مقالات رأي

في المسألة الدستورية

رياض درار

في خارطة الطريق لمجلس سوريا الديمقراطية ورد حول الدستور مايلي: إيقاف العمل بالدستور الحالي وإعلان مبادىء دستورية، وتشكيل لجنة لصياغة مشروع دستور ديمقراطي توافقي جديد يتضمن الاسم الجديد للدولة السورية وعلمها ونشيدها المعبّر عن فسيفساء النسيج الوطني السوري ويعبر عن النظام الفيدرالي الديمقراطي لسوريا.
هذا الهاجس الدستوري يتطلع إليه جزء لابأس به من إبناء شعب سوريا، وبدوري أسمح لنفسي بتكرار هذه المحددات الدستورية من أجل سوريا لأني كتبتها وناقشتها في أكثر من لقاء ومؤتمر وأعتقد أنها مما يحتاجه الواقع الجديد في صياغة أي دستور لسوريا. فالسوريون بشكل عام يجمعون على كليات ويختلفون ببعض التفاصيل وأهم نقاط الإجماع:
ــ مفهوم المواطنة المتساوية ( وبسبب تعدد المكونات ــ طائفية، إثنية، وتنوعها ــ مناطقية، اقتصادية، فإن مفهوم المواطنة يجعل الجميع متساوين أمام القانون )
ــ حيادية الدولة بمؤسساتها ونشاطاتها ( الدولة ذات حياد إيجابي تجاه الأفراد والمكونات مايلزم حماية حرية الاعتقاد، وفصل مؤسسات الدولة عن الدين، والحياد تجاه القوميات والثقافات، ويطلب منها التركيز على إبراز الهوية السورية الجامعة )
ــ الحقوق والحريات ( حق الحياة، حق العمل والسكن والصحة والتعلم، والجرية في التفكير والاعتقاد، وفي التعبير والنقد، وفي اختيار نمط الحياة دون ضرر، والتعبير عن ذلك بشكل فردي أوعبر جمعيات وأحزاب ومفاصل المجتمع المدني) .
وهناك ضرورات تفصيلية نكرر اقتراحها لأي دستور جديد :
ـــ الاعتراف بالقوميات المتعددة، والاعتراف بحقوقها الثقافية ولغاتها وحقها بالتعلم بها والبث بها عبر وسائل اعلام خاصة بها وتعتبر أعيادها من الأعياد المعترف بها. فيجب الإقرار بالتنوع المجتمعي السوري والاعتراف الدستوري بالحقوق القومية للشعب الكردي والشعب السرياني الآشوري الكلداني الآرامي والشعب التركماني، و الأرمني والشركسي وحل قضيتهم حلاً ديمقراطياً عادلاً وفق العهود والمواثيق الدولية في أي دستور توافقي قادم .
ــ عدم التمييز بين الأديان والتساوي بينها في نص الدستور، وهي جميعا من مصادر التشريع دون تمييز، وعدم ذكر دين رئيس الدولة فهو مواطن منتخب باعتباره من أبناء الشعب الذي يحق له التنافس مع المؤهلين للمنصب بنص الدستور. وفي هذا يمكن أن نضمن التأسيس لدولة وطنية وفق دستور يضمن حياد الدولة تجاه مكوناتها العرقية والدينية، ويتساوى فيها الجميع بما في ذلك تسلم أية سلطة في السلم الوظيفي بما فيها رئاسة الدولة لأي مواطن أو مواطنة دون تصنيف له بدين أو قومية أوطائفة أو مذهب .. هو أو هي مواطن وكفى.. وهنا نلحظ أن المساواة تتطلب عدم ذكر دين وجنس وقومية الرئيس لأن في ذلك تمييز بين المواطنين وهو ناقض لمبدأ المساواة المنشود في الدستور وتفريق بين المتقدمين للوظائف حيث من المفترض أن رئاسة الدولة وظيفة من الوظائف .
ـــ حق المرأة بالمشاركة السياسية، والوصول إلى كافة المناصب في الدولة والمساواة الكاملة مع الرجل في الشؤون المدنية، وأن تذكر إلى جانب الرجل بوصفها، رئيسة ووزيرة ومديرة ومواطنة، ويمكنها أن تجنس أبناءها، ويمكن التفكير بإنشاء قانون أسرة مدني إلى جانب الأحوال الشخصية يرجع إليه المواطنون المستقلون عن قوانين الطوائف
ــ اعتماد الفصل بين الدولة والمجتمع المدني واعتبار الأديان جزءاً من فعاليات المجتمع المدني، فالمجتمع ديمقراطي والدولة خدمية
ــ الشعب السوري بهيئته العامة هو وحده صاحب السيادة العليا، وهو مصدر كل شرعية وكل سلطة. ويقيم على الأراضي السورية دولة لا مركزية تحكمها سلطة سياسية وقانونية واحدة تمتلك وحدها حق السيادة. ومنقسمة إلى إدارات ذاتية في مناطق يتفق عليها وتقوم فيها وحدات إدارية محلية خدمية .
– أن يكون تمثيل الشعب السوري في نظام سياسي برلماني عبر مجلسين بهدف تحقيق تمثيل أوسع وأكمل لكل من (المجتمع الأهلي عبر مجلس الشيوخ)، و (المجتمع المدني عبر مجلس النواب ). كما يمكن تمثيل فئات أو قطاعات أو طبقات المجتمع بطرق مختلفة متنوعة أخرى. أهمها مجالس الإدارات الذاتية، ثم الأحزاب والجمعيات والنقابات والأندية. وهي كلها حرة تعتمد مبادئ الديمقراطية وتداول السلطة .
ــ ضرورة أن تتضمن مقدمة الدستور أن سوريا جمهورية ديمقراطية، وأن تتوضح المبادئ الديمقراطية كثوابت لا انحياز عنها ومن حق المحكمة الدستورية وقف أي تعديل يستهدفها
ــ أن يصدر الدستور باسم الشعب السوري، الذي هو شعب واحد يلتزم احترام الانسان كقيمة عليا، واحترام الأديان والمعتقدات للجميع، واحترام القوانين والمواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان، ويتطلع إلى مستقبل أكثر إنسانية وسلام ورخاء. ويعمل على مناهضة أشكال التمييز بين الأفراد خاصة المرأة والطفل، ويلتزم بالسلم والأمن الدوليين.

“لا تتراجعوا عن الدفاع عن الحريات الشخصية، وحقوق المرأة، ولا تهادنوا في الدستور. فقد كان هذا الخطأ الأكثر فداحة الذي ارتكبناه في إيران بعد الثورة، وبه مهدنا لدكتاتورية الجمهورية الإسلامية”.
علي شيرازي ــ أستاذ الفلسفة السياسية الإيراني

تحتاج صياغة الدستور إلى جهود استثنائية تؤدي في النهاية إلى نجاح هذا الأمر، ويتطلب ذلك آليات مدروسة وتوافق بين الأطراف المتعددة، ومع الإقرار بحجم الخلافات بين المعارضة والنظام، تتوضح صعوبة وضع دستور جديد في الوقت الحالي، ووجود عقبات كبيرة ستواجه وضع مسودة أي دستور جديد، نتيجة لاختلاف المواقف والتجاذبات السياسية والمحاصصات العرقية والسياسية والطائفية التي ستبرز في وضع هذه المسودة، إضافة إلى الأجندات الإقليمية والدولية التي ستتصارع على وضع دستور يتناسب مع مصالح حلفائها في سورية.

التركيزعلى التعددية السياسية بما تعنيه من ترتيبات دستورية لتوزيع السلطات السياسية، وتحقيق الحرية والعدل، والنمو الاجتماعي والثقافي والاعتراف في إطار المجتمع الواحد بوجود تيارات سياسية متعددة، ذات برامج وأفكار، ومنطلقات فكرية مختلفة، تعبر كل منها عن نفسها بحرية، وتتحاور بتكافؤ حول الصالح العام، وتحتكم إلى الجمهور وإلى الرأي العام، دون أن يسعى أحدهما إلى قهر أو قمع الآخرين، وتنتظم جميعاً في مؤسسات المجتمع المختلفة. ويؤكد وجود طوائف وجماعات ثقافية ـ وليست عرقية ـ متعددة، وهو ما عرف حديثاً بالمجتمع التعددي والذى يشير إلى “المجتمع الذى يضم أكثر من “طائفة” ثقافية واحدة، حيث تعمل التعددية كأداة لتنظيم الحياة العامة على أسس مشتركة، مع احترام مختلف الاتجاهات الفكرية كشرط أساسي لممارسة الديمقراطية التي توفر لفئات المجتمع إمكانات المشاركة في المصير الواحد”. وهنا تفترق الهويات السياسية عن الهويات العرقية والدينية التي تأخذ الصبغة الثقافية ولاتقوم المنافسة بينها، حيث تقوم التعددية السياسية على تنافس الأحزاب وفق برامج تشكل الحكومة على أساسها وتحاسب على ضوء تنفيذها لهذه البرامج
وفي هذا على الدستور أن يحفظ
1 ـ المؤسسات في المجتمع، أي الهيئات التي تنظم الجماعة في عمومها أو في تكويناتها الثقافية أو المهنية أو الإقليمية أو العرفية أو الاقتصادية والدينية والمذهبية وتندرج في الوعاء العام للجماعة السياسية التي تعمل على تقديم الخدمات وتأمين الاستمرار لها في إطار المجتمع المدني .
2ـ استقلال السلطات الثلاث: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية وهي التي يتوزع عليها اتخاذ القرار العام والقيام بالعمل العام.
3- ضمان تداول السلطة بين القوى السياسية المختلفة، واحتمال التشكيل المتنوع لمؤسستي التنفيذ والتشريع بما يحفظ التوازن بينهما ويجعل كلاً منهما قيداً على الأخرى.

4 ــ الاعتراف بالمعارضة أنها جزء من النظام العام وهو أهم ضرورات التعددية السياسية في مجتمع ما وهو ما يعبر عنه بأنه “الرأي الآخر” أو “الحياة الحزبية”.

الجديد الذي نرمي إليه يتمثل في هوية تحيي سوريتنا، هوية عصرية منفتحة على الواقع لاتختفي وراء الشعارات، تساهم في التغيير ولا تكتفي بالتنظير، تشترك المكونات السورية فيها بعمل جامع يحقق حضورها القومي والسياسي وتعبيراتها الثقافية والعمل على تحقيق شرعة حقوق الإنسان فينا قبل أن نطالب بتحقيقها عبر قوانين ناجزة، أو ضمانات من دول. إن ذلك يتحصل بنفي العنصرية من نفوسنا وبالاعتراف بالحقوق وأولها حق تقرير المصير.
إن تفاعل جميع المكونات السورية أمر لا غنى عنه في دولة الحقوق والمواطنة المنشودة، حيث لا يلغي التكوين الجمعي خصوصية أي مكون ولكنه يستوعبها ويحميها، وحيث تبنى التوافقات على عقد اجتماعي يعتمد الشرعة الدولية لحقوق الانسان والاتفاقات الدولية ذات الصلة، بعيدًا عن الطائفية والعرقية ويعبر عن النسيج الاجتماعي كله وعن علاقات المواطنة التي تعترف للأفراد والجماعات بحقوقهم مع حرية الاختيار والتعبير وتقرير المصير.
وفي هذا يمكن أن نضمن التأسيس لدولة وطنية وفق دستور يضمن حياد الدولة تجاه مكوناتها العرقية والدينية، ويتساوى فيها الجميع بما في ذلك تسلم أية سلطة في السلم الوظيفي بما فيها رئاسة الدولة لأي مواطن أو مواطنة دون تصنيف له بدين أو قومية أوطائفة أو مذهب .. هو أو هي مواطن وكفى.. وهذا يستدعي للتفكير أن تكون الدولة السورية نصب أعيننا سورية الصفة والانتماء والمرجعية، وترك غيرها من الانتماءات تتفاعل مع الزمن لا نلغيها ولكن لا نجعلها عائقا في التفاعل والتعايش، يعني أن المرجعية هي الوطنية السورية من غير تنافس بين الهويات القاتلة، وإنما التنافس للبرامج التي تحيي الموات، وتبني الإنسان، وتقيم البنيان، وتخرج حصاد الأرض لتنفع به، وتبني المصنع لتتقدم من خلاله، وتنافس في العالم بإنتاج مميز وحضور نافع.

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى