مانشيتمقالات رأي

أهمية وحدة الصف الكردي وتأثيرها على الوضع السوري والكردستاني

محمود العي

في ظل التغيرات السياسية المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، ومع استمرار الأزمات الممتدة منذ أكثر من عقد، تبرز مسألة وحدة الصف الكردي كضرورة تاريخية وحيوية ليس فقط لمستقبل الكرد، بل أيضًا لاستقرار المنطقة بأكملها.

ففي سوريا، وبعد سنوات من الحرب، أصبح الوجود الكردي عاملاً رئيسيًا في التوازنات المحلية والدولية. أما في أجزاء كردستان الأخرى (تركيا، العراق، إيران)، فما تزال القضية الكردية واحدة من أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا.

اليوم، ومع انعقاد كونفرانس وحدة الموقف الكردي في روجافا، الذي جاء استجابة لرسالة زعيم الشعب الكردي عبد الله أوجلان، وتحت رعاية ومبادرة من حكومة إقليم كردستان والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية الجنرال مظلوم عبدي، تبدو الفرصة مواتية للحديث بجدية عن آفاق وحدة الكرد، وأثرها العميق على واقع ومستقبل الشعوب في المنطقة.

وفي خطوة لافتة، عُقِدَ كونفرانس كردي واسع ضم أكثر من 400 شخصية من روج آفا وشمال وجنوب كوردستان، وشخصيات من عدة مناطق سورية، وممثلو أحزاب وقوى كردية وكردستانية، وجاء هذا الحدث تتويجًا لمبادرة سياسية بدأت برسالة مؤثرة من الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، الذي دعا من خلالها إلى ضرورة “رأب الصدع الكردي”، والتركيز على بناء جبهة موحدة قادرة على حماية الحقوق والمكتسبات الكردية في مختلف أجزاء كردستان.

الرسالة، التي نُقِلَتْ عبر قنوات من أعضاء الـ DEM PARTI، أكدت أن الشرط الأساسي لتحقيق أي مكاسب قومية يكمن في إنهاء الانقسامات الداخلية التي طالما استغلها أعداء الكرد عبر عقود.

وقد لعبت شخصيات كردية بارزة أهمهم الجنرال مظلوم عبدي، بالإضافة إلى حكومة إقليم كردستان دور الوسيط النزيه، إذ دعت إلى الحوار، ورعت الجلسات التحضيرية، مقدمةً بذلك نموذجًا لسياسة كردية عقلانية تسعى لتجاوز الخلافات الحزبية نحو مشروع وطني شامل.

رَكَّزَ الكونفرانس على عدة محاور رئيسية، أهمها:

  • سوريا دولة متعددة القوميات، الثقافات والأديان، لذلك يجب تضمين حقوق كل المكونات في الدستور وفي مقدمتهم حقوق الكرد.
  • أن يكون نظام الحكم في سوريا لا مركزياً، وأن يتم توزيع الموارد والسلطات على كل المكونات بشكل عادل.
  • أن تمثل اسم ونشيد الدولة جميع المكونات دون أي تمييز.
  • يجب إنهاء جميع مظاهر التغيير الديموغرافي الذي كان من نتاج النظام السوري البائد.
  • تشكيل حكومة تعددية.
  • أن تكون اللغة الكردية لغة رسمية جنباً إلى جنب مع اللغة العربية، بالإضافة إلى حق التعلم باللغة الأم من خلال النظام التربوي.
  • توحيد المناطق الكردية كوحدات إدارية وسياسية.
  • احترام تضحيات شهداء قوات سوريا الديمقراطية، وقوى الأمن الداخلي (الأسايش) ودعم عوائلهم.
  • ضمان الوجود الكردي ضمن السلطات التنفيذية، القضائية والتشريعية.
  • أن يتم اعتبار يوم 21 آذار ويوم ١٢ آذار (انتفاضة قامشلو) كيوم وطني، وأن يتم تعطيل الدوام فيهما.
  • إنهاء مشروع الحزام العربي والحد من سياسة التعريب.
  • إعادة البطاقات الشخصية (هوية شخصية) إلى جميع المواطنين الكرد التي حرمها النظام البائد منهم منذ عام ١٩٦٢ واعتبرهم مواطنين أجانب.

إن وحدة الصف الكردي في سوريا لم تعد مسألة حزبية أو فئوية، بل أصبحت ركيزة من ركائز الاستقرار في شمال وشرق سوريا خاصة، وسوريا عامة.

فالتجربة الكردية في الإدارة الذاتية أظهرت أن الكرد قادرون على إدارة شؤونهم، وبناء مؤسسات ديمقراطية قادرة على خدمة جميع مكونات المنطقة، لكن هذه التجربة ظلت مهددة بسبب الانقسامات السياسية الداخلية.

وحدة القوى الكردية ستعزز من:

  • الشرعية السياسية أمام المجتمع الدولي، مما يسهل عملية التفاوض على مستقبل سوريا.
  • القوة التفاوضية أمام النظام السوري الجديد، بحيث يكون للكرد صوت موحد، ومطالب واضحة.
  • التماسك الأمني والعسكري، مما يقلل من فرص الاختراقات والصراعات الداخلية التي قد تُضعف الإنجازات.
  • التوازن الإقليمي، حيث أن الكرد يشكلون عنصرًا مهمًا في مواجهة المشاريع الإقليمية التي تسعى لتقسيم المنطقة على أسس طائفية أو قومية متطرفة.

أما بالنسبة لبقية أجزاء كردستان، فإن الوحدة الكردية في سوريا قد تشكل نموذجًا ملهمًا. في تركيا، حيث يعاني الكرد من سياسات الإقصاء والتهميش، ستبرز التجربة السورية كدليل على إمكانية بناء نموذج ديمقراطي كردي قابل للحياة. وفي العراق، حيث يمر إقليم كردستان بتحديات سياسية واقتصادية، فإن وحدة الكرد في سوريا تفتح أفقًا لتجديد خطاب قومي جامع بين مختلف أجزاء كردستان. أما في إيران، يمكن لهذه الوحدة أن تشكل رافعة لدفع الحركات الكردية هناك نحو التعاون بدلاً من التشتت الذي طالما أعاق العمل القومي.

إن اللحظة السياسية الراهنة، مع ما تحمله من مخاطر وفرص، تفرض على الكرد في سوريا وسائر أجزاء كردستان مسؤولية تاريخية كبيرة.

فرسالة القائد عبد الله أوجلان، والكونفرانس الذي تم عقده بجهود حثيثة من قائد قسد وشخصيات أخرى بارزة، يعيدان التأكيد على أن مستقبل الكرد لن يُبنى إلا عبر وحدة الموقف والعمل المشترك.

لقد أثبتت تجارب العقود الماضية أن التشرذم الكردي لم يخدم سوى أعداء الكرد، في حين أن بوادر الوحدة كانت دائمًا تصنع فارقًا كبيرًا، سواء في تحقيق المكتسبات أو الدفاع عنها.

إن المرحلة المقبلة تتطلب الكثير من الحكمة، إذ أن صعود المشروع الكردي الديمقراطي، سواء في سوريا أو سائر كردستان، يعتمد بالدرجة الأولى على مدى قدرة الكرد على تنحية الخلافات الحزبية جانبًا، والتركيز على الثوابت القومية ومبادئ العدالة والحرية والشراكة الحقيقية مع باقي شعوب المنطقة.

فيتطلب من الكرد في المرحلة الراهنة:

  1. تعميق الحوار الكردي – الكردي، وعدم الاكتفاء باتفاقات مرحلية.
  2. تشكيل لجان مشتركة دائمة لمتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه ميدانياً وسياسياً.
  3. تبني خطاب قومي جامع بعيد عن الإقصاء والتخوين.
  4. تعزيز العلاقات مع المكونات الأخرى في سوريا والعراق والمنطقة على أساس الديمقراطية والتعايش السلمي.
  5. السعي لعقد مؤتمر كردي على المستوى الكردستاني.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى