
ربما دفعت الأوضاع الملتهبة في الشرق الأوسط رئيس الدولة التركية إلى مراجعة سياساته الداخلية بعد إطلاق القائد نداء السلام وإعلان «حزب العمال الكردستاني»، بدء حقبة جديدة من الكفاح السياسي معلنا ترك السلاح، الأمر الذي وضع حكومة أنقرة وأردوغان في موقف حرج أمام المجتمع الدولي الذي أشاد بمبادرة القائد وقرارات الحزب، إلا أن الدافع الحقيقي فيما يخص ضرورة تعاطي الحكومة والرئاسة مع المبادرة الاوجلانية ينبع من حسابات أخرى خاصة بصراع المشروعات في المنطقة بعد حرب إسرائيل في إيران، ما يتطلب ضرورة إعادة النظر في الأوضاع الداخلية لخلق حالة من التوافق، وهذه التحركات يجب أن تترجم إلى قرارات حقيقية لحل القضية الكردية، وحال عدم اتباع هذا النهج فلا تعدو سياسات أردوغان سوى حلقة من مسلسل مراوغاته المعتادة.
الاستقرار الداخلي
علي ثابت، الكاتب الصحفي والباحث في شؤون الهويات قال في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»: “إنّ التطورات المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط، وما حدث خلال 12 يوماً بين إيران وإسرائيل، جعلت تركيا على حافة الهاوية خصوصاً وأن لها مشروع يزاحم المشروع الإسرائيلي الأمريكي. لذا، هناك ضرورة لاستقرار الأوضاع الداخلية، ويبدأ هذا الاستقرار من حل القضية الكردية حلاً سلمياً ديمقراطياً. وخصوصاً أن الجانب الكردي ممثل في شخص السيد عبد الله أوجلان، أظهر مرونة بالغة من خلال نداء السلام والمجتمع الديمقراطي في شباط الماضي، ولعل خطوة اللقاء بين وفد إمرالي والرئيس التركي تدعو للأمل ولكن لابد أن تكون محفوفة بالنوايا الحسنة، فتاريخ الملف الكردي مع الإدارة التركية مقلق بشأن إقرار السلام واندماج الكرد”.
وأضاف ثابت: “لا سبيل أمام الجانب التركي إلا التقاط الدعوة الأوجلانية بانفتاح ديمقراطي، وفك أسر السيد عبد الله أوجلان، واحتواء الشعب الكردي والحفاظ على تاريخه وثقافته وهويته وحضارته واسهاماته الجليلة في تاريخ شعوب ومجتمعات منطقة الشرق الأوسط، وفيما يخص دعوة السيد عبدالله أوجلان بترك السلاح والعمل على بدء المقاومة السياسية فهو يجسد نجاح الثورة الذهنية التي أطلقها القائد عبر حزب العمال الكردستاني، والذي نجح في استمرارية وفرض القضية الكردية وطرحها للحل.
صياغة الدستور
وحول التحركات المطلوبة من قبل الجانب التركي طالب ثابت بتحرك الإدارة التركية عبر البرلمان لإعادة صياغة الدستور التركي فيما يخص الشعب الكردي متضمناً حماية السلام والمجتمع الديمقراطي، لافتاً إلى أن هذه الدعوة تترك أثراً كبيراً في الأوساط التركية المختلفة، وفى هذا الشأن ترتكز الاستراتيجية الكردية على قاعدة خطوة بخطوة، وذلك يوضح أن السيد أوجلان وحزب العمال الكردستاني قد رميا بالكرة في ملعب الإدارة التركية، والآن ننتظر رد الفعل التركي: “أتمنى شخصياً أن يكون إيجابي، وأن تعيد تركيا النظر فيما يخص الشأن الكردي”.
العنف بديل السياسة
الدكتور كرم سعيد الأكاديمي والباحث والمحلل السياسي أكد في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أنّ تركيا أدركت في وقت سابق أن المتغيرات الإقليمية ربما لا تسعفها لتطبيق ما جاء في نداء السلام، وتصر على استخدام القوة الصلبة ضد الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا، إلى جانب رفض جناح داخل حزب العمال الكردستاني المطالبات التركية بنزع السلاح، وحينها أصر أردوغان على عسكرة القضية الكردية رغم يقينه بأن هذا الحل لم يفضِ إلى نتائج ملموسة، إلا أن المتغيرات الإقليمية الجديدة، وما شهدته المنطقة من حرب إسرائيلية على إيران ومحور المقاومة من وازع كونها مشروعاً دينياً يوازي المشروع التركي السني والمشروع اليهودي الإسرائيلي، حرّك الساحة الداخلية التي أدركت ضرورة ملاحقة التغيرات الجديدة في الإقليم، والعمل على خلق استقرار داخلي بتحقيق المصالحة مع كافة الأطراف، لأن صراع المشروعات القائمة على النزعة الدينية يتطلب لحمة داخلية، وعلى النقيض فإن تفتت الجبهة الداخلية، وشعور المكونات بالظلم والاضطهاد قد يدفع القوى السياسية إلى اتخاذ تدابير عنيفة طالما لم تستطع تحقيق أهدافها من خلال العمل السياسي المنظم.