أخبارمانشيت

أطروحات القائد آبو للمؤتمر الثاني عشر لحزب العمال الكردستاني

ننشر لكم أطروحات القائد آبو التي أرسلها إلى المؤتمر الثاني عشر لحزب العمال الكردستاني والتي نشرتها صحيفة سرخبون.

المقدمة

يبدو أن جلستنا ستكون مثل ما قبل الكونفرانس، وأود أن أعطي عنواناً كهذا لعملنا:

“نهاية حقبة واتخاذ خطوة نحو حقبة جديدة في الوجود والقضية الكردية”

سيكون هذا مسعىً صعباً وتاريخياً للغاية، وبينما نتجه نحو إعادة هيكلة جديدة، هناك حاجة إلى تناول القضية تحت العديد من العناوين المختلفة، ويتطلب كل عنوان من هذه العناوين تحليلات متعمقة، وسوف يستغرق الأمر وقتاً، ولن يكون من الصواب التسرع في ذلك. وإلى جانبها، فإن “المقدمة” ستعطي روح النص الرئيسي، والإدراك في هذه العناوين الرئيسية سيكون إبداعياً بالقدر الكافي، وبناءً على ذلك سنتناول “المقدمة”، ويمكن للرفاق والرفيقات أيضاً الاعتماد على هذه المسودة وتناول مراحل المؤتمر، لأن العمل بأكمله قد يستغرق ما يصل إلى شهر، وهذا قد يؤخر العملية وقد يتسبب في وقوعها في مأزق.

أودُّ أن أبدأ بموضوع “الوعي الوجودي وإدراك الوجود عند الكُرد”، وتلك المقاربات الشهيرة مثل “هل الكُرد موجودون أم لا، وإذا كانوا موجودين فإلى أي مدى استطاعوا أن يكونوا موجودين؟ والأهم من ذلك أيضاً، إلى أي مدى يتشابك هذا الوجود والحرية مع بعضهما وإلى أي مدى يجعل كل منهما الآخر ممكناً؟”، فحزب العمال الكردستاني هو حركة لإثبات وجود الكرد، وفتح باب الحرية أمامه، وها هي، هناك تعثر في هذه النقطة، حيث أن المرحلة التي أعقبت فترة تسعينيات القرن الماضي تعبّر عن هذا الأمر، ولهذا، دعونا ننظر بعض الشيء إلى الماضي القريب، على سبيل المثال، كيف يمكن أن نفسر الكلمات الأخيرة للشيخ سعيد وسيد رضا، القائدان البارزان للانتفاضتين الكرديتين المؤثرتين والتقليديتين؟ يمكنني أن أشرح ذلك قليلاً، هذا يعبر عن أن الكردايتية التقليدية قد تم تدميرها.

وهذا هو معنى هذه الكلمات، الكردايتية التقليدية تعني في الوقت نفسه الوجود الكردي التقليدي، فكلا القياديين البارزين الأخريين للوجود الكردي يعبّران عند مشنقة الوجود ويتركان خلفهما إرثاً وذكرى، ماذا كانت الكلمات الأخيرة لشيخ سعيد؟ يطرح سؤالاً كهذا: ”ألم تقل يا سيد المدعي العام بأننا سنتناول لحم الخروف معاً؟”، هذه غفلة دينية، لأنه شيخ متديّن ينتمي إلى الطريقة النقشبندية، وهو في الأساس تعبير عن خدعة مأساوية حزينة، ويظهر مدى انخداعه في العقيدة التي لجأ إليها، ويسلط الضوء على ذلك.

وقولُ سيد رضا: “لم استطع التغلب عليكم، وليكن هذا بمثابة ألم في نفسي؛ لكنني لم أركع أمامكم، وليكن هذا بمثابة ألم في نفوسكم” أبلغ تعبيراً، هذه العبارة تعبّر عن الانخداع، وتظهر أيضاً أنه فُرض عليه الاستسلام حتى اللحظة الأخيرة، وعن مقولة ”استسلم وانجوا من الإعدام“، يجيب: “كلا، لن أستسلم، ليكن هذا ألماً في نفوسكم“، إنه حقاً يترك ديرسم كمنبع للألم… إنه يعبر عن ذلك. وبالمحصلة، كلا التقليدين، التقليد النقشبندي وكذلك التقليد العلوي، أو التقليد السني العلوي، بالأساس كلاهما مصطنعان، عندما تطوّرت الحداثة الرأسمالية على شكل الدولة القومية من الناحية الأيديولوجية، فإنهما يضعان أساس إنكار الكرد بهذين المفهومين، ففي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تم بناء علوية مصطنعة كهذه.

في الواقع يتم تدمير الوجود التقليدي للكرد بهذين الخداعين، فهذا هو جوهرها، لكن آثارها لا تزال ملفتة للنظر، حيث تُعاش الواقعة بصورة ملموسة في كلٍّ من جوليك وديرسم، وهذين القائدين كانا يعبران عن ذلك في الواقع، فهذا التعبير في غاية الأهمية عند المشنقة، فهو يعبّر عن واقع ميت، ليس واقعاً مريضاً وليس جريحاً، بل واقعاً ميتاً.

وبالإضافة إلى هذا، مرت فترة انتقالية في شخص قاضي محمد ومصطفى بارزاني وقاسملو وجلال طالباني، ما الواقع الذي تعبر عنه هذه الفترة؟ نعم، إنها تعبر عن واقع، التقليد الذي نعرفه، نسميها إقطاعية، ونسميها فترة انتقالية، فالمرحلة التي بدأت من هناك وتأني إلى يومنا، هي الشخصيات شبه البرجوازية وشبه الأرستقراطية، وما نقصده بالبرجوازية هي هذه، فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وهي فترة ما تزال مستمرة في وجودها إلى اليوم، أي أن الرأسمالية والبرجوازية في الإسلام… هل شهدت فترة كهذه، أو هل يمكن أن تشهد فترة كهذه؟ لكنها موجودة، هناك مثل هذه الرأسمالية والوجود القومي والوعي القائم على أساس القومية، هذا واضح من ممثليها، على أي حال، قاضي محمد لديه بالفعل تقليد الدولتية، وما يزال بارزاني يخوض تجربة الدولتية، والطالباني شريك في ذلك، ولكن ما تزال دولة قومية كردية بحيث تترك بصمتها على العصر غير موجودة حتى الآن، أو مشكوك فيها مهما كانت هناك محاولات، وحتى لو كانت موجودة بالفعل، فإلى أي مدى ستكون ظاهرة محلية، إنه أمر قابل للنقاش، والأهم من ذلك أن هذه الدولة الكردية الفيدرالية الأخيرة نشأت ضدنا، فقد تم تطويرها بشكل مباشر على أساس الجمهورية التركية، وهي في الواقع نسخة متحوّرة، وقد تم طرحه كوسيلة لتصفية الحركة الثورية منذ عام 92 فصاعداً، ففي البداية البرلمان الفيدرالي، ثم الأجهزة الأخرى، فها هي القوات العسكرية تقوم بإلقاء تلك المنشورات لنا لكي نستسلم بمساعدة هذه القوات، هذه حقيقة ملفتة للانتباه، هذه مرحلة انتقالية… أي القومية الكردية، ورأس المال الكردي، وما نسميه البرجوازية الكومبرادورية الرجعية، وقد يكون بعضها أكثر تطوراً، يكون المركز في آمد أو هولير أو السليمانية أو حتى في مهاباد، لكن في رأيي، إن تشكيل الأدوات هذه تم فرضها للتصفية، مثل عناصر مؤقتة ضد الثورة، هو أمر مصطنع، وهذا هو المضمون الأيديولوجي والتطبيق العملي على حد سواء.

وأمر أخر، نحن نتحدث أيضاً عن الفترة البينية، الفترة البينية هي الفترة التي تصل إلى وقتنا الحالي، وكممثلين أو معبّرين عنها، أدرجتُ سعيد ألجي، وسعيد قرمزي توبراك، وسليمان مويني وإخواته، بل إنني أدرجتُ أيضاً سراج بلكين، وجيكرخون في الأدب، وآرام تيكران في الموسيقى، أي معنى يمكننا أن نضيفه لهؤلاء؟ نحن نسميهم وطنيين، كما نسمي بعضهم اشتراكيين، فجميعهم حديثون وصادقون، أي أنهم لم يقوموا بأي تواطؤ، ولم يصبحوا إرادة للقوى المناهضة، ولم يصبحوا أدوات للقوى المناهضة، ولم يصبحوا صوتها، لكنهم ظلوا فرديين جداً، ومعظمهم تم تدميرهم من قبل المتواطئين، وواجهوا صعوبة في إيجاد معنى لأنفسهم، وواجهوا صعوبة في الحفاظ على أنفسهم، ووقعوا جميعاً ضحية المؤامرات، والأهم من ذلك أنهم ماتوا في المهجر، فهؤلاء لديهم واقع المهجر، لكن بالطبع، لقد أثروا علينا قليلاً أيضاً، لذا، بغض النظر عن الطريقة التي نتناولها، فهؤلاء هم نماذجنا الأولون، وأقولها عن نفسي أيضاً، هؤلاء يبدون كحقيقة أولية (نموذج أولي) للآبوجية، أردت أن أُضفي معنى كهذا على هذه المرحلة البينية.

بعد هذه المقدمة، الجزء الذي يهمنا، أودُّ التحدث عن حقيقتي، المرحلة التي تركت بصمتها على نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، هناك حقيقة آبو، واضحة ولا يُمكن إنكارها أو المبالغة فيها، بالطبع، كيف يُمكن تفسير حقيقة آبو هذه…؟ ما الذي تُعبّر عنه كحلم وحقيقة…؟

“حقبة آبو” في شخصية القائد لم يُفهم إلا قليلاً، لا يُفهم، تقولون “حقيقة القائد”، لكن ما هي هذه الحقيقة؟ أنتم لا تدركون، الشعب مُشتّت، مُشلول، لا يملك قوة الفهم، لا توجد كوادر كافية، لقد ارتبط دهشة ومسيحانية الكرد طوال خمسين عاماً بهذه الحقيقة، لقد شكّلت القيادة في حزب العمال الكردستاني (PKK) نقطة تحول في التاريخ الكردي، وهي على الأقل بأهمية صحوة الكرد وثورة الانبعاث، آبو ليس مسيحاً نزل من السماء، بل هو قائد، خلق نفسه بالكدّ والتحقّق الاجتماعي، في تاريخ الكرد وكردستان، نشوء القيادة هو قيادة اشتراكية، نشوء القيادة في شخصية آبو ليس نشوء ثقافة فردية، بل هو نشوء قيادة جماعية.”

في مرحلة ظهور القائد، كانت الكردايتية مشتتة، وأُفلست القيادة التقليدية، وحُرم الكرد من التفكير، لذلك، فإن تطورها في مثل هذا الوضع، وتحميلها معانٍ خارقة، أمر مفهوم، لكن كفى! منذ خمسون عاماً وأنا انتظر فهماً حقيقياً، أقولها، أقولها وأكررها، لم يفهموا حقيقة قيادة حزب العمال الكردستاني، لم يفهموا حزب العمال الكردستاني، لم يفهموا الكرد الأحرار، لم يفهموا كردستان، أصرّوا على الرجعية ولذلك أنتم لا تتطورون ولا تصبحون قادة، ولكي أجعلكم جزءًا من القيادة الحقيقية، أنا في خضم جهود ونضال على مدى خمسين عاماً بلا هوادة.

مالم يتم فهم حقيقة القيادة بشكل صحيح، وتتبنوا هذه الحقيقة ووضع قيادة المجتمع جانباً، لن تتمكنوا من المضي قدماً، حقيقةً، لن تتمكنوا حتى من حمل أنفسكم، لديّ قدرة هائلة على الكلام والفعل، وأقدمها لكم، وأحاول أن أمنحكم القوة، لكنكم ما زلتم لا تتلقّونه، تفرضون أنفسكم كمشكلة لا حل لها وتُصرّون عليها، لماذا؟ هذا مهم، لأنه عمل جدي، في هذه اللحظة، تركت حقيقة آبو، كحدثٍ زمانيٍّ ومكانيٍّ، بصماتها على التاريخ وما تزال، وقد وصلنا إلى مشكلة حزب العمال الكردستاني لإيجاد حلٍّ لها، أو مسألة حلّ الحزب، هذه اللحظة ما تزال حالةً أعيشها كل لحظة… نعم، هنا تكرارٌ للحظة، قيمتها الإبداعية ليست عالية، هناك حاجةٌ لاتخاذ خطوة كبيرة، يجب القيام بخطوة، من الملفت، ليس من جانبنا، بل من شخصٍ لطالما عارضني في النضال، وبذل قصارى جهده لإعدامي في كل لحظة، شخصٍ أصبح حزباً يعتمد على حساسية الهوية التركية، وأصبح الصوت واليد الأكثر تأثيراً في الدولة، وهو دولت بهجلي، الذي افتتح هذه المرحلة الجديدة، أي أن شخصاً، قاد حرب لا هوادة فيها ضدنا، دولت بهجلي، يقول لوفد حزب المساواة وديمقراطية الشعوب: “لقد أمضيت حياتي كلها من أجل هذا، لكنني الآن أريد أن أفتتح مرحلةً جديدة”، حسب رأيي، هذا أيضاً تعبير عن دعوة مفتوحة للسلام والمجتمع الديمقراطي، من جهة هي دعوة للسلام ومن جهة أخرى التضامن، وهي أيضاً دعوة للسلام بمضمون ديمقراطي، التطوّر يُظهر ذلك إلى حد ما، والاستنتاج الوحيد الذي يمكن استخلاصه من هذا هو أن من يحاربون وحدهم هم القادرون على تحقيق السلام، بمعنى آخر، ليست القوى الثانية والثالثة، ولا القوى الوسيطة والحليفة، بل القوى التي تحملت مسؤولية الحرب وحدها هي القادرة على تحمل مسؤولية السلام، لأن السلام لا يقل جديّة عن الحرب، ووحدهم من تحملوا مسؤولية حدث جدّي كهذا هم القادرون على تحمل المسؤولية بالدرجة الأولى، ولهذا فإن الدولة هي التي تخوض هذه الحرب، أرى من الضرورة أن أحوّل هذه الحرب مع الدولة إلى تجربة لبداية جديدة على أساس السلام، وقد قيل هذا في الأشهر الستة الماضية، لقد قررنا أيضاً وبحق، ألا تبقى هذه اليد الممدودة في الهواء، وألا يبقى هذا الصوت المرتفع بلا صدى، واستجبنا، اعتبرنا أنفسنا مسؤولين بصفتنا المسؤول الأول والمدير لهذه الحرب، واستجبنا دون تأخير، وقد تم مشاركة هذا أيضاً مع الرأي العام، وتعبيره كالتالي: الذي يخوض الحرب وحده من يستطيع تحقيق السلام، أما المحاورون الآخرون فلا يملكون القدرة على تحقيق السلام، إنهم في المرتبة الثانية، أو هم مساعدون، المبادرة الرئيسية هي مبادرة أولئك الذين يقودون هذه الأعمال، وهكذا دخل في مسار، برأيي إنه أسلوب صحّي، وبناءً على هذا الأسلوب، قمنا بتوسيع البداية قليلاً، وتحت إشراف الدولة، نعد برنامجنا مع اجتماعنا هذا، نحن في خضم محاولة بناء مجتمع ديمقراطي، نريد ان نتجاوز هذه المرحلة، ما هذا؟ خصوصاَ مع الجمهورية التركية، للخروج من الحروب والصراعات الانفصالية والدخول في عملية السلام والوحدة الديمقراطية، وستحدث عمليات مماثلة في دول أخرى -العراق وإيران وسوريا، المشاركة في المبادرة التركية، برأيي، هو تعبير عن العقلانية وأيضاً الحقيقة، يجب أن يكون الأمر كذلك، وهذا ما يحدث، لذا، فإن هذه الخطوة المتخذة هي خطوة جادة للغاية، ورغم أنها ستواجه بعض الصعوبات، إلا أنها تبدو الخطوة الأصح، هل سيتم تجاوز هذه المرحلة…؟ بشكل عام، الجهود الخلاقة هي التي ستجعل ذلك ممكناً، على هذا الأساس، أحاول عرض العملية الجديدة تحت سبعة عناوين وسيطة، لماذا اخترت هذه العناوين السبعة، وكيف اخترتها؟ نناقشها جيداً.

1-الطبيعة والمعنى

أردتُ أن أبدأ بأقل ما يمكن أن يخطر على بال الانسان “الطبيعة والمعنى” أو “جدلية الطبيعة”، سأحاول التوسع أكثر، يُشير المعنى إلى الارتباط والمشاركة، وكخاصية، فهو مفهوم مشترك واجتماعي، المعنى، قبل كل شيء، هو معنى شيء ما، لا يمكن للإنسان الحديث عن معنى مستقل وخارج عن الوجود، حسنًا، كيف ينشأ المعنى؟ يُنمّي الإنسان قوة المعنى بالاستماع إلى الطبيعة، لذلك، فإن أول طريقة للتعلم هي التقليد (الميمتيك)، يتحول الإنسان من الطبيعة بالاستماع إليها على مر التاريخ، ضعفت تدريجياً طريقة تعلم الاستماع للطبيعة، لأنه كلما تطورت اللغة الرمزية والتفكير التحليلي، عرّف الانسان الطبيعة بمفهومه الخاص، ونتج عن ذلك اغتراب الإنسان عن الطبيعة، وبلغ هذا الاغتراب ذروته في مرحلة الحداثة الرأسمالية، فأصبحت الفكرة السائدة في كل فترة حقيقة لتلك الفترة، أي أنه إذا وُجدت فكرة سائدة لفترة ما، فإنها تُعتبر حقيقةً لتلك الفترة، هناك حقيقة، وهناك تعبير عنها، وهذا التعبير يُعبّر عن فكرة أو خيال، على سبيل المثال، عصر فكرة الميتيك السائدة، نُسميه عصر الميتيك، أو عصر يعبّر عنه بالخيال بشكل كامل، أطول عصر عاشته البشرية، عاش الإنسان عصر الميتيك ملايين السنين، جانبه التقليدي (الميمتيك) أكثر تقدماً، وهو متشابك مع حواس التقليد الحيوانية… يُسمَّى هذا العصر، الذي استمر ملايين السنين، عصر الميمتيك، الميمتيك… ثمَّ تطوَّرت فكرة الميتيك، وهي تُمثل بشكل رئيسي واقع العصر الحجري الحديث، والعصر الحجري الحديث الأعلى، والعصر الحجري الأوسط، نظيره الاجتماعي هو مجتمع العشائر والقبائل، يصبح تدجين النباتات والحيوانات، في جوهره، أسلوب الثقافة والحياة الجديدة يعبر عن هذا العصر، وتتجاوز فكرة الميتيك والحواس الحيوانية، ويُعبَّرُ عنها بالكامل من خلال الخيال، يتطور الفكر الرمزي لدى الانسان، من حيث الفكر، يختلف عن الفكر الحيواني، الفكر الرمزي سمة من سمات الانسان فقط، يختلف الانسان عن الحيوانات من حيث الفكر الرمزي، في فكر الميمتيك، لا توجد رموز، بل يوجد تقليد فقط، هل التقليد فكرة أم لا، يتم مناقشته، قد تمتلك الحيوانات عقولاً، لكنها ليست حالة فكرية، وهكذا، فإن فكر عصر الميمتيك رمزي، عالم فكر الميتيك هو قصص، أبعد من ذلك بقليل، هناك فكر الديانات التوحيدية أو الأفكار المشابهة لها، وحتى يومنا هذا تقريباً، توجد مرحلة من الفكر الديني، أي المعنى الديني، مصدر كليهما هو ما نسميه الشرق الأوسط، ومهد البشرية هو ميزوبوتاميا العليا، مهد كل من فكر الميتيك والفكر الديني، يقع بين واديي دجلة والفرات، الميت هي بناءات ذات معنى للتنشئة الاجتماعية، بناءً على الاحتياجات المادية والروحية للحياة الاجتماعية، يتم رمزها من خلال بنية اجتماعية، ومن خلال التنشئة الاجتماعية للعشيرة يتم إرساء قوة الحقيقة الفكرية.

انتهت الدورة البيئية الكبرى قبل حوالي 15 ألف عام، وهناك بدأت فترة مناخية جديدة، تمهد لظهور العصر الحجري الحديث وبداية عصر جديد، هنا، يبدأ الإنسان أيضاً بإيجاد اللغة والفكر الرمزي، ويخطو خطواته نحو الحضارة والدولة.

هل تُعبّر فكرة هذا العصر عن الطبيعة، وهل لها معنى بالنسبة للطبيعة؟ في الأساس، يبدو أن الأمر كذلك، كما هو موجود، فإذا أخذنا الإسلام مثالاً، نجد أن هناك مفهوم نربط كل شيء به، مثل وجود الله، ووفقاً له، فإن الله يُحيط بالكون، وله السيادة على كل شيء في كل وقت، ويخلق كل شيء في كل وقت، إلخ، يُقدَّم تعريف كهذا لله، بل ويُعبَّر عنه بطريقة لا يمكن تعريفها، إنه اعتقاد، يُقدَّم بطريقة لا يمكن التعبير عنها، عندما يُقال الإسلام، فهذا هو، في جوهره، هذه مرحلة ومرحلة مثيرة للاهتمام للغاية في تاريخ البشرية، وهذا أيضاً هو سبب التأثير الشديد بالإسلام، فالإسلام فكرة بين الفلسفة والميثولوجيا، والفكر الإسلامي ليس فلسفياً تماماً ولا فكر الميتيك تماماً، إنه يعارض كليهما بشدة، ويجد هذا تعبيره في الغزالي، وإذا اعتبرناه مدرسة، فإن الغزالي هو المدرسة السائدة، من ناحية، تغلق الأبواب أمام الفلسفة في أوروبا التي تفتح فيها الطريق أمام العلم وتتجه نحو النجاح، ومن ناحية أخرى، يُعزز اللاهوت، لكن اللاهوت ليس فلسفة، ومن ناحية أخرى، يُغلق عصر الأساطير، وهكذا يبدأ عصر جديد للإسلام، إنه مؤثر للغاية، فقد ترك بصماته على العصر، لقد ترك وراءه المسيحية والتوراة وديانات الهند والصين وفتح لنفسه مجالاً، لماذا؟ لأنه مرحلة مهمة، في المرحلة بين الفلسفة والأساطير، توجد مرحلة بين ما لم يحدث لن يحدث، ولذلك كان هناك حاجة إلى نبي، حضرة النبي محمد أيضاً يُعبر عن ذلك، يقولون إن لله 99 صفة، هذه الصفات الـ 99 هي كل الأشياء التي تجد تعبيرها، وكذلك الصفات الأخرى، في الواقع، الكون فلسفة، كانت مرحلته الأولى، الصفات الـ 99 هي فلسفة، برنامج، إنه رائد الفلسفة الحديثة، ورائد العلم الحديث، لذلك، فهو فعال للغاية مقارنة بالمسيحية، لكن مشكلتها تكمن في ذاتها أيضاً، لأنه أغلق الباب أمام مرور الفلسفة الحديثة، الخلاف بين ابن رشد والغزالي معروف، الغزالي يدين ابن رشد، لكن الفكر الغربي يتخذ ابن رشد كأساس ويطوره، إنه يطبق الثورة الفلسفية والعلمية المعروفة، والإسلام بكامله ينأى بنفسه عن هؤلاء، وهكذا يبدأ انتصار الغرب، يعبر الإسلام عن حقيقة أكثر من الفكر الميثولوجي ودين التوراة (نسميه الموسوية). ولكن بسبب إصراره الشديد، فإن كلاً من انفتاحات المسيحية والمقاربات الصارمة للمعتقد الميثولوجي تضغط عليه من جانبين، إن الانغلاق يجعل الإسلام قوة متشددة ورجعية للغاية، كان التشدد والانغلاق في القرنين الخامس عشر والسادس عشر في ذروتهما، القرنان التاسع والعاشر هما قرون النهضة في الإسلام والتي أثرت أيضاً على العالم، لكن القرنين الخامس عشر والسادس عشر كانا قرون الانغلاق والانحدار الأكبر، والإسلام ينتهي فعلياً، في شخص الصفويين، والبابوران في الهند والعثمانيين، الذين كان مركزهم إسطنبول، بدأ انغلاق كبير، وطبعاً بعد قرن من الزمان -القرنين السابع عشر والثامن عشر -أكمل عمره، برأيي، انتهى الإسلام في القرن الثامن عشر، لم يعد لديه أي حيوية، ثم تم استغلاله، يستغل البريطانيون هذا الإسلام وتلك الهيمنة العالمية -التي تبدأ من جزيرة وتصبح القوة المهيمنة على العالم -تتحقق بهذه الطريقة، وهذا مرتبط بالتشدد في الإسلام، لماذا أشير إلى هذا؟ لقد أدرجت المسيحية أيضاً في هذا إلى حد ما، لأن هيمنة الغرب بدأت بالمسيحية، لم يحدث هذا الإصلاح في المسيحية في الإسلام، حاول الشيعة هذا لكنه لم ينجح، في الغرب، انتقل من الإصلاح إلى التنوير، بناءً على هذه النهضة والإصلاح والتنوير، تم تحقيق الهيمنة الفكرية للغرب ونجحت، في القرن الثامن عشر، الثورة الفرنسية، الثورة الصناعية البريطانية، الثورة السياسية الفرنسية… الغرب، في العصر العالمي، وصلت إلى ذروتها في القرن التاسع عشر، استمرت هذه الذروة في القرن العشرين، وهو الآن يدخل مرحلة جديدة، لماذا أوضح هذه الأمور؟ إن لم نستوعب الماضي بشكل صحيح، أي إن لم نستوعب الماضي والتقاليد بشكل صحيح، فلن نفهم الحاضر، وإن لم نستوعب الحاضر بشكل صحيح، فلن نفهم المستقبل، مع أن الكمالية تُجسّد هيمنة الفكر الوضعي، إلا أن الفكر المحافظ اليوم يسعى إلى هيمنة الإسلام، الوضعية التي تجاوزها الغرب أصبحت تراجعاً هائلاً في تركيا، لم يبقَ شيء من الإسلام، في مواجهة إسرائيل التي يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة، والإسلام العربي الذي يبلغ عدد سكانه 300 مليون نسمة، لا يستطيع الإسلام أن يتنفس، الإسلام هو المسؤول عن ذلك، ومع ذلك، إذا كنا لا نزال نبالغ في إسلامنا اليوم، فهنا توجد تقلّب، أنا أذكر هذه الأمور من اجل فهمها بشكل صحيح، والآن، سؤال: “هل الإسلام هو المسيطر، أم المسيحية هي المسيطرة؟” 99% المسيحية هي المسيطرة، يجب التعبير عن هذا بشكل صحيح، عدا ذلك فهو تسوّل، يدافعون عن الإسلام ضد الغرب، مستخدمين مفاهيم غربية، لا يجوز الدفاع عن الإسلام بهذه الطريقة، الغرب متقدم جدًا في الفلسفة والعلوم والتكنولوجيا، تريدون الاستفادة من بقاياه، من هذا الجانب وذاك، وتفعلون ذلك بأسلوب المتسول، كما أظهرت الحادثة الأخيرة في غزة أنه لا توجد فرصة للانتصار، إنهم يهاجمون إسرائيل، إسرائيل التي تهاجمونها هي القوة المهيمنة في العالم، ثم تطلبون المساعدة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومفوضية حقوق الإنسان، لقد وضعت إسرائيل بصمتها على المؤسسات التي تطلبون منها المساعدة، إذا كنتم قد أعلنتم إسرائيل العدو الحقيقي، فلا يجب أن تمارسوا التسول من تلك المؤسسات، إذا كنتم صادقين ومتعاونين ولا تريدون خداع الناس، فلا تفعلوا ذلك، إنها قوة مهيمنة، إما أن تطأطؤوا رؤوسكم للقوة المهيمنة، أو ستخوضون حرباً حقيقية، ولأن هذا لم يحدث في تركيا، فإن الفكرة مجزأة ويستمر رأس المال في الانتشار وزيادة هيمنته على هذا الصراع، ولألفت الانتباه إلى هذا، فتحت هذا الجزء، بالطبع، فهم ذلك يعتمد على الفهم الصحيح لواقعنا اليوم، وهذا يُلقي الضوء على الموضوع ولا يحتاج إلى مزيد من التفصيل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى