أخبار

السلطات التركية تضغط لإسكات إعلام المعارضة

تعرضت قناة “هالك تي في” التركية المعارضة لاعتداء من مجموعة اقتحمت مكان تصوير حلقة كانت تبث على الهواء مباشرة فجر أمس الجمعة حول الحرائق المندلعة في تركيا منذ 28 تموز (يوليو) الماضي، وانتشرت إلى العديد من المدن والبلدات في غياب وسائل إطفاء الحريق جواً وتقصير السلطات التركية في تأمين الدعم المالي واللوجستي لعمال الإطفاء وسكان المناطق الذين تم اجلاؤهم.

وخلال بث مباشر من حديقة في منطقة إيتشميلير في موغلا، إحدى أكثر المناطق تضرراً من حرائق الغابات، وبينما كان مقدم البرنامج غوكمين كراداغ يستضيف الصحافيين إسماعيل سايماز ومراد أغيريل والمحامي سليم شين، لمناقشة تقصير الحكومة التركية في التعامل مع الحريق، اقتحمت مجموعة من 5 أشخاص الموقع في الأولى فجر الجمعة، وبدأت بالصراخ: “لن نسمح لكم بالاستمرار بهذا البث. أنتم لا تقولون الحقيقة”

حاول المحاور كراداغ تهدئة الموقف على الهواء مباشرة داعياً إياهم للانضمام والتعبير عن رأيهم، لكن عرضه قوبل بالرفض من قبل المجموعة المذكورة، بالتزامن مع وصول مجموعة أخرى  من 4 أشخاص، ليشهد موقع التصوير عراكاً بين المهاجمين الذين حاولوا الاعتداء بالضرب على الكادر الفني للقناة من مصورين ومهندسي إضاءة إضافة إلى تكسير الكاميرات، وإلقاء القناني الزجاجية على الضيوف، مندّدين بما سمّوه بـ”المعلومات الخاطئة”، التي تقوم القناة ببثها، قبل أن يفروا من مكان الحدث.

وقامت القناة بنشر رقم لوحات سياراتهم على الهواء، فيما قدّم الضيوف شكوى رسمية إلى الشرطة مباشرة بعد انتهاء البث الحي، حيث تم إلقاء القبض على 5 من المهاجمين ليتم إطلاق سراحهم بعد ساعات.

ورأى مدير القناة الإعلامي سعاد توكتاش خلال لقاء مع “النهار العربي” أن “الهجوم يبدو بالتأكيد منظّماً. بدأ بمجموعة من 5 أشخاص أولاً، تلتها مجموعة أخرى مؤلفة من 3 الى 4 أشخاص. من الواضح أنهم كانوا على تنسيق مع بعضهم البعض. وكان شعارهم متطابقاً: لن ندعكم تبثون من هنا”.

وبالتدقيق في أسماء المهاجمين ومنشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن التأكد من كون المهاجمين من الموالين أو المقربين من “حزب العدالة والتنمية”، فأحدهم وهو الشاب فاتح تشوبان، دائم التغريد بصورة الرئيس التركي والمديح به، مقابل منشورات عنصرية كثيرة ضد الأكراد، والثاني يدعى سيرتان يوتشي لديه صورة مع وزير الداخلية السابق محمد آغار، الممثل الرئيسي لفضيحة سوسورلوك، والذي كثيراً ما يُذكر اسمه في ثلاثي الأمن – السياسة – المافيا في تركيا، أثناء تسلّمه درعاً تكريمية منه، فيما يظهر شاهيموس أوريبي المهاجم الثالث دائم الثناء لـ “العدالة والتنمية” على صفحته في تويتر. أما المهاجم الرابع ويدعى بلال توبالوغلو، فهو عضو مجلس إدارة في الحزب الحاكم في مرمريس أصلاً.

وحمّل توكتاش السلطات التركية الحالية المسؤولية عن الهجوم قائلاً “إننا لا نعرف ما إذا كان أحدهم قد قام بإرسال هؤلاء. لكن حتى لو جاؤوا في شكل عفوي، أعتقد أن مناخ الغضب الذي أوجدته الحكومة هو الدافع وراء هذا الهجوم”.

وكشف توكتاش أنه “تم استهداف القناة من قبل المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون التركي 11  مرة منذ بداية السنة الحالية، وكان آخرها إيقاف البرامج لمدة 3 أيام، وذلك بسبب بثّها أغنية معروفة منذ عام 1989، ويرددها اليساريون في تركيا باستمرار، وهي أغنية حاصلة على موافقة وزارة الثقافة وليست مصنّفة ضمن الأغاني الممنوعة من البث، أو الاستماع إليها.

وتعتبر قناة “هالك تي في” مع كل من قناتي “كا ري تي” و”تيلي 1″، من أكثر القنوات التلفزيونية معارضة للسلطات التركية، والتي لم تتمكن ماكنتها الاقتصادية من الاستيلاء عليها خلال حملة “تهجين الإعلام” مع بداية العام 2010، ما يعرّضها في شكل مستمر للعقوبات والضغوط والدعاوى القضائية.

وشرح توكتاش أن “العقوبات تؤثر فينا بطريقتين. أولاً، اقتصادياً، حيث أنه بسبب ضغط الحكومة علينا في شكل مستمر يُحجم أصحاب الإعلانات عن عرض إعلاناتهم عبر شاشتنا خوفاً من رد فعل السلطة، ما يؤدي إلى تراجع إيراداتنا المالية، أما الناحية الثانية فهو الضغط النفسي الذي يتعرض له محاورونا وضيوف برامجنا الذين لا يستطيعون التحدث بوضوح تام، ويضطرون إلى ممارسة نوع من الرقابة الذاتية (خوفاً من التسبب بأي عقوبة جديدة)، لكن على الرغم من كل شيء، نحاول المضي في عملنا بالشكل الذي وعدنا به جمهورنا”.

وقد لاقى الحادث ردود فعل قوية جداً من سياسيين وإعلاميين رافضين لما سمّوه “إرهاب الكلمة وكم الأفواه”، وشهدت ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة وابلاً من التغريدات الرافضة للاعتداء والمتضامنة مع القناة وضيوفها.

وفي سلسلة من التغريدات عبر “تويتر” ندّد الصحافي مراد اغيريل، أحد ضيوف البرنامج، بالهجوم قائلاً: “إذا كان لديكم ما تقولونه تعالوا واجلسوا وتحدثوا أنتم أيضاً وقولوا ما هي المعلومة الخطأ موضوع الجدال، لكن لن تتمكنوا من اسكاتنا بالاعتداء”. فيما قال الصحافي الآخر المشارك في البرنامج إسماعيل سايماز  إن “هجوم المجموعات المستفزّة لن يوقفنا. إذا لزم الأمر، سنستمر في البث المباشر من هنا حتى الصباح”.

وغرّدت النائبة السابقة في إسطنبول والرئيسة السابقة لحزب “الوطن الأم” نسرين ناس على تويتر قائلة إن “الهجوم على قناة هالك ليس هجوماً لأربعة أو خمسة مجانين. إنه هجوم منظّم من هيكلية تسعى إلى جرّ تركيا إلى نقطة خطيرة للتستر على جرائمها وفسادها، وذلك بالاعتماد على القوة المفرطة”.
فيما تساءل نائب رئيس مجموعة حزب “الشعب الجمهوري” البرلمانية، إنغين ألتاي عبر تويتر، “من أين حصل المهاجمون على هذه الشجاعة؟ من رئيس حزب “العدالة والتنمية” رجب طيب أردوغان الذي يهين ويهدد المعارضة والصحافة الحرة كل يوم. لا يمكنك اخافة أحد ولا إسكات أحد”.

وقال مدير القناة توكتاش: “حظينا بتضامن كافٍ. الصحافيون والسياسيون قاموا بتوجيه الرسائل الضرورية، وأظهروا تضامناً (كافياً)”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى