أخبارمانشيت

مصالحة دمشق وأنقرة المحتملة.. إلامَ يخطط الاحتلال التركي؟

لا يزال ملف المصالحة المزمعة بين حكومة دمشق والاحتلال التركي يشوبه الكثير من الغموض، حيث وعلى الرغم من المصلحة الروسية – التركية المشتركة من هذه المصالحة إلا أن هناك الكثير من الخلافات التي تعيق حصولها، فما هي هذه الخلافات؟ وما هي مخططات الاحتلال التركي؟

كثر الحديث خلال الفترة الأخيرة عن المحادثات بين حكومة دمشق ودولة الاحتلال التركي، بعد ترويج مسؤولي الأخيرة لهذه المحادثات وإمكانية التوصل إلى مصالحة محتملة بين الطرفين.

ومع وصول بشار الأسد، إلى سدة الرئاسة في سوريا عام 2000، نمت العلاقة بين الاحتلال التركي ودمشق، وصولاً إلى حدوث علاقات شخصية بين أردوغان وبشار الأسد، وخلال تلك الفترة فتح الأسد أبواب البلاد وأسواقها للأتراك وتجارهم وذلك على حساب الصناعات السورية، كما أبرم الطرفين اتفاقية أمنية وسياسية عام 2010 كانت لصالح الدولة التركية واستهدفت بشكل خاص الكرد في سوريا واعتبرت بأنها تعديل لاتفاقية أضنة التي أبرمها الأسد الأب مع تركيا في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 1998والتي أيضاً استهدفت الكرد.

وعلى الرغم من ذلك، ومع انطلاق الأزمة السورية عام 2011، كانت الدولة التركية المحتلة ورئيسها أردوغان (صديق بشار الأسد القديم)، أول من دعم المجموعات المرتزقة ودعا وعمل على إسقاط نظام بشار الأسد، لتتحول الصداقة إلى عداوة كبيرة.

ومع فشل السياسات التركية في سوريا وخصوصاً بعد التدخل الروسي عام 2015، دخلت دولة الاحتلال التركي في تحالف أستانا الذي يضم كل من روسيا وإيران اللتين تدعمان حكومة دمشق بقوة، ومنذ ذلك الوقت انحصرت الأهداف التركية من إسقاط “نظام الأسد” إلى مهاجمة شمال وشرق سوريا.

وسعت روسيا منذ ذلك الوقت لإنهاء حالة الخلاف ما بين دمشق والاحتلال التركي، لكن الأخيرة دأبت على استخدام سياسة اللعب على التناقضات وتهربت من ذلك بسبب الرفض الأميركي والغربي لهذه الخطوة.

وعقد كل من رئيس الأمن الوطني لدى دمشق اللواء علي مملوك، ورئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان لقاء مطلع عام 2020 في العاصمة الروسية موسكو، وهو اللقاء الأول المعلن عنه منذ عام 2011.

وازداد الحديث عن المفاوضات والمصالحة بين الطرفين بعد الاجتماعات التي عقدت خلال الآونة الأخيرة في كل من سوتشي وطهران والتي جمعت قادة دول أستانا (روسيا – إيران – تركيا).

وزير خارجية الاحتلال التركي، مولود جاويش أوغلو، قال في 11 آب/ أغسطس 2022، “إن تركيا تدعم المصالحة السياسية بين (المعارضة السورية) ونظام الأسد”، وأشار إلى أنه أجرى في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، عندما حضر اجتماعاً لحركة عدم الانحياز في العاصمة الصربية بلغراد، محادثة سريعة مع وزير خارجية حكومة دمشق، فيصل المقداد.

وقبل ذلك، صرّح رئيس الاحتلال التركي، رجب طيب أردوغان، في أثناء عودته من اجتماع في سوتشي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 6 آب/ أغسطس، بأن أجهزة استخبارات أنقرة ودمشق تتواصل بخصوص “التنظيمات الإرهابية”.

وفي أثناء عودته من زيارة لأوكرانيا في 19 آب/ أغسطس، أدلى أردوغان بتصريحٍ آخر قال فيه إن تركيا مستعدة لنقل الاتصالات مع حكومة دمشق إلى مستوى أعلى؛ أي إلى مستوى سياسي.

أسباب داخلية تركية

الباحثة في علم الاجتماع السياسي والخبيرة في الشأنين التركي والكردي، الدكتورة هدى رزق، تحدثت عن ذلك، قائلة: “أعتقد أن هناك اجتماعات بدأت على صعيد الاستخبارات منذ أكثر من ٥ أشهر ولكن لم تصل إلى نتيجة ولكن يبدو بأن هناك أسباب داخلية تركية أدت إلى تطوير هذه المحادثات، لا ننسى أن هناك أوضاع داخلية غير مواتية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا سيما بأن المعارضة التركية قالت بأنها تريد أولاً أن تعيد العلاقة مع دمشق وبالتحديد مع بشار الأسد”.

وحول الدوافع من وراء ذهاب تركيا إلى هذه المفاوضات، قالت هدى رزق: “الواقع الداخلي التركي في أزمة اقتصادية وأردوغان فاز بمعظم الانتخابات بسبب نجاحه الاقتصادي وهذه المرة ليس هناك نجاح اقتصادي بل هناك فشل اقتصادي وهناك ٧٩ بالمئة من التضخم في تركيا لذلك هناك خطر على أردوغان في ربح هذه الانتخابات”.

وأوضحت في هذا السياق “صحيح أن هناك لا ديمقراطية في تركيا وهناك حكم الرجل الواحد ولكن المهم بالنسبة للناخب التركي أولاً هو الاقتصاد ومن ثم الديمقراطية والحرية لذلك يسعى رجب طيب أردوغان إلى أن يعود إلى سياسة صفر مشاكل لذلك رأينا كيف أنه ذهب إلى التوافق مع كل خصومه من السعودية إلى الإمارات ويحاول أن يعيد العلاقة مع مصر”.

وتابعت “أردوغان يعلم تماماً أن الدول العربية ترى بأنه يتدخل في العراق وسوريا ولا سيما في سوريا لأنه يرعى بعض القوى الإسلاموية التي تقف ضدها الإمارات ومصر والسعودية كجبهة (تحرير الشام) وأيضاً كل الفرق الإسلامية التي يرعاها أردوغان لذلك يحاول التوافق مع كل الدول العربية من أجل أن يتم دعمه اقتصادياً”.

مصلحة روسية – تركية مشتركة

وعلى الرغم من النجاح العسكري الروسي في سوريا إلا أن موسكو لم تحقق نجاح سياسي لذلك تسعى من خلال هذه المصالحة لكسر العزلة المفروضة على حكومة دمشق وخرق العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

هدى رزق، قالت حول ذلك: “هناك ضغط من قبل روسيا على أردوغان لكي يقوم بالتفاهم مع النظام في سوريا، هذا الموضوع من مصلحة أردوغان انتخابياً ومن مصلحة روسيا أن يتم التوافق بين تركيا وسوريا وأن يكون هناك إعادة انتاج اتفاقية على غرار اتفاقية أضنة ولكن أن يتم توسيع هذه الاتفاقية، أيضاً هناك مشكلة اللاجئين، الداخل التركي يتململ من وجود ٤ ملايين سوري معظمهم لاجئ اقتصادي أي أنهم يعملون في تركيا وهو ما أدى لانتفاضة الأتراك بسبب أنهم يدعون بأخذ فرص العمل منهم وكذلك الأمر هم (اللاجئين) ينفقون في البنية التحتية التركية، هذا الأمر أيضاً مهم جداً بالنسبة للرئيس التركي ولكن هو يريد أن يعيد قسم من هؤلاء إلى المناطق التي هيأها لتكون منطقة عازلة”.

خلافات كبيرة.. أردوغان لا يريد الانسحاب ودمشق لن تقبل

وحول مخططات الاحتلال التركي، قالت هدى رزق: “أردوغان لا يريد الانسحاب من سوريا في الوقت الحاضر لكنه يريد ترتيبات أمنية مع دمشق، هذه الترتيبات الأمنية يعتبر أنها ضرورية من أجل أمن تركيا، وكما هو يقول يجب على الدولة السورية أن تتفاهم مع قسد ولكن يريد أن يكون في هذه المناطق التي يعتبرها آمنة اللاجئين الذين يوالون تركيا”

وحول موقف دمشق، تقول هدى رزق: “السؤال هل ممكن أن تقبل الدولة السورية بهذا الواقع وأن تكون هناك منطقة عازلة أو آمنة كما هو يسميها؟ هو يقترح ٣٠ كلم وطبعاً الدولة السورية لا تقبل أن يكون هناك منطقة عازلة كهذه، هذا ضرب من المستحيل، هناك مفاوضات ونحن لا نعلم ماهية هذه المفاوضات وإلى أين توصلت، لكن نعلم أن الدولة السورية لم تقبل بـ ٣٠ كلم ولن تقبل بتواجد تركي على الأراضي السورية”.

هدى رزق، رأت أن “تركيا جدية لكن الطرح ليس يعني الانسحاب إنما ترتيبات أمنية وبموجب هذه الترتيبات الأمنية يمكن للجيش التركي أن ينسحب لكن هناك تفاهمات يجب أن تتم، هذه التفاهمات ليست فقط ترتيبات أمنية لكن هناك تفاهمات تخص (المعارضة السورية) وطبعاً روسيا تعتبر كما الدولة السورية أن هناك ما يسمى بالإرهابيين كهيئة (تحرير الشام) وبعض المسلحين الآخرين”.

وأضافت “السؤال هل يمكن إجراء مصالحة مع الإرهابيين؟ هذه مسألة حولها علامة استفهام، لقد جرى التخلص مبدئياً من بعض المسلحين الإرهابيين الذين ينتمون لقوى خارجية، جرى التحلل من بعضهم لكن تركيا تحاول تلميع صورة الجولاني وهيئة (تحرير الشام)، السؤال هنا هل تقبل الدولة السورية وروسيا بهذا الموضوع، هذه أيضاً علامة استفهام”.

وتابعت “هناك مسألة مهمة أيضاً وهي تفاهم الدولة السورية مع قوات سوريا الديمقراطية، تعتبر الدولة السورية وروسيا أن هذه مسألة سورية داخلية وهي تتكفل بالحوار مع قسد وهذا ما رشح عن اللقاءات والاجتماعات”.

تركيا تزرع لها نفوذ في سوريا

وعملت تركيا منذ البداية وبالتوازي مع هجماتها العسكرية على تكريس وجودها سواء عبر تغيير ديمغرافية المناطق السورية وتشكيل مجموعات مرتزقة تأتمر بأوامرها، أو عبر تشكيل أحزاب وكيانات سياسية تحت اسم المعارضة لتدخل في العملية السياسية السورية وتمثل المصالح التركية في حال اضطرت تركيا للانسحاب.

ويرى مراقبون بأن ما يجري في المناطق المسماة بالآمنة من تهجير للسكان الأصليين وتوطين أشخاص آخرين موالين للاحتلال التركي، جزء من الاستراتيجية التركية القائمة على تكريس النفوذ بهدف التحكم بمستقبل الدولة السورية سواء عبر الانتخاب والتصويت أو عبر إحداث فوضى تخدم المصالح التركية.

ويشبه ذلك ما قامت به تركيا قبل ضم لواء إسكندرون إليها حيث تم تنظيم استفتاء شكلي لضم اللواء إلى الدولة التركية، حيث تم مشاركة الآلاف من الأتراك الذين نُقلوا في شاحنات للمشاركة فيه، وقاطعه أهالي اللواء الأصليين.

وحول ما تسمى بالمعارضة السورية، قالت هدى رزق: “رجب طيب أردوغان يعتبر نفسه مسؤولاً عن المعارضة وهو ينطق باسمها، هو يريد بعض التعديلات في الدستور السوري لكن يبدو أن طهران وروسيا لا تريدان أن يكون هناك انتقاص من صلاحيات الرئيس ولكن يبدو أيضاً أن روسيا تريد أن ترضي الدول العربية كالسعودية ومصر والإمارات وأن يكون ذلك عبر إعطاء بعض الصلاحيات لرئيس الوزراء أو لنائب الرئيس الجمهورية لذلك هناك محادثات تتم تباعاً”.

وتابعت “هل تنجح هذه المحادثات؟ طبعاً الظروف الموجود فيها التركي ليست ظروف تسمح له بكثير من المناورة ولكن أيضاً لا أعتقد أن التركي سوف يخرج من سوريا دون أن يكون له مكتسبات أمنية ومكتسبات للمعارضة وما يسمونها معارضة معتدلة فلذلك المحادثات ستكون شاقة ولن تكون سهلة وأعتقد بأننا لن نصحو غداً ونرى محادثات قد أنجزت ولكن سوف تأخد وقتاً”

واختتمت هدى رزق حديثها، قائلة: “أعتقد أن الموضوع وضع على سكة الحل ولكن هل يمكن الحل السريع لا، لأن هناك مشكلات كبيرة في سوريا ولكن يبدو بأنه كما تم حل المسألة في الجنوب السوري بين الأردن والمسلحين ودخلت روسيا على خط المصالحة يمكن أن يتم هذا الموضوع في الشمال لكن الشمال معقد أكثر من وضع الجنوب”.

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى