قمة طهران الثلاثية .. رسالة واحدة وأجندة متناقضة

خورشيد دلي/ نورث برس

بعد ثلاثة أيام من قمة جدة التي جمعت الولايات المتحدة مع دول الخليج العربي إلى جانب مصر والعراق والأردن، تنعقد قمة طهران الثلاثية التي تجمع قادة كل من روسيا وإيران وتركيا، بين القمتين ثمّة رسائل وقضايا مُلِحّة للأطراف المعنية، فالولايات المتحدة التي اتبعت سياسة الإنسحاب من الخارج منذ وصول جوزيف بايدن إلى سُدّة البيت الأبيض، تحسّ بحاجة ماسّة إلى إعادة ضبط البوصلة في الشرق الأوسط، لاسيما مع ظهور حاجة عالمية ماسّة إلى الطاقة بسبب تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، فيما روسيا التي تحسّ بلحظة ضعف واستنزاف بسبب عجزها عن تحقيق أهداف حربها ضد أوكرانيا فإنها أيضاً تحس بحاجتها الماسّة إلى اصطفاف إقليمي حولها، لاسيما بعد أن جنّدت الولايات المتحدة حلف شمال الأطلسي خلف أوكرانيا لمواجهة الحرب الروسية.

بين موسكو وطهران وأنقرة، ثمّة قضية أو أزمة جامعة هي الأزمة السورية، في ظلّ انخراط الأطراف الثلاثة في هذه الأزمة، لكن الثابت أن أجندتهم مختلفة ومتناقضة، فموسكو وطهران تصطفّان خلف النظام، وتعملان لإعادة المناطق الواقعة خارج سيطرته إليه، فيما أنقرة تتمسّك بنفوذها وسيطرتها على المناطق التي احتلتها، وتسعى جاهدة إلى توسيع نفوذها عبر عملية عسكرية تنشدها منذ نحو شهرين، لذا ذهبت الصحافة التركية إلى القول: إن المهمة الأساسية لأردوغان في قمة طهران هي الحصول على موافقة روسية وإيرانية للعملية العسكرية التركية، لكن المهمة التي وضعتها تركيا نصب عيونها تبدو صعبة إن لم نقل مستحيلة، خاصة في ظلّ التصعيد الجاري في شمال غربي سوريا على وقع الحشد الإيراني على الأرض هناك، وتزايد وتيرة القصف الروسي لمواقع الجماعات المسلحة التابعة لتركيا.

في التوقيت، لا تبدو قمة طهران الثلاثية بعيدة عن التحوُّلات والتطورات الإقليمية الجارية، فإيران تراقب بشدة التحوُّلات الجارية في سياسة تركيا، وتقاربها مع إسرائيل ودول الخليج العربي ومصر، وهو ما يُثير قلق طهران التي لجأت إلى جعل تركيا ساحة للمواجهة مع إسرائيل لمنع هذا التقارب، لكن الثابت أن هذا السلوك دفع إلى المزيد من التعاون الأمني والاستخباراتي بين الجانبين، في المقابل ترى تركيا أن التحرُّك الأمريكي من خلال قمة جدة، أراد خلق حالة اصطفاف إقليمي لا تستطيع تركيا الوقوف في الموقف المعادي له، لذا تحاول موازنة حساباتها، خاصة أنها عضو في الحلف الأطلسي، واصطفّت عملياً إلى جانب الحلف في الأزمة الأوكرانية بعد موافقتها على ضمّ كلاً من السويد وفنلندا إلى عضويته، وهو ما يخلق ساحة مواجهة مع كلٍ من موسكو وطهران، لاسيما في ظلّ اصطفاف طهران إلى جانب موسكو في هذه الأزمة، خاصة بعد الأنباء التي تحدثت عن تزويد إيران لروسيا بعشرات المُسيّرات، دعماً لها في حربها ضد أوكرانيا، فيما موسكو التي تحرص على حياد تركي في الأزمة الأوكرانية، تنظر بحذرٍ شديد إلى المواقف التركية المنسجمة مع الأطلسي
إزاء هذه الأزمة، وعليه تحاول ربط تركيا بعمليات تُبقيها غير بعيدة عن الموقف الاستراتيجي الروسي، وفي هذا الإطار ينبغي النظر إلى مسألة الموافقة على قيام تركيا بدور أساسي في قضية نقل الحبوب من أوكرانيا وروسيا إلى العالم.

من دون شك، هذه الأجندة المتناقضة للأطراف الثلاثة، تدفع بهم إلى البحث عن مساحات مشتركة كي لا تكون القمة الثلاثية قمة تفجير التناقضات بينهم، وعليه فإن المصالح الاقتصادية والتجارية بين هذه الدول تقفز إلى الواجهة في إطار السياسة البراجماتية المُتبعة من قبل طهران وأنقرة، وعند هذه النقطة تظهر قضية كيفية تعامل القمة مع المسعى التركي لشنّ عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، إذ الثابت أن روسيا وإيران قالتا لا لهذه العملية، وهو ما يفتح الفرصة أمام الحديث عن وساطة إيرانية بين دمشق وأنقرة للتقريب بينهما، وساطة تُبعد العملية العسكرية التركية، وتفتح الطريق أمام مفاوضات بين الجانبين السوري والتركي بوساطة إيرانية ودعمٍ روسي، ومع أن لا مؤشرات توحي بنجاح هذا المسعى في ظلّ تباعد مواقف وشروط كل من دمشق وأنقرة، إذ كيف يمكن لدمشق أن تقبل بمصالحة مع دولة تحتل مناطق واسعة من أراضيها، ومتورطة حتى النخاع في دعم الجماعات الإرهابية والمسلحة ضدها ؟ في المقابل كيف يمكن لأردوغان أن يُقدم على مصالحة تشترط عليه سحب قواته من مناطقٍ تحت سيطرته ويعدُّها نفوذاً وإنجازاً له ؟ من دون شك لا تبدو المقدمات متوفرة لمثل هذه المصالحة، وهو ما يدفع إلى الاعتقاد أن قمة طهران لن تخرج بقرارات نوعية بخصوص الأزمة السورية، سوى الحديث عن استمرار مسار أستانا في إطار الحرص على عدم اعلان وفاة العملية السياسية، خاصة بعد الإعلان عن تجميد أعمال اللجنة الدستورية.

قمة طهران تحمل رسالة واحدة، وهي التأكيد على الدور الإقليمي لهذه الدول، والقدرة على اللعب خارج ما تريده واشنطن من وراء قمة جدة، لكن أبعد من هذه الرسالة تبدو التناقضات في أجندة هذه الدول، كفيلة بعدم الخروج برؤية موحّدة إزاء القضايا الخلافية، وعلى رأسها الأزمة السورية.
ADARPRESS#