مانشيتمقالات رأي

ما بعد قمّتي جدة وطهران

خورشيد دلي/ العين

نقطة واحدة تقف وراء دوافع واشنطن وموسكو من قمّتي جدة وطهران.. يمكن القول إنها “الإحساس بالضعف”.

فالرئيس الأمريكي، جو بايدن، لم يأت إلى جدة إلا بعد أن أدرك خطأ سياسته، المتمثلة في تهميش منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، في إطار سياسة الانكفاء، التي اتبعتها الإدارة الأمريكية، خاصة في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وعليه قدم “بايدن” إلى المنطقة ليضبط بوصلتها السياسية في ضوء العلاقات الأمريكية التاريخية معها، منطلقا من أهمية الطاقة في مرحلة الأزمة الأوكرانية-الروسية، ومحاولة حرمان روسيا من أوراق جيوسياسية مهمة.

في المقابل انضمام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى قمة طهران، التي كانت مقررة بين الرئيسين التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الإيراني، إبراهيم رئيسي، جاء تعبيرًا عن قدرة روسيا على خلط الأوراق الجيوسياسية في مواجهة مساعي واشنطن وحلف شمال الأطلسي “الناتو” لعزلها.

ولعل الفارق هنا هو أن الولايات المتحدة منخرطة على كل المستويات في بنية وهيكلية منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، فيما تبدو روسيا في حركتها نحو إيران وتركيا مدفوعة بالخشية من الاستنزاف في الحرب الأوكرانية، والسعي إلى الحد من تداعيات العقوبات الغربية المفروضة عليها.

وعليه يمكن القول إنكلا من واشنطن وموسكو يسعى عبر قمّتي جدة وطهران إلى تجاوز “الإحساس بالضعف” عبر خلق اصطفافات إقليمية تساعدهما في معركة الصراع الجارية على خلفية الأزمة الأوكرانية.

اللغة، التي تحدث بها الرئيس “بايدن” في المنطقة، كانت موجهة إلى الداخل الأمريكي أكثر من كونها نابعة من فهم حقيقي لقضايا المنطقة، وإدراك حجم التحولات والتغييرات التي جرت فيها، لا سيما في ظل الانفتاح الخليجي-العربي على كل القوى الدولية المؤثرة، وبناء عليه جاء حديثه عن “عدم ترك المنطقة لفراغ تملؤه روسيا أو الصين” أقرب إلى مفردات مرحلة الحرب الباردة، وتعبيرًا عن عدم فهم لتوجهات قيادات المنطقة، التي تنظر إلى العلاقات الدولية من زاوية المصالح المتبادلة، وتحقيق الاستقرار والنمو في المنطقة والعالم، وليس الاعتماد على علاقات التبعية.

إن الحديث عن “فراغ في المنطقة” لا صحة له، فيما قمة طهران الثلاثية بدت وكأن الهدف منها توجيه رسالة واحدة، هي إمكانية الدول المشاركة في هذه القمة “روسيا وإيران وتركيا” على اللعب خارج ما يرسمه ويخططه الأمريكي للمنطقة والعالم، حيث تحرص موسكو على الاستفادة من الدورين، الإيراني والتركي، للحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط، فيما الثابت أن التناقضات بين هذه الدول في قضايا سوريا وأوكرانيا والشرق الأوسط كفيلة بجعل الجهود، التي تُبذل في هذا المجال، ليست أكثر من “مُراوحة في المكان” على شكل إدارة الأزمات وليس حلها، فالانقسام إزاء هذه القضايا هو سيد الموقف بين الدول الثلاث.
ففي الأزمة السورية تعمل روسيا وإيران لاستعادة الحكومة السورية السيطرة على المناطق الواقعة خارج سيطرتها، وسط رفض الطرفين للعملية العسكرية الجديدة، التي تنشدها تركيا في شمال سوريا، فيما تركيا تعد سيطرتها على مناطق واسعة من الشمال السوري إنجازًا لها، لا يمكن التنازل عنه، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، المقررة صيف العام المقبل.
وفي الأزمة الأوكرانية -رغم محاولة تركيا انتهاج الحياد حرصًا على مصالحها مع كل من روسيا وأوكرانيا- فإن اصطفافها إلى جانب “الأطلسي” بدا واضحًا بعد قمة الناتو في مدريد، وموافقتها على انضمام كل من السويد وفنلندا إلى عضوية الحلف، وهو ما يتعارض مع الاصطفاف الروسي-الإيراني الواضح في الأزمة الأوكرانية، لا سيما في ظل الحديث عن دعم طهران لموسكو بعشرات المسيّرات القتالية.
من الواضح أن الهدف الأمريكي والروسي من قمّتي جدة وطهران هو محاولة خلق اصطفافات عالمية في إطار تأكيد كل طرف لنفوذه ودوره وقدرته على خلط الأوراق هنا وهناك، فيما الثابت أن أولويات الطرفين تتعارض، أو قد لا تتطابق مع أولويات دول، كالخليج العربي، التي تتسق مع فكرة إقامة دولة وطنية بعيدًا عن صراع الأيديولوجيات.

وعليه، يمكن القول إنه بعد قمّتي جدة وطهران ثمة فرصة أمام الدول الفاعلة في المنطقة، وعلى رأسها دول الخليج العربي، في تأكيد دورها على الساحة العالمية عبر التفاعل والتعاون والتكامل مع كل القوى العالمية المؤثرة من جهة، ومن جهة ثانية من خلال زيادة التعاون الاقتصادي والتجاري بين دول المنطقة نفسها، وهو ما يفرض نمطًا جديدًا في العلاقات الدولية، عنوانه “الخروج من العلاقات النمطية التبعية”.

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى