مقالات رأي

“الطريق إلى التحرير ” من عفرين إلى كركوك


قامت القوات التركية و بتواطؤ من مرتزقتها وبغطاءٍ سياسي من الائتلاف العنصري باحتلال عفرين عام 2018م لتتمادى تركيا أكثر وتحتل العديد من المناطق في الشمال السوري بما فيها كري سبي وسري كانيه …. ليبدأ بعدها مسلسل تراجيدي من الخطوات العنصرية الممنهجة الرامية إلى إحداث تغيير ديمغرافي في المناطق الكردية .
لعفرين خصوصيتها ورمزيتها لدى الشعب الكردي , فهي المنطقة التي تتمتع بديمغرافية كردية مطلقة , وموقعها الجيوسياسي بالنسبة للكرد في جميع أجزاء كردستان لقربها من البحر الأبيض المتوسط وأولى مناطق روجآفاي كردستان غرباً وهي متصلة جغرافياً مع القرى والمناطق الكردية في الشريط المحاذي للحدود التركية في إدلب واللاذقية وصولاً إلى البحر, إلى جانب طبيعتها الجبلية و مناخها المعتدل , فبالتالي هي مشروع لمنطقة سياحية عملاقة إن تم استثمارها بالشكل الأمثل , كما أن الانتشار الواسع لزراعة الزيتون و الفستق الحلبي وغيرها من الأشجار المثمرة جعلت منها رافداً اقتصادياً حيوياً … إضافةً إلى الكم الهائل من الأوابد الأثرية التي تزيدها تألقاً … والحديث يطول عن مزايا و خصوصية جبل الكرد الأشم .
تركيا لم تختر احتلال عفرين ” أولاً ” عبثاً , ولا احتلال الباب وجرابلس وإعزاز من قبلها , بل كانت الخطوة التركية عبارة عن تقطيع أواصر الجغرافية الكردية في سوريا إلى جيوب يصعب التواصل فيما بينها , ويتعثر التفكير في تدوير تجربة إقليم كردستان العراق , فالمسألة بالنسبة لتركيا لم تكن مسألة إنسانية وتضامناً مع السوريين أو أكاذيبها المتكررة بمحاربة الإرهاب , إنما كانت خطوة متهورة نابعة من الثقافة التركية المتجذرة في بنيتها السياسية والممتدة بجذورها إلى التاريخ العثماني وفكره التوسعي الممزوج بالعنصرية والتطرف , ومن الناحية العسكرية كان من المهم بالنسبة لتركيا السيطرة على عفرين الجبلية والتي كانت ستشكل قلعة للمقاومة المستديمة فيما لو أحسن التعامل مع المعطيات المحيطة , فباحتلالها تكون مهمة الهجوم على سهول الجزيرة وكوباني سهلاً وفي مرمى نيرانها .

حقائق لا بد من الإحاطة بها :

سقوط عفرين لم يكن ليمر هكذا … لولا تلازم عدة عوامل خلقت الأرضية المناسبة لاحتلالها , ولعل أهمها تواطؤ النظام السوري مع الدولة التركية وبتنسيق روسي وإيراني , حيث تم مقايضة مناطق سيطرة المعارضة في الداخل السوري بمنطقة عفرين , فكانت هذه الصفقة بمثابة فتح الطريق أمام النظام لبسط سيطرته على مساحات واسعة من الداخل السوري مقابل تخليه عن أراضٍ سورية لدولة أجنبية معادية , لا يجمعهما شيء سوى العداء للكرد .
كما أن تخاذل الائتلاف وتحوله “من طرف سياسي ” من المفترض أنه يمثل مصالح الشعب ” إلى طرف يشكل غطاءً سياسياً لاحتلال الأراضي السورية واستهداف الشعب الكردي كمكون وطني أصيل يعيش على أرضه التاريخية .
والأمر ذاته بإمكاننا إسقاطه على المجلس الوطني الكردي , الذي لم يتجرأ إلى لحظته بتسمية ما يجري في عفرين بالاحتلال بل لا يتوانى للحظة للتغطية على مايجري هناك من انتهاكات مرعبة بحق الشعب الكردي , والتي تصب في خانة التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي … كان أكثر ما قاموا به تجاه عفرين وصف ما يجري فيها من أعمال بربرية بالتصرفات الفردية , ووصل بهم الأمر إلى التبرؤ من تصريحات رئيس المجلس الأسبق حينما وصف الوجود التركي في عفرين بالاحتلال .
طبعاً لا بد أن يقال هناك أن إحدى مسببات احتلال عفرين أو الفشل في منع احتلال عفرين كانت نتيجة عوامل ذاتية مرتبطة ببنية الإدارة الذاتية و التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية غير المجدية في التعامل مع هكذا هجوم واسع واتخاذ قرار الانسحاب بشكل فردي من عفرين , وبكل تأكيد بعد مقاومة بطولية استمرت 58 يوماً … آخذين بعين الاعتبار طبعاً التفوق النوعي والعددي للعدو .
التوغل التركي في المستنقع السوري و تصرفه كطرف رئيسي كان من الواضح بأنه محاولة لإفشال المخطط الأمريكي الأمر الذي ساهم في تقارب تركيا مع روسيا , ولكن سرعان ما وقع أردوغان في مواجهة خطيرة مع القوى العظمى المتصارعة , وهي بكل الأحوال أكبر من حجم تركيا و قدراتها في اللعب على هذه الحبال .
إن ما يجري في عفرين خطير للغاية , فما عدا عمليات القتل و التعذيب والاعتقال و الاغتصاب و السلب والنهب وسرقة الأوابد الأثرية وتغيير طبيعتها بقطع الأشجار , هناك برنامج ممنهج لتهجير أبنائها وتوطين أبناء الفصائل الإرهابية في موطن الكرد , كما أن التطهير العرقي يمضي بلا هوادة هناك , فبالتوازي مع ذلك هناك استهداف على أساس الدين للإيزيديين هذا الجزء الأصيل من شعبنا الكردي .
دلالات عديدة تشير إلى القيام بخطوات عملية وعلى الأرض بتتريك المنطقة ” اللغة , أسماء المناطق والقرى والمراكز والمؤسسات , تعيين القيادات , و أخيراً تعيين حاكم تركي للمناطق المحتلة ” .
أي أن عيون أردوغان على تكرار تجربة لواء إسكندرون بالنسبة لعفرين وباقي المناطق المحتلة .

إنها محاولة للاقتلاع من الجذور …

وما قاله أحد أفراد فريق مؤسسة البرزاني الخيرية الذي تواجد في عفرين إبان زلزال 6 شباط 2023 يعتبر خير دليل على ما ذهبنا إليه , كانت عفرين وحسب مشاهداته الحية من هناك تشبه أفغانستان أكثر من عفرين الكردية .
بعد قرار الخزانة الأمريكية فرض عقوبات ” وفقاً للقرار التنفيذي13894 ” على فصيلين من فصائل المعارضة المسلحة العمشات و الحمزات وثلاثة قياديين ضمن تلك الفصائل لارتكابهم جرائم جسيمة لحقوق الإنسان في شمالي سوريا، بالإضافة إلى تاجر سيارات يعمل متصرفاً بأموال قادة أحد الفصائل … كانت هناك ولادة أمل لدى أبناء عفرين ببدء التحرك الدولي لوضع حد لتمادي هؤلاء الإرهابين , وصولاً إلى تحرير عفرين … ولكن أيضاً لجأت تركيا إلى حسن خيري في التنديد بالقرار الأمريكي لتلاقي فعلة حسن خيري وأمثاله الاستهجان الكبير من قبل عموم الشعب الكردي , فدائماً ستبوء مثل هذه الخطوات القذرة بالفشل الذريع أمام رفض الكرد أية محاولات لتغيير الحقائق , ونسف هويتهم القومية .

أحداث متباعدة ولكنها متشابهة …

تشهد المنطقة برمتها أحداثاً دراماتيكية متسارعة وخطيرة , تنذر بتغييرات جيوسياسية مديدة الأثر , ثورة الجنوب في سوريا , الفتنة في ديرالزور واستهداف قوات سوريا الديمقراطية , وأحداث كركوك و استهداف الكرد هناك ….كل هذا لم يأت من فراغ , بل هناك ترابط وثيق بين توقيتها وأهدافها , ولها المؤشرات ذاتها , بالنظر إلى توقيت حدثي ديرالزور وكركوك ندرك أن المخطط واحد والهدف واحد , فبعد تصاعد وتيرة التحشدات الأمريكية في المنطقة , والتي من المتوقع أن تباشر في السيطرة على الحدود السورية الشرقية والجنوبية بشكل كامل , ما يعني قطع طريق الحرير الإيراني , فتم افتعال مشاكل متزامنة في ديرالزور و في كركوك لإلهاء الأمريكان عن المضي في برامجهم , وكذلك كانت بمثابة رسائل تهديد للكرد , وجاء ذلك بتنسيق وتعاون مباشر بين النظام السوري وتركيا وإيران , والميليشيات التابعة لهم …. كما أنها جاءت للتغطية على ثورة الجنوب في السويداء و درعا , فكانت الخشية من توسع رقعتها بمختلف اتجاهات الجغرافية السورية , فكان ما كان لإبعاد مسرحها عن الاعلام و توجيه الأنظار إلى ما يحدث من توتر في شرق الفرات وفي كركوك … والأمر ذاته بالنسبة لعفرين حيث بدأت الأصوات تتعالى ” شعبياً ” في عفرين والمطالبة بتحريرها ورفض تغيير هوية عفرين القومية , و كذلك دولياً ولا سيما بعد قرار الخزانة الأمريكية الأخير فكان التنسيق الأمني بين الأنظمة الثلاث لتنفيذ هذا المخطط الآثم , وبالتالي توجيه الأنظار نحو الشرق … وفي هذا السياق أيضاً كان الهجوم الذي شنته الفصائل الإرهابية المرتزقة وبأوامر تركية على كل من تل تمر و منبج و تل رفعت لتخفيف الضغط على حلفائهم في ديرالزور .

كلمة لا بد منها …

نحن كشعب كردي , وكحركة سياسية كردية , وكذلك نحن في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي ) نؤكد للرأي العام الكردي والوطني أن مسألة عفرين وتحريرها ليست قضية عبثية عابرة يمكن التلاعب بها أو ورقة للتفاوض , ربما ظروف اليوم غير مواتية , ولكن بوحدتنا و قوتنا بإمكاننا البناء لحالة يمكننا فيها الضغط باتجاه تحرير عفرين .
الزمن لن يغير من قدسية عفرين وكري سبي و سري كانيه وعموم المناطق المحتلة شيئاً … فكما كانت كركوك مقدسة هي عفرين كذلك … و لن نقبل تهميشها في أية محطة تفاوضية محلية أو غيرها , وهي الأساس الذي يبنى عليه أي فعل مستقبلي .

مقارنة بين كركوك وعفرين …

إن كركوك الكردستانية وعبر التاريخ العراقي الحديث تعرضت لحملات تعريب ممنهجة ولحملات عسكرية بربرية , وتعرض سكانها للتنكيل بغية تغيير حقيقة ” كردستانية كركوك ” فكانت نقطة محورية واستراتيجية بالنسبة للبرزاني الخالد … لم يتنازل عنها بأي شكل من الأشكال فكانت قلب كردستان النابض في مختلف ميادين التفاوض … واليوم ما يجري في كركوك ومحاولات الرئيس مسعود البرزاني العودة بكركوك إلى الحضن الكردستاني يعتبر امتداداً لخطى البرزاني لأن الكرد في العراق ” وحتى الأعداء ” يدركون أنه بدون كركوك تتلاشى أحلامهم .
وعفرين كذلك محوريتها واستراتيجيتها بالنسبة للكرد في سوريا لا تقل عن أهمية كركوك … هي كردية وستبقى .

عفرين و كركوك ستنتصران

لم تفلح محاولات الأنظمة المعادية للكرد طيلة عقود من الزمن من صهر القومية الكردية في بوتقة عقولهم المتحجرة المليئة بالحقد والعنصرية , فرغم لجوئها إلى حروب الإبادة الجماعية مستخدمين الأسلحة الكيميائية وغيرها من صنوف الأسلحة المحرمة دولياً , و المقابر الجماعية في حملات الأنفال السيئة الصيت , إلى جانب القرارات الشوفينية في روجآفاي كردستان بتجريد الكرد من هويتهم الوطنية , وفصل الطلبة والعمال والاعتقالات الأمنية و التفرقة بين أبناء الشعب الكردي و إنشاء حزام عربي وغيرها … علماً أن الكرد حينها لم يكونوا يملكون سلاحاً سوى الكلمة والقلم , ولا صديقاً سوى الجبال … فرغم كل ذلك لم تنجح مآربهم … فما بالكم باليوم والكرد يتمتعون بالفيدرالية الدستورية في إقليم كردستان العراق , و يديرون الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا إلى جانب باقي المكونات الوطنية .
كرد اليوم و وظروفهم الذاتية والموضوعية ليست هي نفسها ظروف الأمس … كل ما نحتاجه هو الحكمة و الوحدة وتغليب المصالح العامة للشعب الكردي على أية مصالح أخرى .
عندما تُسقِط قوات سوريا الديمقراطية مؤامرة بحجم مؤامرة ديرالزور وتصد هجمات الاحتلال التركي ومرتزقته في نفس الوقت على منبج وتل رفعت و تل تمر … وعندما ينتفض الكرد في عفرين في وجه المحتل وقتلة عائلة شهداء نوروز ” عائلة بيشمرك ” , وعندما ينتفض الكرد في كركوك رغم كل غطرسة العنصريين , وعندما يصرح شخصية بمستوى مستشار البرزاني ” الدكتور كفاح محمود بأن ” في ديرالزور و كركوك و سنجار وعفرين ” تستميت العنصرية والطائفية لإثبات وجودها المخزي وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة أمام وعي وإدراك الكرد والعرب وغيرهم من المكونات التي أرادوها هؤلاء الطارئين عبيداً تحت عروشهم المهترئة ” …. حينها ندرك تماماً أن الكرد في الملمات وحدتهم أسهل من أي وقتٍ آخر … فكما اتحدوا في كوباني …سيتحدون اليوم أيضاً , فلا خيار أمامنا سوى وحدتنا .

عفرين وكري سبي و سري كانيه … ستنتصر

كركوك و باقي المناطق الكردستانية المستقطعة … ستنتصر

شمس الكرد ستشرق …

أسلحة الطغاة وأحقادهم لن تتمكن من وأد الكرد مجدداً …


بقلم : الأستاذ نصرالدين إبراهيم – سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي )

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى