أخبارمانشيتمقالات رأي

“الناتو” يستعد لـ”قمة إنقاذ الديمقراطيات الغربية”


اجتماع مرتقب في مدريد لإقرار مفهوم استراتيجي جديد ضد تهديدات روسيا وتحدي الصين ووضع الأجندة الجيوسياسية للعقود المقبلة.
برز اسم حلف شمال الأطلسي “الناتو” كذريعة رئيسة للحرب الروسية على أوكرانيا، فعلى مدار الأشهر السابقة للحرب، تكرر تنديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتنامي “القدرات العسكرية” لحلف شمال الأطلسي (الناتو) على حدود بلاده، وهو ما أبداه بشكل لا لبس به خلال القمة الافتراضية التي جمعته ونظيره الأميركي جو بايدن، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وطالب بـ”ضمانات” لعدم توسع الحلف شرقاً، قاصداً تحديداً أوكرانيا وجورجيا التي تصاعد الخلاف بشأنهما بين موسكو والغرب، بعد أن فتح الحلف احتمالات انضمامها في عام 2008.
بعد أشهر من تلك التحذيرات المتكررة، التي صاحبها عدد من المناورات العسكرية في البحر الأسود من الطرفين، أقدم بوتين على تنفيذ تهديده، وشن ما يصفه الكرملين بـ”عملية عسكرية” ضد أوكرانيا، التي يبدو أنها فتحت “صندوق باندورا”، حيث تشهد أوروبا حالياً أكبر صراع لها منذ الحرب العالمية الثانية، مع إجبار آلاف الأوكرانيين على الفرار من وطنهم، والبحث عن الأمان في دول الاتحاد الأوروبي المجاورة، فضلاً عن التأثير العالمي الأوسع من نقص الغذاء والطاقة. وهي المخاطر التي دفعت دولاً كانت تقف على الحياد مثل فنلندا والسويد لطلب الانضمام للحلف العسكري الغربي.
المفهوم الاستراتيجي الجديد
بينما تنعقد قمة حلف الناتو في العاصمة الإسبانية مدريد أواخر يونيو (حزيران) الجاري، فإنها ستكون قمة استثنائية على أصعدة عدة، أهمها اعتماد ما يعرف بـ”المفهوم الاستراتيجي الجديد”، وهو وثيقة سياسية أساسية تحدد التحديات الأمنية للحلف وكيفية مواجهتها، كما تحدد الخطوط العريضة للمبادئ التوجيهية للتطور السياسي والعسكري للتحالف في المستقبل.
ووفقاً للأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، فإن من المتوقع أن يعلن قادة الناتو خلال القمة التي ستعقد بين 28 و30 يونيو، روسيا باعتبارها “تهديداً للسلام والاستقرار”، في إطار “المفهوم الاستراتيجي الجديد”، وهو تحوّل عن الاستراتيجية الحالية التي تحدد روسيا كشريك للتحالف. كما ستتضمن الوثيقة الجديدة الصين، باعتبار أن صعودها المتنامي يشكل تحدياً لمصالح وقيم وأمن الناتو، المنظمة التي تأسست عام 1949 وتضم في عضويتها 30 دولة أوروبية وكندا والولايات المتحدة.
أحد أبرز القضايا التي سيتم تناولها في القمة هو عدد القوات أو الأسلحة التي سينشرها الناتو على حدوده مع روسيا على المدى المتوسط والبعيد. والأربعاء الماضي، خلال مؤتمر صحافي حول القمة، كشف ستولتنبرغ عن استعدادات الناتو لنشر مزيد من الأسلحة والقوات على طول حدوده الشرقية مع اشتعال الحرب الروسية في أوكرانيا المجاورة، لكن بينما يتفق الحلفاء على أنه يجب أن يكون هناك وجود أكبر لحلف شمال الأطلسي في دول الجناح الشرقي مثل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، كانت هناك نقاشات داخلية حول أفضل سبل نشر القوات في المنطقة. ففي حين دعا بعض الحلفاء الشرقيين إلى الوجود الدائم لقوات الناتو في بلدانهم، فضّل آخرون نهجاً أكثر مرونة وتناوباً.
وقال الأمين العام إن الحلف سيكون لديه “مزيد من التشكيلات القتالية المنتشرة من قبل الناتو لتعزيز مجموعاتنا القتالية في الشرق”، مضيفاً أنه سيكون هناك أيضاً مزيد من “المعدات الموجودة مسبقاً ومخزونات الأسلحة”، لكن للمرة الأولى منذ الحرب الباردة، أشار إلى أن التحالف ستكون لديه “قوات مخصصة مسبقاً لدول معينة في الشرق، مرتبطة بخططنا الدفاعية”. وقد أشارت ألمانيا بالفعل إلى أنها ستوفر مزيداً من القوات لحماية ليتوانيا بموجب هذا النموذج، بما في ذلك نشر المعدات وعناصر القيادة في البلاد وتخصيص لواء ألماني للدفاع عن ليتوانيا من دون تمركزه هناك بشكل دائم. وتناقش بريطانيا نوع الوجود المتزايد لها الذي يمكن أن توفره في إستونيا.
رؤية لمستقبل العلاقات الدولية
الاختيارات والقرارات التي سيتم اتخاذها في تلك القمة التاريخية، من المحتمل أن تحدد الأجندة الجيوسياسية الغربية لعقود مقبلة، بحسب وصف مراقبين غربيين. وفي مقال لوزير الدفاع الأوكراني أولكسي ريزنيكوف، نشره المجلس الأطلنطي في واشنطن، الشهر الحالي، قال إنه مع أزمة نظام الأمن الدولي، سيكتسب المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف الناتو مكانة ورمزية تفوق بكثير التوقعات السابقة، إذ سيوفر رؤية لمستقبل العلاقات الدولية. وحذر من أنه إذا تم تحديد هذه الرؤية من خلال التعبيرات الفارغة عن القلق، فسوف تشير إلى أن العالم الحر لم يعد قادراً على مواجهة العدوان على الأمن الدولي، وقد تفسر الأنظمة الاستبدادية هذا على أنه دعوة مفتوحة للعمل مع الإفلات من العقاب، بينما إذا أظهر المفهوم الاستراتيجي قيادة حقيقية، فسوف يرسل ذلك رسالة مختلفة تماماً.
وأكد ريزنيكوف حاجة العالم الديمقراطي إلى استعادة زمام المبادرة، قائلاً إنه “لفترة طويلة جداً، سمح القادة الغربيون للمستبدين مثل بوتين بوضع جدول الأعمال الدولي والقيام بالخطوة الأولى بينما ظل (قادة الغرب) مجرد رد فعل”. وأضاف أن الأنظمة الاستبدادية اليوم تعتمد على جمود المجتمع الدولي، حيث باتت قادرة على التصرف بشكل أسرع من الديمقراطيات وأسرع بكثير من التحالفات الدولية. وهذا يمكنهم من إثبات الحقائق على الأرض قبل أن يتمكن الآخرون من الرد، وعادة ما تكون المفاوضات التي تلي ذلك في مصلحة المعتدي وعلى حساب الضحية. وفي هذا الصدد، كشف ريزنيكوف عن جهود جارية لإقناع أوكرانيا بضرورة الدخول في مفاوضات، ترتكز على تشجع كييف على التفاوض في شأن الأراضي التي يجب أن يتخلوا عنها لروسيا لتجنب “إذلال” بوتين، وهو ما يرفضه الأوكرانيين.
هذه الجهود التي سخر منها وزير الدفاع الأوكراني، تعكس قناعة غربية بضرورة وقف الحرب في أقرب وقت ممكن لتجنب التداعيات الدولية، لا سيما ما يتعلق بأزمة الغذاء والطاقة أولاً، ولتجنب إذلال بوتين ثانياً حتى لا يتحول إلى مزيد من العنف. وفي وقت سابق من الشهر الحالي، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن من المهم ألا تتعرض روسيا للإهانة حتى يتسنى إيجاد حل دبلوماسي عندما يتوقف القتال في أوكرانيا، مضيفاً أنه يعتقد أن باريس ستلعب دور الوساطة لإنهاء الصراع. وبالفعل يسعى ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز للإبقاء على قنوات الحوار مع الكرملين منذ اشتعال الحرب. كما حذر ستولتنبرغ، في مقابلة مع صحيفة “بيلد” الألمانية، من احتمال استمرار الحرب في أوكرانيا لسنوات، وحث الدول الغربية على مواصلة وتكثيف الدعم لكييف.
الصين التحدي الناشئ
ووفقاً لورقة بحثية نشرها “معهد الكانو الملكي”، للأبحاث في مدريد، فإن مفهوم مدريد الاستراتيجي سيحتاج إلى التركيز على القضايا الرئيسة لحلفاء الناتو، بما في ذلك تعزيز الروابط عبر الأطلسي وتصميم الردع والدفاع ضد التهديدات الجديدة، وتحديد دور الناتو في التنافس الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة، وتصنيف وترتيب أولويات الوظائف الرئيسة للحلف، ومراجعة توزيع العبء المالي، والنظر في التقنيات التخريبية وتعزيز الشراكات.
وتم إطلاق المفهوم الاستراتيجي الحالي لحلف الناتو في عام 2010، أي قبل أربع سنوات من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وقبل سنوات من انتشار الهجمات الإلكترونية الكبرى، كما أن الوثيقة المكونة من 36 صفحة لم تكن تذكر الصين، ما يعني أن الوثيقة الجديدة التي سيتم اعتمادها، الأسبوع المقبل، تحمل استراتيجية مختلفة تماماً في التعامل مع القوى الدولية الكبرى التي يعتبرها الغرب تحدياً لنظام العالم أحادي القطب، الذي ترسخ بعد سقوط الاتحاد السوفياتي قبل ثلاثة عقود.
وفي حين ستركز معظم المحادثات في القمة المقبلة على ردع روسيا والنظر في الطلبات المقدمة من فنلندا والسويد للانضمام إلى حلف الناتو، فإن الولايات المتحدة التي تستهدف تعبئة حلفائها في مواجهة القوة الصينية الصاعدة ستجعل من القمة حدثاً فارقاً في مواجهة الصين خلال العقد المقبل. وفي تعليقات سابقة، الشهر الماضي، قالت جوليان سميث، المندوبة الدائمة للولايات المتحدة لدى الناتو، إن المفهوم الاستراتيجي الذي سيتم الكشف عنه في القمة يجب أن يشمل العقد المقبل، والذي سيشهد تهديدات من الصين والتكنولوجيا الناشئة مثل الهجمات الإلكترونية.
وأضافت سميث أنه من المتوقع أن يبحث قادة الناتو التعاون بين روسيا والصين وكيفية تأثيره في التحالف. وفي حين لا توجد محادثات عن مجلس يركز على المحيطين الهندي والهادئ داخل الناتو، لكن وفقاً للمندوبة الأميركية فإن جلب شركاء من المنطقة يمكن أن يساعد في مشاركة الدروس حول الهجمات الإلكترونية الصينية والروسية وحملات التضليل، بحسب تعبيرها.
وتم توجيه الدعوة لعدد من دول منطقة المحيطين الهندي والهادئ للمشاركة في قمة مدريد، إذ يشارك قادة أستراليا ونيوزيلندا واليابان وكوريا الجنوبية.

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى