أخبارتقارير

ما هي قصة الأول من أيار… عيد العمّال العالمي؟

العمال.. ربّما يقول قائلٌ إنها ببساطة كلمةٌ مشتقة من الجذر “عمل” والعمل يعني المهنة.

هنا سنستخلص نحن المتلقون أننا بصدد تعريف فئةٍ مهنيةٍ نصادفها كل يومٍ وبأعدادٍ هائلة في مختلف القطاعات الاقتصادية.

من دون شكٍّ إننا جميعاً نعي أنهم عمود الإنتاج في الحقول الاقتصادية المختلفة، فكلّما عملوا أكثر ازدادت المنتجات وارتفعت الأرباح!

لكن هل يتقاسم العمّال فعلياً الأرباحَ الناتجة عن جهودهم المبذولة خلال عمليات الإنتاج؟
هل تمكّن العمّال من تحصيل الحصانة الحقوقية أم أن الحاجة للأجور على انخفاضها منعتهم من المطالبة أو التجرؤ في التفكير بالأمر؟

بالأساس ما هو النظام الذي صنع في العالم فئةَ عمال الأجرة، وكيف كانت سيرورة هذا الحدث عبر التاريخ؟

مع الإجابة عن هذه الأسئلة نصبح أمام تعريف طبقةٍ اجتماعيةٍ هي جزءٌ أساسيٌّ وكبير من المجتمع، مُهمّشةٍ ومغيبةٍ عن صناعة القرار، حتى ذلك المتعلق بتحصيل حقوقها الإنسانية في بيئة العمل أياً كانت.

بفتح سيرة تاريخ العمال نجد أنهم تلك الفئة التي تمثل المساهم الأكبر في عملية الإنتاج والخاسر الأكبر منها إذ لا تكافئ قيمة العمل نقدياً الجهدَ المبذول الذي يقومون به، وفائض القيمة أي الأرباح يُصبح من نصيب أرباب العمل وهم أصحاب وسائل الإنتاج.

الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج التي ظهرت بطرقٍ غير مشروعةٍ مع تطور مراحل الإقطاع والبرجوازية واتّساع الهُوة الطبقية في المجتمع شرّعت لأصحابها التحكّم بقرار ومصير العمال.

ما إن وصلت الأبوية الذكورية إلى ذروة حكمها حتى بدأت تبعاتها تتجلّى في كل مفاصل الحياة الاجتماعية ومحاورها، إذ تحكّمت أنظمة الحكم الهرمية في صناعة القرار السياسي وتجلّت الطبقية في الاقتصاد.

مع توسّع المجتمعات وتطور الأساليب وفشل الثورات عن إحداث التغيير الجذري، شهد العالم الانتقال من مظاهر الإقطاعية والبرجوازية مروراً بالرأسمالية وصولاً للإمبريالية والعولمة، التي هيمنت وتسرّبت في كل شيءٍ مفهوماً ونتيجةً.

بدأت بوادرُ الأمر عندما اعتمد الاقتصاد على الزراعة فطغت الإقطاعية واحتُكرَت الأراضي والممتلكات، فتحوّل المُزارع في أرضه إلى مُرابعٍ يُدفَع له مقابل عمله في أرضه دون أن يستفيد من خيراتها.

وبعد اندلاع الثورة الصناعية خلال القرن الثامن عشر في أوروبا واحتكار طبقة البرجوازيين لوسائل الإنتاج ازدادت المنافسة وتراكمت الأعباء على عمال الأجرة، الذين اضطروا للعمل ليلَ نهار من أجل تحصيل قوت أسرهم، بعد انتقال أغلب الفلاحين المزارعين في أراضيهم إلى العمل في المصانع.

تفاقمت مظاهر الاحتكار والاستغلال والعبودية مع تطور الرأسمالية وانتُهكَت فيها حقوق الفقراء من العمال والنساء والأطفال.

وصل الجشع بالرأسماليين المُتحكّمين بالسلطة أيضاً في بلدانهم إلى حدود اللامعقول، ما أدى إلى احتقان العمال الذين فجروا ثوراتٍ عدة من أجل تغيير واقعهم وتحصيل حقوق الحماية في مناطقَ مختلفةٍ من العالم.

ذهب كثيرٌ من مُنظّري الاقتصاد إلى أن التغيير في النظام العالمي سيكون بيد العمال، تلك الشريحة من المجتمع التي تشكل الأغلبية الساحقة، وعوّل هؤلاء على وعي العمال بواقع حالهم وإدراكهم لمسار التدهور، وحثهم على الاتحاد.

خلال القرنين التاسع عشر والعشرين اندلعت الكثير من الثورات العمالية في جميع أنحاء العالم، خاصةً بعد الثورة الصناعية في أوروبا التي شكّلت مأساةً للعمال.

في فرنسا أحدثت كومونة باريس عام 1871 علامةً فارقةً للنضال العمالي التي نَفَذَ من خلالها العمالُ إلى صناعة القرار، جاءت كومونة باريس بعد سلسلةٍ من الثورات بدأت فعلياً منذ 1831 تخللتها إضراباتٌ وانتفاضات تمرّدٍ شارك فيها مئات الآلاف من العمال.

لاحقاً وفي الولايات المتحدة أيضاً نُظّمت الإضرابات العمالية، خاصةً عمّال سكك الحديد، لحقتها في القرن العشرين انتفاضاتٌ مسلحةٌ قامت بها أحزابٌ عماليةٌ نظمّت نفسها وشكلت قوة ضغطٍ من أجل إحداث قانون عملٍ يناسب العمال.

في روسيا تشكل مجلس العمال وأحدث الثورة الروسية التي أنهَت الحُكم القيصري للبلاد.

أما لماذا يُحتفل في الأول من مايو تحديداً من كل عامٍ بعيد العمال العالمي، فتلك قصةٌ تعود إلى 1886 أثمر فيها نضال العمال بتطبيق نظام الثماني ساعات، بعد أن كانت ساعات العمل تتراوح بين العشر والاثنتي عشرة ساعةً في اليوم، دون مراعاةٍ للحد من عمالة الأطفال وتقديم الضمان الصحي والاجتماعي للعمال.

القهر دفع بالعمال إلى إنشاء النقابات والاتحادات التي مارست الضغط لسنتين من أجل تحصيل حق الثماني ساعات عملٍ في اليوم، المطلب الموحّد للعمال بدأ في الأول من مايو من 1884باعتباره اليوم الذي تبدأ فيه السنة المالية والمحاسبة للشركات والمؤسسات الرأسمالية.

في الأول من مايو من عام 1886 نُظّم إضرابٌ عماليٌّ عام، لأكثرَ من 340,000 عامل، وتوقف أكثر من 12,000 مصنعٍ عن العمل في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، وجابت الشوارعَ المَسيراتُ الشعبية المسالمة التي شارك فيها العمال وعائلاتهم.

التقت المَسيرات في شيكاغو بالمنظمين الذين قاموا بإلقاء خطبٍ تحثُّ على ضرورة مواصلة الضغط على الحكومة وأصحاب المصانع، الذين لم يلتزموا بنظام الثماني ساعات، واستمرت الفعاليات في اليوم الثاني والثالث والرابع من مايو إلى أن مارست الشرطة العنفَ وأطلقت الرصاص على المحتجين في ساحة هايماركت بشيكاغو واعتقلت المنظمين الذين حُكم عليهم بالإعدام لاحقاً.

اليوم وفي القرن الحادي والعشرين، هل انتهى عصر الظلام وعمَّ السلام وانتهت مهمة العمال في صناعة التغيير المنشود؟.. في أي موقعٍ يكمن عالمنا الآن؟
خبراءُ اقتصاد معاصرون يقرؤون الوضع بالشكل التالي..

التضخّم سمةٌ طاغيةٌ على الاقتصادات في معظم أنحاء العالم وأزمة الطاقة تتفاقم، تضاف إليها خسائر الحروب الناشبة ونتائجها السلبية، كل ذلك يمنح شعوراً عاماً باليأس والتشاؤم من حلول كارثةٍ لا تُحمد عقباها.

هي مرحلةٌ يراها خبراء أنها وعلى غرار أزمة 2008 تُعدُّ نقطةَ انعطاف كما كان الركود العالمي الأول بعد الحرب العالمية الثانية في 1973 نقطة انعطاف، مستندين في تفسير ذلك إلى فكرة هيغل عن المسار العقدي للتطور (the nodal line of development)، إذ تصل سلسلةٌ من التغيرات الصغيرة إلى نقطةٍ حرجةٍ ليحدث تحوّلٌ نوعي.

ووفق هؤلاء الخبراء فإن الرأسماليين تجاوزوا أزمة 2008 باتباع سياسة التيسير الكمي التي مكنتهم من إبقاء أسعار الفائدة منخفضةً للغاية، فحقنت النظام الاقتصادي بكمٍ هائلٍ من رأس مالٍ وهمي، أدى إلى خلق سلسلةٍ من الضغوط التضخمية.

منظّرون يجدون أن تلك تبعات السلطة الرأسمالية التي تمكنت من النفاذ إلى كيان النقابات والتنظيمات العمالية على تنوعها ونخرت في أساليب نضالها وأصابتها بالشلل دون أن تعي ذلك، واستطاعت إخضاعها ببعض الخطوات الواهمة التي طالما وصفتها بالليبرالية والديمقراطية.

سمة الجشع يطلقها هؤلاء المنظرون على النظام الرأسمالي الساعي لتحقيق الربح وإسقاط المزيد من الضحايا، ليس فقط من العمال بل من عناصر الطبيعة والبيئة والمناخ أيضاً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى