مقالات رأي

عن ثقافات الشعوب والتعايش


فيصل نعسو
قبل البدء بمناقشة الموضوع الرئيسي لابد من إلقاء نظرة سريعة جدا على ماهية الثقافة بالنسبة للفرد و المجموع . فالثقافة بصفتها سمة للفرد، هي سلوك إجتماعي ومعيار موجود في المجتمعات البشرية، حيث تنتقل من خلال التعلم الإجتماعي، وبعض جوانب السلوك الجمعي المشترك.
أما الثقافة بصفتها الجمعية، فهي مفاهيم وقيم وأفكار لمجموعة سلالية (عرقية) كأمة وشعب …الخ ، مكتسبة تاريخيا ومنتشرة بمناطق جغرافية محددة.
كما هو شائع، غالباً ما تستخدم الثقافة للإشارة على وجه التحديد إلى العلامات الرمزية التي تستخدمها المجموعات الإتنية لتمييز نفسها بشكل واضح عن غيرها من الأمم والشعوب ضمن الدولة الواحدة أوالمجاورة لها .
بهذا المعنى، فإن التعددية الثقافية للأمم والشعوب تستوجب المحافظة على التعايش السلمي مع بعضها البعض و الإحترام المتبادل وقبول الآخر .
ما يهمنا جميعا هنا، هو أن نسلّط الضوء على المشاكل المعقدة والمآسي المتكررة والجرائم الكبيرة التي تعرضت وتتعرض لها شعوب منطقتنا عبر المراحل التاريخية على أيدي الغزاة المحتلين، نتيجة انتماءاتها إلى حضارت أو ثقافات متميزة عن بعضها البعض، وتصبح كل واحدة منها لقمة سائغة للعدو الخارجي البعيد و الإقليمي المجاور، وتتحول ساحات بلداننا إلى أتون حروب دموية داخلية احرقت الأخضر واليابس، وتساهم بتعميق التعصب والكراهية والحقد القومي والديني و المذهبي بين أبناء مختلف الإتنيات و الأمم ، القاطنة على أرض الآباء والأجداد منذ عصور قديمة. ترى! هل من الضروري أن تعيش هذه الأقوام والأمم تحت ظل ثقافة التهديد والوعيد مع بعضها البعض؟ أم هناك بديل آخر لها؟
للإجابة عن هذين السؤالين، لا بد من من الوقوف على بعض المسائل التي تجنبنا الكثير من العراقيل والمطبات للعيش معا تحت ثقافة التضامن المشترك في السراء والضراء بين مختلف أبناء القوميات والأديان والمذاهب في بلداننا ؛ بحيث تكف حكومات البلدان المتعددة الإنتمادات عن القيام بالحملات الدعائية في بث روح الحقد والكراهية، وكيل الاتهامات المتعددة الألوان عند معارضة معارضة سياساتها المعادية لأماني وطموحات الشعوب والأمم العادلة الرازحة تحت سلطتها، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يستوجب على الأحزاب والقوى المجتمعية والشخصيات ذات التأثير المتمثلة داخل تلك الحكومات، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني خارج الأطر الحكومية، الا تقف مكتوفي الأيدي تجاه خرقها المبادئ الدستورية و القواعد الحقوقية، لإدخال الطمأنينة والهدوء إلى قلوب مختلف أبناء القوميات والأديان في البلاد.
كذلك يقتضي الواجب من أبناء الإتنيات والطوائف الدينية والمجموعات المذهبية الكبيرة والصغيرة منها غير المتمثلة في حكومات بلدانها و ممثليها الإجتماعية ، أن يحرصوا ما هو عام ومشترك والتحلي بالصبر وطول البال عند طرح قضاياها المصيرية.
بهذا الشكل، نفوت الفرصة على العدو الداخلي والخارجي التدخل في شؤوننا، ونساهم في إيجاد ثقافة شعبية قائمة على مبادئ العيش المشترك والتسامح و احترام الآخر، وحلنا مشاكلنا القومية و الدينية المعقدة المتراكمة عبر مئات السنين . و إلا ينتظرنا المزيد من الفواجع والنكبات .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى