مقالات رأي

بين غورباتشيف وبوتين: بين نهاية الحرب الباردة وبداية الحرب الفعلية الضارية


عاش ميخائيل غورباتشيف بالفعل زمناً طويلاً بما يكفي لرؤية روسيا التي حلم بتحويلها إلى قوة غربية “عادية” على شفى الانهيار حيث يتحد الغرب بمجمله تقريباً ضدها اليوم في غزوها لأوكرانيا.
تميز زمن غورباتشيف في السلطة بالاعتراف أولاً بأن الاتحاد السوفيتي قد أُنهك وبأن استمرار الدعاية القديمة المعادية للإمبريالية وبالوسائل القديمة نفسها هي “نفاق”، على أقل تقدير في ظل سياسة التعايش السلمي، فسعى إلى دمقرطة البلاد واعتماد الشفافية والسيطرة على سباق التسلح مع الأمريكيين.
منذ شباط/فبراير 2022، تخوض روسيا حرباً دموية في أوكرانيا وتتحرك الأسلحة الغربية من كل صوب لدعم كييف في قتالها ضد القوات الروسية مع ما يصاحب ذلك من خطر حدوث صدام مباشر بين القوى النووية العظمى سواء بالصدفة أو بسوء التقدير.
الستار لحديدي الذي أسدل على بلدان القارة الشيوعية الهائلة لم يعد بحلول نهاية عام 1991 نقطة اشتعال “باردة” أو بين حلف الناتو وحلف وارسو، وبدا في حينه أن الحرب الباردة وضعت أوزارها. الآن تعود هذه الحدود بين روسيا وجيرانها الغربيين المباشرين لتشكل نقطة ارتكاز في حرب فعلية ضارية. دفع الناتو قواته شرقاً وحشد 40 ألف جندي تحت قيادته المباشرة مع خطط لوضع 300 ألف آخرين في حالة تأهب قصوى.
وكان غورباتشيف قد أصدر في أواخر أيامه وكان في حالة صحية سيئة بالفعل عندما بدأ الغزو، بيانًا من خلال مؤسسته في الأيام التي أعقبت الهجوم الروسي الشامل دعا فيه إلى “وقف مبكر للأعمال العدائية والبدء الفوري بمفاوضات السلام”. وأضاف البيان: “لا يوجد شيء أغلى في العالم من أرواح البشر”.
وقال الصحفي الروسي أليكسي فينيديكتوف، رئيس تحرير إذاعة “إيخو موسكفي” والذي كان مقرباً من غورباتشيف في تموز/يوليو 2022 إن الزعيم السوفيتي السابق “منزعج” مما يراه حول الحرب في أوكرانيا. وأضاف في حديث لمجلة فوربس الروسية: “إصلاحات غورباتشوف السياسية وليس الاقتصادية تم تدميرها بالكامل”.
المترجم السابق لغورباتشيف، بافيل بالاتشينكو، الذي يعمل في مركز أبحاث مركز غورباتشيف، قال لشبكة فوكس نيوز قبل يومين من الغزو: “لقد حذر دائماً من أن الأمور يمكن أن تكون خطيرة جداً بين روسيا وأوكرانيا، لكنه فعل دائماً ما في وسعه من أجل تقريب هاتين الدولتين من بعضهما البعض بدلاً من رؤية استمرار لهذا الصدع الذي نراه يتسع الآن. لذلك بالنسبة له، من الناحية العاطفية، ما يحصل أمر مأساوي للغاية”.
وبعد أن كان غورباتشيف يناقش جدياً الحد من التسلح وإمكانية القضاء نهائياً على الأسلحة النووية مع رونالد ريغان في قمة “ريكيافيك” عام 1986، تتآكل اليوم آخر اتفاقية متبقية بين الولايات المتحدة وروسيا للحد من السلاح النووي بسبب تعليق روسيا لعمليات التفتيش المتبادلة رداً على موقف الغرب من “العملية الخاصة” في أوكرانيا. ويقوم كلا البلدين بتحديث ترساناتهما وقد عمل بوتين على التهديد باستخدام الأسلحة النووية أكثر من مرة قابله تهديدات مماثلة من طرف القوى الغربية.
كانت الأيام الأخيرة من الاتحاد السوفيتي في ظل سياسة الغلاسنوست (الانفتاح) التي انتهجها غورباتشيف أكثر ملاءمة لحرية التعبير من روسيا بوتين حيث يمكن لأي تلميح انتقادي أن يؤدي إلى السجن أو القتل.
وبعد أن أشاد غورباتشيف بسياسات بوتين الرامية إلى توطيد الدولة الروسية بعد الفوضى التي ميزت حكم بوريس يلتسين، إلا أنه حذر عام 2011 بالقول “ربما يكون مفهوماً أنه خلال المرحلة الأولى استخدم أساليب سلطوية معينة في قيادته، لكن اعتماد أساليب سلطوية كسياسة للمستقبل أعتقد أن هذا خطأ”.
وأضاف: “أينما ذهبت… ترى أنه حيثما يكون لديك قادة يحكمون لمدة 20 عاماً أو أكثر… الشيء الوحيد المهم في مثل هذه المواقف لهؤلاء القادة والأشخاص من حولهم هو التمسك بالسلطة. أعتقد أن هذا شيء يحدث الآن في بلدنا”.
ADARPRESS#

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى