الإسلام السياسي الراديكالي يتنامى في سوريا … ويظهر في الأردن

كمال حسين
إن السؤال الأبرز الذي يدور بحديث السوريين اليوم ..إلى متى؟ وإلى متى ستستمر هذه الحالة الهلامية للدولة؟ ومتى ستغادر هذه السلطة المؤقتة من المشهد السياسي، والذي يكتظ بسيناريوهات التحول من شكل انتقالي للدولة وللثقافة والمفاهيم السياسية، وأنماط التفكير، إلى صيغة يترقبها الجميع، وتتسرب حولها الكثير من التقولات والخرائط.
أما أن يكون السؤال قد أصبح بهذا الشكل، فـ لأن الغرابة في سوريا أصبحت سيدة الموقف، وحيث أن كل شيء قد جرى بخلاف ما توقعه السوريون في ثورتهم، وبعكس كل ما حلموا به كبديل عن نظام الشمول والاستبداد الشوفيني المافيوي الفاسد، فـ للحق والموضوعية؛ فإن صوم الشعب السوري الطويل لم يتبعه فطوراً لائقاً حين تكون أكبر أحلام من حالفه الحظ اليوم هو من احتفظ بعمله الوظيفي، ولم يُسَرَّح منه بعد، ثم يتقاضى راتباً، في الكثير من الحالات متأخر عن موعد استحقاقه بضعة أشهر، ولا يغطي بمجمله العلاوات التي طرأت على أسعار الخبز والمحروقات أو الغاز المنزلي.
لم يفطر السوريين للأسف الشديد إلا على الخيبة والإحباط، حيث التراجع يحكم كل مستويات الحياة، ويطال كل الجوانب، وخاصة جانب الأمن والسلم الأهلي، هذا البعد الجوهري، والذي صار ينغص حياة الجميع، ويطلق عوامل الخوف والقلق والتوجس بين مكونات المجتمعات السورية المختلفة، وإذا أخذنا بالحسبان المجازر التي وقعت بعد وصول السلطات الجديدة إلى سدة الحكم في قرى وبلدات الساحل السوري بحق أبناء الطائفة العلوية، والتي طالت عشرات الألوف قتلاً وذبحاً وسبياً وتهجيراً، وما خلفته هذه المجازر، وتستمر في أحداثه يومياً بحق العلويين وغيرهم من باقي المكونات الدينية والعرقية، وعلى مساحة البلاد يصبح من الحتمي الاستنتاج إن نمط الحكم القائم والمستند على نموذج دولة الإمارة الإسلامية، وعلى مبادىء الجهاد في وجه مخالفي منهجهم الإسلامي الجهادي المتطرف، والمُعْتَمِدِ على تبرير أعمال الإرهاب ضد الأبرياء من الأطفال والنساء والعُجَّز. هذا ولئن كانت هذه الطغم الإرهابية والجماعات القادمة من كل أصقاع الأرض إلى الأراضي السورية؛ قد جاءت بوهم أنها من هنا سوف تكون قد سلكت أقصر طرق الوصول إلى الجنة، من خلال هدر دماء من تتوهم أنهم مشركون أو أهل ذمة، وتفتي كما يفتي مشايخها التخلص منهم.
هنا نَسَقٌ من بشر يحكمون البلاد، يطلقون لحاهم وأشعار رؤوسهم، يفترشون الأرض، ويزعمون أنهم يحاكون بذلك ظروف حياة الرسول صلَّ الله عليه وسلم، لا يهتمون لغير معارفهم الدينية ضمن سُلَّمِ المؤهلات العلمية، ولا يعيرون كبير اهتمامٍ للشهادات العلمية والاكاديمية المتخصصة. ففي عصر رواج استخدام برامج الذكاء الصنعي، وتوارد الحديث عن فرص السياحة إلى الفضاء، وتطور علوم الاستنساخ، وعن استخدام الخلايا الجذعية، وتأخير الشيخوخة في خطط المجتمعات والدول؛ يأتيك هؤلاء من رَحِمِ مجتمعات الظلام، منهمرين من كل أماكن التخلف. وحيث يرتع الجهل بحقيقة الدين وجوهر اهتماماته، يأتون إلى مدن الجنان مصطحبين معهم في رحلة الفوز سكاكينهم وألبسة حورياتهم الداخلية.
في هذا المناخ الجهنمي الذي يُرادُ بهِ أمرار المجتمعات من ثقب إبرة، والذي تُحاك به جرائم الإبادة والتطهير العرقي بحق العلويين والمسيحيين والكرد، الكرد الذين لم يشفع لهم إسلامهم بنظر هؤلاء. ولغاية في رأس السلطان العثماني الذي يشغل دوائر الإسلام السياسي؛ لم يخففِ عن كاهلهم في شيء، حجم الدور الذي نهضوا به لنصرة الإسلام، ولم يشفع لهم اسم صلاح الدين. كل ذلك ضمن خطط مُبَيّتة، الغاية منها الترويج لدولة الخلافة العثمانية، وإزالة المعوقات التي تقف في وجهها.
ولطالما كانت حجج الإبادة جاهزة في المطبخ التركي، وتتطور بغباء شديد، فإنها تأتي مُحملة عند محطة العلويين على ما يسمى فلول النظام. هذه البدعة التي لم تسندها أية وقائع، حيث لم تصب المجازر أياً من فلول النظام؛ بل على العكس، تسجل عودة مواربة ومنسقة لهذه الفلول إلى مواقع يحتفظون بها على تأثيرهم في صنع القرار.
إلى ذلك، وبالعودة إلى السؤال الأساسي المتعلق بمدى قدرة هذا النظام على الاستمرار في تهديده لاستقرار المجتمعات السورية المتنافرة مع طبيعته وأدواته، وبمدى صمت المجتمع الدولي والعربي الإقليمي، وعلى نحو خاص إسرائيل التي أعلنت مراراً عن رفضها القاطع لقبول دولة خلافة إسلامية تهدد أمنها على شواطئ المتوسط، ثم عن رفض لوجود أية قواعد عسكرية تركية على الأراضي السورية.
يمكن الجزم إن صبر المجتمع الدولي، وحسابات إسرائيل التي نجحت بإبعاد إيران عن المسرح السوري، وقلصت من وزنها في المعادلة الدولية والإقليمية؛ ليس بوسعها الانتظار طويلاً، وتحمل انبعاث خطر تركي أشد وقعاً، ويعزف على استنهاض وتوظيف ملياري مسلم في معركة إحياء الخلافة.
ومع الانتقال إلى تطورات الساعات الأخيرة في المملكة الأردنية الهاشمية؛ تدخل معركة الإسلام السياسي والفصائل الإرهابية الجهادية ضمن فصل آخر من التطورات.
إن حظر جماعة الإخوان المسلمين على أثر اكتشاف خلية إرهابية بحوزتها أسلحة وصواريخ ومسيرات يشكل تطوراً بالغ الأهمية في المعركة الدائرة مع الإسلام السياسي في المنطقة، وسيترك ذيولاً كبيرة على معادلات الصراع في الساحة السورية، وذلك لسببين رئيسيين، الأول، إن الجماعات الإسلامية من خلال اقتنائها السلاح في بلد يشهد استقراراً نسبياً مثل الأردن، وينتهج سياسات معتدلة تاريخياً، ومنفتحة على تيارات الإسلام السياسي؛ فهي أي الجماعات الإسلامية تدلل على صدق نواياها في التوجه نحو إقامة دولة الإمارة الإسلامية في أي مكان تسنح لها فيه الفرصة.
والسبب الثاني، يعود إلى الاندفاعة الكبيرة التي اكتسبتها هذه الحركات، والزخم الذي صارت تتمتع به أفكارها بعد الاختراق الكبير والمفاجىء الذي تحقق لها من خلال كسبها السهل للسلطة في عاصمة الأمويين، دمشق.
أما ماذا لو خرجت من تحت الرماد، المجموعات الإسلامية المتطرفة في مصر؟ لا شك في أن الجواب سيكون كارثياً على الاستقرار الدولي والاقليمي المجتمعي، وإن أحجار دومينو عدة سوف تتداعى، وربما يصل رجع صداها إلى الصين. ولا شك بأن كل ذلك أصبح وارداً لو تخاذل المجتمع الدولي مع المشروع الأردوغاني، أو تأخر قراره باستدعاء صناع الإبادة، وجرائم السبي، وتقطيع أجساد الأطفال من معسكراتهم وأماكن تجمعهم في المدن السورية، إلى أقفاص محاكم جرائم الحرب، مالم يستخدم العالم المتمدين إمكانياته لإفهام صناع مشاريع الجهل والتخلف في أنقرة وطهران وقطر؛ أن دمشق لم تعد تصلح عاصمة لهكذا نمط من الفتوحات؛ بل هي في طور الانفتاح على فتوحات العقل والتحضر والازدهار