مانشيتمقالات رأي

تصريحات متواترة ومؤشرات ذات دلائل

كمال حسين

قبل أسبوع، كانت قد مرت فترة خيمت فيها لقاءات وتصريحات متفائلة لناحية تسويق حكومة الشرع؛ حيث توالت اللقاءات خلالها ما بين الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني، وما بين قادة غربيين وسياسيين عرب، بدأت بلقاء مع الرئيس الفرنسي ماكرون، ولتتوج بلقاءات الرياض مع الرئيس ترامب ومع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الأمير الذي كان شديد الوضوح في مواقفه من المسألة السورية، وفي اشتراطاته، وفي تحديد عنوان المرحلة القادمة، فهو من جهة وظف رصيد المملكة عند الرئيس ترامب لاتخاذ قرار يقضي برفع العقوبات المفروضة على حكومة دمشق، ومن جهة أخرى أكد عزمه على اجتثاث الإرهاب الإسلاموي، ومحاربة الإسلام السياسي بكل حزم وصلابة، هذا، ولأن التركيز كان قد جرى في بعض وسائل الإعلام على مسألة رفع العقوبات، وأخذت حيزاً مبالغاً فيه كعلامة مهمة على طريق الاعتراف الدولي بالسلطات المؤقتة الجديدة؛ فيجب الإشارة إلى أن أياً من هذه اللقاءات لم يغيب الفرصة على التنويه بأن هناك خطوطاً حمر، لا يمكن تخطيها، ولا يمكن البحث بأي اعتراف قبل تلبيتها، وتتمحور حول طرد المقاتلين الأجانب؛ الذين تقدرهم مصادر بأكثر من عشرين ألفا، ومنع تسليمهم أية مناصب قيادية في الجيش والدولة، الموضوع الذي لم تبدِ الحكومة أي إرادة لتنفيذه حتى الآن، رغم تحديد مهل محددة لتنفيذه.

إلغاء الإعلان الدستوري، وتشكيل حكومة يتمثل فيها دور جميع المكونات، وتأمين حماية الأقليات؛ الأمر الذي أيضاً لم يشهد أي ترجمة مقنعة على الأرض؛ حيث لم تتوقف أعمال القتل والتعدي على حقوق الأقليات، والتضييق على الحريات، وحقوق المرأة.

لـ يلي ذلك، وفي الساعات الماضية موجة مختلفة من التصريحات والمواقف، كان قد بدأها وزير الخارجية الأمريكي “ماركو روبيو” في تصريح ذو دلالة بالغة، يقول فيه “قد تنهار سلطة دمشق خلال أسابيع وليس أشهراً، وسيخلف ذلك فوضى كبيرة، وحروباً أهلية، وطبعاً، ومع أن الاستنتاج الذي خلصت إليه الدبلوماسية الأمريكية يحمل تناقضاً مع موجة اللقاءات والتفاهمات السابقة، والتي أوحت للقاعدة الشعبية لحكومة الشرع، بأن الشرع وحكومته ومدرسته السياسية سائرة نحو التطبيع النهائي والشرعنة، وبأنه يمكن الالتفاف على المطالب الدولية ببعض الخطوات الشكلية الصغيرة على طريقة تعيين وزيرٍ عن العلويين، وآخر عن الدروز، تختارهم وفق ما يخدم خططها ومناوراتها؛ إلا أن الوقائع على الأرض، والتجربة تفيد بعكس ذلك، وبأن قصائد الغزل التي فاضت بها قريحة ترامب حول عظمة الشرع، وقبله في أستاذه أردوغان؛ لم تكن تختلف في جوهرها لتختلف عن طريقة الأمريكان في استدراج الخصم إلى المصيدة عبر تضخيمه وايهامه، كما اتبع مع صدام حسين.

أما أن يكون قد وقع في المصيدة؛ فيظهر الدليل عليه من خلال الصدوع والانشقاقات في جبهة الحكومة وفي القاعدة الشعبية المؤيدة لها، حيث تنقل الأخبار، تنامي ظاهرة انتقال مقاتلين من صفوف قوات الحكومة إلى صفوف تنظيم داعش الإرهابي، الواقعة التي تعني أن هامش المناورة أمام حكومة الشرع ضيق جداً، وليس بوسعها أن تتحدث بلغتين بنفس الوقت، وبأن التفويض الذي استحوذت عليه من الشارع الإسلامي المتطرف هو تفويض للعمل باتجاه واحد، عمل أساسياته التطرف والتطييف، وإبادة الأقليات، وخدمة الأجندات التركية.

وليس هذا وحسب، بل إن في السياسة الانتقائية المتبعة، الكثير من الخلط ومن نقاط الضعف، وبما يتيح نصب فِخاخٍ عديدة قد يكون من أهمها الوقوع في فخ الدعوات التركية المحفزة إلى افتعال صِدامٍ مع قوات سوريا الديمقراطية، لشد القاعدة الشعبية المتطرفة التي قد تكون أصابها الوهن، وهنا مربط الفرس، فيما يتم التحضير لصدام جدي حول قاعدة حميميم مع القوات الروسية. تلك القاعدة الواقعة في منطقة جبلة الساحلية، والتي تضم مطاراً عسكرياً وآخر مدنياً؛ سيطر عليه الروس بعد 2015 بموجب اتفاق مع النظام السابق، وقد لعبت من خلاله القوات الروسية دوراً فاعلاً خلال السنوات الماضية، لجأ إليه آلاف السكان المدنيين العلويين من القرى المجاورة طلباً للحماية بعد تعرضهم إلى التهديد بالإبادة بعد مجازر 6 آذار الماضي، والتي قضى فيها عشرات الألوف قتلاً وتهجيراً وسبياً.

وقد تعرضت القاعدة خلال الفترة الماضية إلى تهديدات متكررة من قبل الفصائل الموالية لحكومة الشرع، ومن قبل قوات الأمن العام التابعة للحكومة ذاتها، ومحاولات اقتحام للقاعدة، وتعزيزات كبيرة لقوات الفصائل المرتزقة. وكانت قد شهدت أيضاً نشاطاً متزايداً من جانب القوات الروسية، تمثل بكثافة الطلعات الجوية، وبتزايد التعزيزات التي توحي بأن استعدادات لمعركة كبيرة بين الطرفين يجري الأعداد لها بصمت لافت، وبأن احتكاكاً قد جرى منذ ثلاثة أيام تسبب بوقوع قتلى وإصابات عديدة بين الطرفين. ومن اللافت في هذا السياق حجم الاستنفار والحشد الذي تقوم به فصائل من قوات جميعها من الملثمين في محيط القاعدة، وفي بلدات الساحل؛ حيث شهد يوم الخميس 22/5/ 2025 استعراضاً عسكرياً للقوة من قبل ملثمين أيضاً، ضم مئات السيارات، جابت بلدات القرداحة وبعض القرى، وتنقلت في شوارع اللاذقية.

وكل المؤشرات تقول الآن بأن صِداماً وشيكاً وكبيراً بين سلطات الشرع والقوات الروسية يعد أمراً محتملاً، وفي حال حصوله سيكون ذلك بمثابة الفخ الذي أوقعت حكومة الشرع نفسها فيه، وسيكون من تداعياته أن حصل؛ ذهاب الروس إلى خلط شديد للأوراق وقلب الطاولة، حيث تذهب القناة 13الاسرائيلية في تقديرها للموقف إلى افتراض سعي الروس إلى حد إعادة بشار الأسد إلى قصر المهاجرين في دمشق، وتعتبر القناة ذاتها إن إعادة الأسد يعد أمراً مطروحاً في الأجندات الروسية، وأن فرص تحققها واردة، سيما أن الشرع لم يحظ باعتراف أي دولة حتى الآن، وإن الأسد يتمتع بشرعية نسبية، وأن إعادته   تتطلب جهداً أقل من الجهد المطلوب لشرعنة الشرع.

ومع الأخذ بالحسبان لحقيقة إن بشار الأسد لم يعد يتمتع بأية قاعدة شعبية؛ فيجب الانتباه إلى جملة ملاحظات وعوامل تجعل أمر عودته وارداً.

أولها، تصريحات سابقة لنتنياهو تقول: “لم يكن في قصدنا إسقاط الأسد؛ إنما كان الغرض أبعاد إيران عن سوريا. وثانياً طريقة سقوط الأسد المريبة بدون إبداء مقاومة حقيقية؛ ما يجعل أن في الأمر بقية، وقد يكون هو مع الروس طرف بها. ثالثاً، تبادل أدوار مع الشرع؛ ففي الوقت الذي نجح الشرع في تحقيق كل ما عجز الأسد عن تحقيقه، مثل حل الجيش والدولة، وتفكيك المجتمع، أصبح اليوم الأسد متحرراً من قيود الحزب والجيش والأمن الذي أوصله إلى الحكم، وفي موقع من أصبح الأقدر على تنفيذ ما هو مطلوب من الشرع لجهة إقرار دستور جديد لدولة علمانية مدنية ديمقراطية، والأقدر على سحق الفصائل الإرهابية والإسلام السياسي، وعلى تنفيذ الأجندات الدولية والإقليمية حول سوريا وفيها، وذلك بالاعتماد على شرعيته النسبية، هذه المهام التي لا يستطيع الشرع إنجاز أي منها.

وبالعودة إلى تصريح الخارجية الأمريكية الذي يتحدث عن انهيار قريب للسلطة الإسلاموية في دمشق، وإلى تصريح لافت آخر أطلقه في توقيت لافت أيضاً السفير الأمريكي السابق في سوريا “روبرت فورد” والذي مفاده إنه قد دَرَّبَ الشرع على القيام بمهام الرئاسة الانتقالية، وذلك بتكليف من منظمة بريطانية تعنى بهذه المهام، وتدعى (انتير ميلت)، وبأن السفير فورد قد التقاه في مراحل ثلاث، في العام 2023والعام 2024 وفي القصر الجمهوري لمدة عشرة أيام بعد أن أصبح أخيراً في مو قع الرئيس.

لذا فإن هذه التصريحات المتواترة، والتي تعني مع غيرها من الروائز، ولا سيما العامل الروسي الذي شارك منذ 2019 في لقاء القدس الشهير، وضم رؤساء مكاتب الأمن القومي في روسيا وأمريكا وإسرائيل، ووضع خريطة الطريق حول سوريا والمنطقة؛ لابد أن تعني شيئاً واحداً لا لبس فيه يتمثل بانتهاء صلاحية هذا الفريق من الإسلامويين الموهومين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى