مقالات رأي

اللامركزية الديمقراطية “مزيد من التوضيح”

اللامركزية الديمقراطية نظام يكون فيه الشعب مصدر السلطات فعلا، ويتحقق حكم الشعب عبر تفويض ممثلي المناطق المنتخبين لإدارة موسعة للسلطات المحلية، وتمثيل للمسؤوليات يضمن تقليل نسبة الفساد الاداري، وتوسعة للنظام الرقابي، مع القدرة على المحاسبة لمن يخرج عن إرادة الناخبين المحليين، بمعنى حضور “الرقابة المباشرة”، وفي مصطلح أعم، هي الديمقراطية التشاركية وهي مستوى من ممارسة الديمقراطية والمتابعة والرقابة مادون مستوى الديمقراطية التمثيلية حيث يصعب في التمثيلية على الجمهور على مستوى الوطن محاسبة ممثليهم المنتخبين “للبرلمان العمومي” إنما الناخب المباشر يمكنه حصر الاخلال والقصور ويمكنه اتخاذ الاجراءات المناسبة عبر “البرلمان المحلي” للحد من هذا الاخلال.
ومفهوم اللامركزية الديمقراطية هو أوسع من إدارات محلية التي صدر على أساسها القانون 107. اللامركزية الديمقراطية تقوم على أساس الادارات الذاتية وهي نظام حوكمة إداري وتنظيمي تتوزع السلطات فيها مع المركز وتستطيع صنع القرار في جميع أنحاء المنطقة التي تديرها، وفي هذه الحالة يمكن تطبيق أهداف القانون 107 بعد تعديله ليكون تمثيليا عادلا لا تَحَكُّم فيه من قبل مسؤول غير منتخب، ولا من سلطة خارج الادارة الذاتية المحددة.
إن مشكلة التطبيق اللامركزي تعرقله شمولية الدولة المستبدة السائدة ونظام الحزب الواحد ( البعث أو الاخوان المسلمين مثلا) الذي يجعل التحكم للهوية القومية ( العربية مثلا) أوالهوية الطائفية ( السنة مثلا) على حساب البرامج والتعددية الحزبية. لذلك التأكيد على الصفة الديمقراطية لمفهوم اللامركزية من خلال الادارات الذاتية يعني التعدد والتنوع والمشاركة للجميع، حين يكون صوت الفرد مؤثرا ويحمل قيمته التصويتية، لأنه يستطيع التعبير عن حقه، والمحاسبة بعد المطالبة بحقوقه.
الديمقراطية تعني نزع صفة القومية الواحدة عن اسم البلد الذي هو سوريا متعددة المكونات، وعدم ذكر صفة دينية للمسؤول ( دين رئيس الجمهورية ) الذي يجب أن يتم اختياره كمواطن وليس كانتماء مخصوص. وبهذا نخرج من نظام العلاقات الدينية والمحسوبيات الطائفية والاثنية إلى دولة الشعب السوري، والشعب هنا صفة سياسية لا اثنية كما ترد في التطور الاجتماعي ( الأسر والأفخاذ والبطون فالقبائل فالشعوب ) فهذه لايعتد بها في السياسة لأنها ستعود بنا إلى احتكار السلطة ومحاربة الآخرين على أساس الانتماء الطائفي أو الهوية السلالية.
المضمون الديمقراطي يعني أن الصراع والتنافس هو بين الأحزاب ومن خلال البرامج التي تعتمد على تأكيد حقوق الانسان، وعلى دولة القانون، وعلى الفصل بين السلطات، وعلى تداول السلطة، وعلى تمكين المجتمع المدني الذي تتنافس من خلاله المشاريع من أجل مزيد من الخدمات خارج تدخل الدولة، وباشرافها كميسر للخدمات يرتكز عملها على التنسيق والتوحيد بين جميع الادارات، وتكمن علاقتها بالشأن العام والخدمات والدفاع والعلاقات الدبلوماسية مع الدول والمشاريع الكبرى التي لا تستطيع عليها المؤسسات الصغيرة، ومن خلال المجتمع المدني يمكن أن تتحول الأوقاف ألى نشاط مدني يساهم في فتح الجامعات وإقامة المعاهد العلمية ( كما هو عهد الأوقاف قبل أن تستولي عليها الدولة المعاصرة، وهو حال المعاهد والجامعات الكبرى في العالم اليوم ” جامعة هارفارد مؤسسة وقفية مثلا” ). فالدولة خدمات وليست ايديولوجيا ولادين.
البعض يتمسك بمصطلح اللامركزية الادارية وهو مجال تحكم الدولة عبر وزير مختص بمسارات وحركة المحليات، ويستطيع هذا الوزير الغاء أي قرار لها بشطبة قلم، وفي حال الخلاف فإن مرجعية التحاكم يكون إلى محاكم إدارية لاتحقق استقلالا للمحليات التي تبقى في جدل مستمر بحسب عناصر القوة بين الوزير ونواب الشعب، بينما اللامركزية الديمقراطية هي صفة دستورية تأخذ قوتها من الدستور، والاحتكام فيها إلى محكمة دستورية يمكنها الفصل بأقوى قرارات تمنع التحكم والتغول في حركة المحليات من أي طرف في الدولة.
نظام اللامركزية الديمقراطية يحقق مفهوم المواطنة المتساوية، فالمواطنة حريات فردية كلما اتسعت كانت المواطنة أكثر ثباتا. ومفهوم المواطنة لايتحقق إلا بتشكل الأمة وليس قبلها، وحيث يتمكن الفرد من التعبير عن حقوقه دون مرجعيات.

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى