مقالات رأي

الزلـ ـزال يضـ ـرب “خرائـ ـط النـ ـزوح” ومخـ ـاوف من تغيـ ـيرات ديموغـ ـرافية


قلق في تركيا من هجرة نهائية لسكان المناطق المنكوبة ومطالب بوقف تهجير أكراد سوريا
لم يعد حدوث الزلزال وانهيار مباني السكان في كل من سوريا وتركيا هو الفاجعة الوحيدة التي حلت بهم في الأسابيع القليلة الماضية، بل إن الخوف من تغيير طبيعة السكان والهندسة الاجتماعية لمعظم المناطق التي ضربتها الهزات الأرضية العنيفة بات هاجساً لدى المجتمعات المحلية والمراقبين والناشطين في مجال حقوق الإنسان.

في تركيا تحدثت وسائل إعلام محلية عن قلق في مناطق الزلزال من هجرة نهائية للسكان نحو مناطق أخرى لم تتأثر بالكارثة، حيث هاجرت عائلات من ولايات مثل هاتاي (لواء إسكندرون) وغازي عنتاب وكهرمان مرعش وآدي يمان وغيرها إلى ولايات أخرى لم تشهد دماراً، فيما تشهد مناطق هذه العائلات هزات ارتدادية قارب عددها على 10 آلاف هزة، بحسب مراكز رصد الزلازل.

حديث المؤامرة

كما أن هناك قلقاً آخر، بحسب صحافيين أتراك، من قدوم عائلات سورية تأثرت بالزلزال في بلادها والسكن في المناطق التي هجرها السكان الأتراك، الأمر الذي عزز توجه ساسة معارضين لسياسات حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا لإثارة ملف وجود اللاجئين السوريين في تركيا، إذ قال زعيم حزب “الوطن” التركي المعارض محرم إنجه في تغريدة على “تويتر” إن “المعابر الحدودية مفتوحة والسوريين يواصلون القدوم” إلى تركيا بعد الزلزال.

وأضاف إنجه “هناك مؤامرة كبيرة قيد التنفيذ في هاتاي بينما نحن منشغلون بالتعامل مع كارثة الزلزال”، محذراً من مواصلة توافد السوريين إلى الولاية الواقعة على الحدود مع المناطق التي تعرضت للزلزال في سوريا كجنديرس وريف إدلب.

لكن مولود أوغلو وزير الخارجية التركي رفض في 13 فبراير (شباط) الجاري التكهنات في شأن موجة هجرة جديدة من سوريا في أعقاب الزلازل
للكرد في تركيا ذاكرة متخمة بوقائع التهجير والانتقال الداخلي بسبب الصراع على الهوية الذي اتخذ طابعاً عسكرياً منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وقد ضرب الزلزال الأخير مناطق مهمة للكرد، لا سيما ذوو المذهب العلوي، كما في عنتاب ومرعش وإسكندرون وأريافها مثل ألبيستان ذات الوزن الصناعي والتجاري في هذه المنطقة، والتي تعد في الوقت نفسه قاعدة شعبية لذوي التوجهات اليسارية في البلاد على مدى العقود الماضية، ولعل الأحداث التي شهدتها مرعش عام 1978 وقضى فيها نحو 100 شخص علوي وجرح قرابة 1000 آخرين، ما زالت تشكل حدثاً فارقاً في قضية الاستهداف على الهوية وعدم قبول التنوع، من وجهة نظر الأكراد لا سيما العلويون منهم، في حين تطالب القوى السياسية الكردية الدولة بالتحقيق في تلك الأحداث ومحاسبة المسؤولين عنها.

تقول السياسية أليف بولوت من حزب “الشعوب الديمقراطية”، لـ”اندبندنت عربية”، حول التركيبة السكانية للمناطق التي تعرضت للزلزال ودورها في الانتخابات التركية، إن جزءاً مهماً من السكان الذين يعيشون في المحافظات التي ضربها الزلزال يتكون من الأكراد والعلويين والعرب العلويين. مضيفة أنه على رغم وجود مناطق حصل فيها تحالف الشعب (حزبا “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية”) على أكثر من 50 في المئة من الأصوات، فإن هذه المنطقة تتمتع دائماً بواقع من شأنه زعزعة تكتل الحزبين، ولا يمكن التأكد من إمكانية السيطرة عليه”.

وبحسب بولوت فإن ما يقرب من نصف اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا يعيشون في المحافظات التي تعرضت للزلزال، إضافة إلى أنها من المناطق التي يعيش فيها الأشخاص المهمشون بشكل مكثف، وهو أمر يشكل حرجاً للحكومة “المتخصصة في تحويل كل كارثة إلى فرصة تحاول استغلالها لتفريق التركيبة السكانية والسيطرة عليها” على حد تعبيرها.

وتعزو السياسية الكردية دافع الحكومة إلى تغيير تركيبة هذه المنطقة إلى أنها (الحكومة) تعتقد أنه بمنع السكان الأصليين من العيش معاً وتشتيتهم في المناطق الأخرى، سيمنع التمرد الذي سينجم عن آثار تقصير الحكومة، والذي أدى إلى مقتل الآلاف من الناس جراء الزلزال.

زلزال انتخابي

وترى القيادية في حزب “الشعوب الديمقراطية” أن الحكومة تتعامل مع الوضع القائم جراء الزلزال واقتراب الانتخابات الرئاسية من جانبين، فإلى جانب دفع السكان إلى عدم التماسك بمناطقهم وإجبارهم على الهجرة لمنع الغضب من الوضع المتراكم جراء التهميش وآثار الزلزال، فإن الحكومة تسعى أيضاً إلى التقليل من الأثر المدمر للواقع في هذه المناطق عبر السيطرة على الإعلام المستقل أو وسائل التواصل الاجتماعي.

من جهته، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الإثنين، أثناء زيارته لولاية آدي يمان، عن بلوغ عدد المساكن التي ستبنى بعد اكتمال المسوحات الأرضية في منطقة الزلازل 309 آلاف منزل، مؤكداً أن الحكومة التركية تدرك كل شيء بخصوص آثار الزلزال وتواصل العمل المكثف لاتخاذ الإجراءات اللازمة.

وتوضح السياسية التركية أليف بولوت كيفية تأثير الزلزال في الانتخابات التركية، بقولها إن آثار الزلزال الذي ضرب البلاد عام 1999 وانعدام الثقة في الدولة كانا أحد أهم الأسباب التي أوصلت حزب “العدالة والتنمية” إلى السلطة.

في سوريا على رغم أن مشاهد الدمار متشابهة مع جارتها تركيا فإن الأنقاض تزال بوتيرة أبطأ كثيراً، وكذلك عملية تأمين مراكز الإيواء أو المساكن، مع إقامة المتضررين في الخيام وانتشارها على جوانب الطرقات والبساتين، لا سيما في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية.

لكن الوضع القائم يثير قلق السوريين من حدوث استغلال من لدن بعض الأطراف،

لزيادة عمليات التغيير الديموغرافي وتوسيع بناء المساكن في المناطق التي دمرها الزلزال، ولا سيما منطقة عفرين التي تتبع لها بلدة جنديرس، أكثر المناطق تضرراً على مستوى البلاد.

وحذر مجلس “سوريا الديمقراطية” الأسبوع الماضي من استثمار تركيا المساعدات الدولية المقدمة إلى السوريين، خصوصاً التبرعات التي خصصتها بعض الدول لبناء مساكن وقرى جديدة في أراضٍ تعود ملكيتها إلى المواطنين الكرد، داعياً المجتمع الدولي إلى التدخل وممارسة الضغوط “لوقف تهجير الكرد من أماكنهم الأصلية، حيث هجر حتى الآن ما يفوق 70 في المئة من أهالي عفرين”.

من جهته قال المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة” بسام الأحمد إن ما يدعوهم إلى القلق من حدوث تغيير ديموغرافي جراء الزلزال الأخير هو أن كل أطراف النزاع في سوريا وبخاصة النظام السوري والمعارضة السورية متورطون في عمليات تغيير ديموغرافي خلال سنوات الصراع، فمثلاً سن النظام السوري قوانين لإعادة التنظيم والإعمار، واستخدم تلك القوانين لإجراء تغيير ديموغرافي في مناطق سيطرته، كما أن المعارضة السورية فعلت الأمر ذاته، وعفرين خير مثال على ذلك”.

وأوضح أن المعارضة قامت تحت مسمى إيواء النازحين بتثبيت أناس من غير السكان الأصليين في تلك المنطقة وتغيير هويتها، وكل هذه الممارسات تزيد مخاوفهم من تصاعد عمليات التغيير الديموغرافي، لأن هذه الأطراف متمرسة في إجراء مثل هذه العمليات في مناطق سيطرتها، والزلزال سيعطيها فرصة جديدة لذلك بحجة إيواء المتضررين.

هدايا الدمار

وأكد الأحمد أنه على رغم تأييدهم إيواء النازحين والمتضررين من الزلزال فإنه “لا يجب استخدام هذه الحجة لإجراء عمليات التغيير الديموغرافي” على حد تعبيره.

وأضاف أن المناطق التي يمكن أن تشهد مثل هذه العمليات هي ذاتها التي شهدت تغييراً ديموغرافياً قبل الزلزال، وأبرزها عفرين التي أنشئ فيها عدد من القرى السكنية، والأطراف والمنظمات التي كانت تعمل في هذا المجال ستجد في الدمار الذي لحق بالمنطقة فرصة مناسبة لاستكمال تلك العمليات.

واستدرك أنه لا يستبعد قيام النظام السوري أيضاً بالتركيز على أحياء ومناطق في حلب، لا سيما الأحياء التي نزح عنها أهلها في فترات سابقة، لهدم بناياتها وإعادة بنائها وإسكان أناس غيرهم فيها.

في 19 فبراير أعلن المجلس المحلي التابع للمعارضة السورية عن إقامة مخيم في قرية هيكجة يضم 437 خيمة بتمويل قطري، لكن تقريراً لحزب “الوحدة الديمقراطي” الكردي في سوريا، 25 فبراير، قال إن “فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات) أقامت على أرض زراعية بجوار القرية، وأجبرت عشرات العائلات القاطنين في قرى تابعة لجنديرس وفي بلدة شيخ الحديد وقرى تابعة لها على النزوح إلى المخيم بحجة أن مساكنهم متصدعة أو متضررة، وذلك من أجل استكمال أركان مشروعها المصطنع بالتالي استمرار تدفق المساعدات عليها لتسرق منها ما تشاء”.

وتساءل حزب الوحدة عن سبب عدم إقامة المخيمات على أراضٍ غير صالحة للزراعة، وهي واسعة وعلى بعد كيلومترات قليلة من الأراضي التي بنيت عليها حالياً، مؤكداً أن السكان الكرد في جنديرس يدفعون إلى النزوح عن المدينة، علماً بأنها بحاجة إلى ترحيل الأنقاض وإعادة الإعمار وليس تكديس خيام المستقدمين في محيطها وربما تحويلها إلى كتل أسمنتية خلال مدة ليست طويلة.

عبدالحليم سليمان/ اندبندنت عربية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى