كونفرانس وحدة الموقف في الحسكة: رسالة سياسية تتجاوز حدود الجغرافيا

قاسم عمر
شهدت مدينة الحسكة في 8 من آب/ أغسطس 2025 انعقاد كونفرانس وحدة الموقف لمكونات شمال وشرق سوريا، تحت شعار “معاً من أجل تنوع يعزز وحدتنا وشراكة تبني مستقبلنا”، وهو حدث سياسي مجتمعي حمل أبعادًا تجاوز كونه مجرد اجتماع محلي، ليشكّل محاولة جدية لرسم ملامح خريطة سياسية جديدة في البلاد.
جاء المؤتمر في لحظة انسداد سياسي على مستوى الملف السوري ككل، مع استمرار فشل مسارات التفاوض في إنتاج حل، وإصرار حكومة دمشق في خلق بيئة تهميش للمكونات السورية جمعاء، وحالة غياب ثقة المكونات بالحكومة.
بالعودة إلى المؤتمر فقد أشارت الوثيقة المنبثقة من المؤتمر إلى جملة من الأهداف، منها:
1. تثبيت التعددية كقيمة سياسية: نقل التعدد القومي والديني من كونه “حالة جغرافية” إلى كونه “مشروعًا وطنيًا” قائمًا على الشراكة.
2. المطالبة بدستور ديمقراطي جديد يكرّس اللا مركزية، ويضمن مشاركة المكوّنات في القرار السياسي، وهو طرح يتناقض مع مركزية النظام السوري الحالي.
3. إطلاق مسار للعدالة الانتقالية كمدخل لطي صفحة الصراع، مع رفض أي تغيير ديمغرافي قسري.
4. الدعوة إلى مؤتمر وطني شامل يضم كافة القوى الوطنية، في محاولة لخلق “مرجعية سياسية بديلة” لا تحتكرها الأطراف المتحكمة بالحلول الدولية.
5. ترسيخ دور قوات سوريا الديمقراطية باعتبارها النواة الأولى لجيش وطني جديد، وهي نقطة ذات حساسية عالية في أي مفاوضات مع دمشق أو القوى الإقليمية.
لا يمكن قراءة هذه الأهداف بمعزل عن مسعى الإدارة الذاتية لتثبيت شرعية سياسية تتجاوز حدود شمال وشرق سوريا، عبر بناء شبكة تحالفات وطنية تمتد إلى السويداء، والمناطق العلوية، وصولًا إلى أطياف المعارضة الديمقراطية خارج الإطار المسلح التقليدي.
هذا الانفتاح يهدف، على ما يبدو إلى كسر الصورة النمطية التي حصرت المشروع في الإطار الكردي، وإبرازه كخيار سوري جامع.
انعقاد المؤتمر في الحسكة، قلب منطقة الإدارة الذاتية، حمل رسالة واضحة، فهي أصبحت مركزًا لصياغة رؤى وطنية تشمل كامل سوريا.
المشهد الذي جمع قيادات عربية وكردية وسريانية وتركمانية ودروز وعلويين، ولو عبر رسائل مصوّرة، منح المؤتمر بعدًا رمزيًا قويًا يتمثل في إمكانية التلاقي عبر الهويات المتعددة، رغم خطوط التماس العسكرية والسياسية.
يعتبر المؤتمر محاولة لبناء جبهة داخلية في شمال وشرق سوريا، تتحول لاحقًا إلى قوة تفاوضية في أي مسار سياسي دولي. بالإضافة إلى ذلك، تحديًا ضمنيًا للنظام السوري الذي يسعى للحفاظ على مركزية السلطة، إذ يطرح نموذجًا لا مركزياً سياسيًا مغايرًا. وفي نفس الوقت، رسالة للخارج، خاصة للمجتمع الدولي والولايات المتحدة، بأن مكونات المنطقة تمتلك مشروعًا متماسكًا يمكن الاستثمار فيه كبديل للفوضى.
المؤتمر لا يملك، بحد ذاته، القدرة على فرض حل شامل، لكنه يضع حجر أساس لتحالف وطني قد يجد صدى لدى معارضة الداخل غير المرتبطة بالخطاب الإسلامي المتشدد أو الأجندات الخارجية.
تبني المؤتمر دور قوات سوريا الديمقراطية كـ “نواة جيش وطني” يعني عمليًا هو تحد واضح للمنظورين التركي والدمشقي، اللذين يعتبران أن قسد قوة أمر واقع وحالة مؤقتة.
هذا الموقف سيجعل أي تفاوض حول ترتيبات ما بعد الصراع أكثر صعوبة، لكنه في المقابل يعطي المنطقة ورقة قوة تفاوضية، خصوصًا في ظل استمرار الدعم العسكري الأميركي.
حكومة دمشق الانتقالية وعلى لسان وزير خارجيتها أسعد الشيباني؛ رفضت مخرجات المؤتمر. المؤسف في هذا الرفض أن الشيباني رفض وهو في زيارة إلى تركيا، هذا يثبت أن الحكومة السورية مجرد آلة لتنفيذ ما تؤتمر بها. رفض الحكومة وداعمتها تركيا تأتي من مبدأ أن هذا المؤتمر يمثل شرعية سياسية ووطنية جامعة، وهذا ما يقلص من شرعية دمشق ومن مؤتمرها وإعلانها الدستوري، خصوصا أنها، أي الحكومة الانتقالية هي التي نسفت اتفاق ١٠ آذار من خلال إعلانها الدستوري الذي صدر في ١٣ آذار. حيث كان البند الثاني من الاتفاق ينص على أن المجتمع الكردي مجتمع أصيل، لكن الإعلان الدستوري لم يعترف بوجود الشعب الكردي بتاتاً. أما البند الأول كان ينص على مشاركة جميع المكونات في العملية السياسية، لكن الحكومة اتهمت أبناء الساحل بالفلول، وأبناء طائفة الموحدين الدروز بعملاء إسرائيل والكرد بالإنفصاليين. هذا يعني أن الحكومة خونت كل من يعارض سياساتها، واتجهت إلى نظام استبدادي بصبغة إسلاموية لا تعترف بالتنوع.
تركيا التي سعت لزرع الفتنة، وإحداث شرخ في النسيج السوري عبر دعم الحكومة في ممارسة العنف، وارتكاب المجازر والمذابح بحق السوريين، تقف الآن أيضاً عائقاً أمام أي مشروع وطني يخدم بالدرجة الأولي السوريين. فالدور التركي كان منذ بداية الحِراك السوري سلبيا. طوال ١٤ عاماً كانت تركيا تدعم المجاميع الإرهابية عسكرياً، وتدعم الإخوان المسلمين سياسياً للوصول بها إلى سدة الحكم. بالمقابل لم تقطع علاقاتها الاستخباراتية بالنظام السوري البائد، وصلت بها المطاف أن تطلب من روسيا الوساطة للتطبيع، وأصرت على موقفها حتى قبل سقوط الأسد بيوم. تركيا وبعض الدول الخليجية تحاول سد الطريق أمام أي اتفاق بين قسد والحكومة لخوفها من تدويل القضية الكردية من جهة، ومن جهة أخرى إضفاء الشرعية على الإدارة الذاتية الديمقراطي لإقليم شمال وشرق سوريا.