق العنف والحرب والقوة، هناك مهندس الطرق الجديدة عدو الدولتية ونزعات العنف والحروب، صاحب مانفستو
السلام والمجتمع الديمقراطي، نزيل سجن جزيرة إمرالي، القائد والمفكر عبد الله أوجلان، حيث تستحق لعنة التاريخ على مُصادري حريته ومُصادري حق الأمل لديه.
إن خصوم الشعب السوري من دعاة الأسلمة والتطييف والإرهاب؛ لم يكن بوسعهم حتى الآن أن يدركوا إن الأوجلانية، وهي خصمهم اللدود؛ هي مذهب في الفكر والسياسة، قائم على المساواة ونبذ العنف، وعلى احتقار مبدأ التمييز بين البشر والأجناس بجميع الميادين والصور، الطبقية منها أو الجنسانية فالعرقية أو الاعتقادية والثقافية.
لكن هؤلاء الخصوم والأعداء، أعداء الحياة الحرة والمساواة ستصيبهم الخيبة والخذلان، سيما وأن القيم الأوجلانية المتمثلة بنهج قوات سوريا الديمقراطية تشهد نمواً وانتشاراً متزايداً في صفوف المكونات السورية، وفي عموم مجتمعات الإقليم.
ومن المهم في هذا السياق أن نشير إلى الدلالة البالغة في هذا الظرف بالذات، وإلى المعاني التي حملتها رسائل القائد أوجلان أمس الأول في لقائه المطول والموجه مع وفد حزب المساواة وديمقراطية الشعوب في مقر اعتقاله في جزيرة إمرالي، حيث أكد مجدداً على أهمية السلام والحوار من أجل مجتمع السلام والديمقراطية، كما شكر جميع من ساهم في إطلاق مبادرة السلام ووقف إطلاق النار قبل عام من الآن وبعد مضي ثلاثمائة عام من الحروب والدماء، كما أكد مجدداً الالتزام بمبادرة السلام، وعلى مبدأ المفاوضات الديمقراطية، وضرورة تحقيق الضوابط القانونية والسياسية اللازمة لنجاح مسيرة السلام.
ولقد كانت الرسالة الأشد قطعاً مع طرق العنف والحروب هي رسالته إلى المسيرة النسائية المعنونة “بالأمل نسير نحو الحرية”، والتي تنظمها حركة المرأة الحرة، الرسالة التي تثمن أهمية المسيرة، وتحض على أولوية قاعدة المفاوضات الديمقراطية كطريق أوحد يحفز المرأة على اعتمادها في جميع المجالات بدءاً بالخلاف داخل الأسرة مع الرجل، وانتهاءً بدورها في حياة الدولة والمجتمع، ليختم بأن مبدأ التفاوض هو ضرورة الحضارة، والضرورة في كل علاقة.
نخلص إلى تفسير حول التوجيه الأوجلاني باعتماد مبدأ التفاوض الديمقراطي في حياة الدول والمجتمعات والأفراد، إنما يقصد فيه التفاوض المتكافئ الذي لا يحصل من موقع ضعف، ويستلزم ضوابط قانونية وسياسية.
ويأتي التعريج في موضوعنا على التوجيهات الأوجلانية المتواترة في الآونة الأخيرة؛ للإشارة بأنها موجهة إلى مجتمعات الإقليم، وإلى أن الساحة السورية من بينها ليست متروكة لقوى الإرهاب الداعشي كي تعيث فيها بطشاً وفساداً، وإلى أن الانتخابات المهزلة الأخيرة ليست من علامات القوة، وليست نهاية المطاف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى