سوريا بين الممـ.ـاطلة والتصـ.ـعيد: مستـ.ـقبل غامـ.ـض للتـ.ـفاهمات بين الإدارة الذاتـ.ـية والحكـ.ـومة الانتقالية السـ.ـورية

كمال حسين
منذ توقيع اتفاق 10 مارس/آذار بين رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الجنرال مظلوم عبدي، بدأ وكأن سوريا تقف على أعتاب مرحلة جديدة من التفاهمات الداخلية.
الاتفاق تضمّن بنوداً محورية تتعلق بالملف العسكري والسياسي والإداري، من أبرزها دمج قوات “قسد” ضمن الجيش السوري، وحل قضايا مرتبطة بالأحياء الكردية في حلب، ومعالجة أوضاع النازحين من عفرين وسري كانييه وكري سبي – تل أبيض. غير أن مرور الأشهر كشف عن غياب الإرادة الحقيقية لدى دمشق لتنفيذ هذه الالتزامات.
غياب الإرادة الحقيقية لدى دمشق في الوفاء بالتزاماتها تترجم بالمماطلة، فالحكومة الانتقالية تراهن على عامل الوقت حتى نهاية العام الجاري للتملص من الاتفاق. هذه الاستراتيجية تعبّر عن “عدم قناعة” حقيقية بالمسار التوافقي، ومحاولة لفرض تفسير أحادي لبنود الاتفاق بما يخدم مصلحة دمشق وحدها.
لكن الجمود السياسي لم يبقَ حبيس الغرف المغلقة. فقد شهدت مدينة حلب تصعيداً لافتاً تمثّل في هجمات على مواقع الأمن الداخلي في حي الشيخ مقصود، إضافة إلى ضربات استهدفت مواقع “قسد” في دير حافر. هذه التطورات، تحمل مؤشرات على دفع البلاد نحو حرب جديدة مختلفة عن المراحل السابقة التي عرفتها سوريا خلال العقد الأخير.
وإذ أن هذا التصعيد مرتبط “بالاستقواء الخارجي والفصائل المنفلتة”، وتحميل “قسد” والإدارة الذاتية بالمماطلة أمر مغاير للحقيقة، لأنها قدّمت عدة مبادرات لمعالجة ملفات التعليم والأمن، وإعادة تشكيل الحكومة، فضلاً عن ملف المهجّرين. غير أن هذه المبادرات قوبلت بتجاهل متعمّد من جانب دمشق التي بدّلت مواقفها بعد أن شعرت باكتسابها شرعية دولية متنامية على خلفية محاولات رفع بعض العقوبات الخارجية عنها.
بهذا، يتضح أن العلاقة بين دمشق و”قسد” تتأرجح اليوم بين مسارين متناقضين: مماطلة سياسية تُفرغ اتفاق مارس من محتواه، وتصعيد ميداني يعيد البلاد إلى أجواء الحرب، ما يفتح الباب أمام أسئلة كبرى حول مستقبل التفاهمات الداخلية، ومصير الاستقرار في شمال وشرق سوريا.
في خضم حالة المماطلة التي تتهم بها دمشق، يبرز الدور الأميركي كعامل مؤثر في المعادلة. فإن انفتاح واشنطن على السلطات السورية هو “براغماتي ومرحلي”، هدفه تمرير صفقات معينة لا أكثر. ومع ذلك، يطالب الجانب الكردي الإدارة الأميركية بالتعامل مع الملف السوري من زاوية أوسع، قائمة على المصالح الوطنية لجميع المكونات السورية. حيث أن اعتماد نهج متوازن يمكن أن يجلب الاستقرار والحل المستدام، ليس لسوريا وحدها وإنما لدول الجوار أيضاً.
لكن الواقع يُظهر أن الرهان على الخارج لا يعوّض غياب التفاهمات الداخلية. فيجب التذكير بأن الحديث الرسمي في دمشق عن “ضمانة دستورية لحقوق الكرد” لم يترجم عملياً، إذ إن الإعلان الدستوري الصادر بعد يومين من اتفاق مارس؛ لم يُقر بهذه الحقوق، ولم يلتزم باستقبال الوفد الكردي المشترك الذي كان مقرراً أن يزور العاصمة. هذا التناقض يضعف الثقة، ويجعل أي حديث عن “ضمانات” أقرب إلى شعارات سياسية.
إلى جانب الملفات الأمنية والسياسية، تقترب سوريا من موعد العملية الانتخابية المزمع إجراؤها في 5 تشرين الأول/أكتوبر. لكن من منظور الإدارة الذاتية، فإن هذه الانتخابات “لا تمثل تطلعات الشعب السوري”، بل تُعتبر محاولة شكلية لاكتساب شرعية داخلية، وإن تشكيل لجان فرعية لتمثيل محافظتي الرقة والحسكة لا يعكس الإرادة الفعلية لسكان شمال وشرق سوريا، حيث أن لهذه المناطق ممثلين منتخبين وإرادة سياسية قائمة لا يمكن تجاوزها.
بذلك، تبدو الانتخابات المقبلة عاملاً إضافياً في تعميق الانقسام، بدلاً من أن تكون فرصة لبناء توافق وطني واسع. ومع استمرار تجاهل مطالب المكونات المحلية، فإن المشهد الانتخابي لن يسهم سوى في تعزيز الفجوة بين دمشق والإدارة الذاتية.
لا يكتمل المشهد من دون التوقف عند الدور التركي الذي يظل فاعلاً مؤثراً في معادلة شمال وشرق سوريا. حيث تحاول أنقرة “تصدير أزماتها الداخلية وصراعاتها السياسية إلى الداخل السوري”، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على أوضاع المناطق الكردية، ويزيد من تعقيد مسار أي تسوية.
فمناطق الإدارة الذاتية “لا تشكل تهديداً على الإطلاق لأي دولة جارة”، هذا ينسف تصريحات الرئيس أحمد الشرع التي اعتبر فيها أن وجود “قسد” يمثل خطراً محتملاً.
لكن قراءة أعمق تكشف أن الأزمة السورية ليست مجرد خلافات بين دمشق و”قسد” أو صراع نفوذ إقليمي، بل هي نتيجة تراكم سياسات أحادية فشلت في استيعاب التعددية المجتمعية والسياسية للبلاد. استمرار المماطلة في تنفيذ اتفاق مارس، بالتوازي مع تصعيد ميداني وتدخلات خارجية، يهدد بإعادة البلاد إلى نقطة الصفر.