جدل حول فتح المعابر في ظل تهديدات بعدوان عسـ.ـكري ضد مناطق الإدارة الذاتية

أعلنت الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية “إلهام أحمد” في حوارها مع رئيس تحرير مجلة “المجلة” السعودية “إبراهيم حميدي” عن وجود “تفاهم مبدئي” حول إدارة معبر قامشلو – نصيبين، وقالت إن هناك مفاوضات جارية قد تقود لفتح المعبر أو لآلية إدارة مشتركة، دون أن تدلي بكثير من التفاصيل عن الجهات التي تتفاوض مع بعضها، هل هي بين تركيا والإدارة الذاتية، أم بين حكومة دمشق وتركيا، أم الثلاثة يخوضون معاً مفاوضات حول وضع آليات تضمن فتح المعبر وحسن سير عمله.
لقد تزامن ذلك الحديث مع رفع الإدارة الذاتية العلم السوري في معبر سيمالكا بشمالي سوريا، الحدودي مع إقليم كردستان، في خطوة أثارت نقاشات واسعة حول دلالاتها وحافزاً لدى الطرفين – الإدارة وحكومة دمشق – لاستئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها.
فيما اعتبر مسؤولون في الإدارة الذاتية أن قرار رفع العلم لم يكن مفاجئاً، بل هو إجراء طبيعي ينسجم مع بنود العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية، حيث يتضمن مادة تنص على رفع علم الجمهورية إلى جانب شعار الإدارة الذاتية، وهو ما أقدمت عليه الإدارة عليه عندما رحل النظام السابق، حيث يوجد العلم السوري فوق جميع مباني ومؤسسات الإدارة الذاتية، وفي الساحات العامة للمدن، ما يؤكد على أن الإدارة الذاتية تعد نفسها جزءاً من سوريا، وتعترف بوحدة الأراضي السورية، على عكس ما يروج له بعض المغرضين والمتحاملين على الإدارة الذاتية.
وحول فتح المعابر وإدارتها مع حكومة دمشق، قال عضو دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية “حكمت حبيب”، إنهم، أي الإدارة الذاتية مستعدة لتنفيذ بنود الاتفاق العاشر من مارس/ آذار بخصوص المعابر والتعليم والمطارات، وأضاف “نحن مستعدون لفتح كافة المعابر مع دول الجوار بالتنسيق مع الحكومة المؤقتة”، مشيراً إلى رغبتهم في أن تكون لهم – أي الإدارة الذاتية – علاقات حسن الجوار مثل تركيا والعراق، واعتبر “حبيب” أن المعابر كلها معابر وطنية، وهي لكل السوريين دون استثناء.
ووضع “حبيب” الكرة في ملعب حكومة دمشق عبر القول “فتح هذه المعابر الآن برسم سلطة الحكومة الانتقالية في دمشق”.
فيما قال الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، “محمود المسلط”، في تصريح صحفي تعليقاً على رفع العلم السوري على معبر سيمالكا: “هذا دليل على إيماننا بوحدة الشعب والأراضي السورية”، مشيراً إلى أن المباحثات مع الحكومة السورية في دمشق مستمرة، مؤكداً أن “العلم السوري موجود في جميع مراكزنا، ولم يطرأ أي تغيير في هذا الصدد”.
هذا فيما قال مصدر آخر إن خطوة رفع العلم لم تأتِ بتنسيق مباشر مع الحكومة الانتقالية بدمشق، بل جاءت نتيجة مباحثات مع طرف منخرط في الملف السوري (لم يذكر اسمه)، وفق ما ذكره موقع “الحل نت”.
وكانت بعض الأوساط المقربة من دمشق تحاول سابقاً والآن الاصطياد في المياه العكرة، وتوجيه الاتهامات للإدارة الذاتية بـ”الانفصال”؛ لتدفع نحو الاصطدام والمواجهة العسكرية، رافضة أي خطوة من جانب الإدارة الذاتية. هذا فيما جاء الرد الرسمي الحكومي موارباً ومغايراً للحقائق على الأرض، حيث أكد مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية، “مازن علوش”، أن الهيئة ليس لها أي صلة برفع العلم السوري في معبر “سيمالكا” الحدودي مع شمال العراق. وأوضح أنه لم يتم أي تنسيق مع الهيئة بخصوص هذا الإجراء.
وفي تصريح لوكالة “سانا”، وصف علوش رفع الإدارة الذاتية للعلم السوري في المعبر الواقع على نهر دجلة، بجانب علمها، بأنه “خطوة أحادية الجانب تهدف إلى خلط الأوراق”. أي أنه يرفض علم الإدارة وحتى لا يعترف بإقليم كردستان العراق، ويطلق عليه اسم “شمال العراق”، بالتأكيد إنه ينم عن موقف غارق في الشوفينية، حيث إقليم كردستان العراق معترف به دولياً، ولا يمكن لتصريح مثل هذا الشخص أن يغير من الوقائع على الأرض شيئاً. ولا يفهم ما الذي يقصد به من “خلط الأوراق”، وما هي الأوراق التي ستُختلط على حكومته العتيدة من رفع علمها فوق معبر، أما كان الأجدر به أن يعمد إلى توجيه كلمة شكر إلى الإدارة الذاتية لإقدامها على هذه الخطوة التي يمكن لها أن تعزز الثقة بين الإدارة ودمشق، بدلاً من أن يوجه تهمة لا معنى لها، ويبدو أنه أفلس سياسياً، ولم يجد في جعبته ما يقوله غير تلك التهمة الخرقاء.
من جانب آخر؛ تزامن رفع العلم في معبر سيمالكا، وحديث “إلهام أحمد” عن جهود تبذل لفتح معبر قامشلو – نصيبين، مع محاولات من مرتزقة الاحتلال التركي لشن هجوم على مناطق الإدارة الذاتية في مناطق دير حافر وسد تشرين، وكذلك حالة الاستنفار التي تعيشها في حلب، حيث رفع المرتزقة السواتر الترابية المحيطة بحيي الشيخ مقصود والأشرفية، ووضعوا قناصاتهم فوق المباني السكنية والحكومية المحيطة بالحيين، في مؤشر على تصعيد عسكري محتمل ضد الحيين.
ولكن معطيات الواقع تؤكد أن أي معركة يدخلها المرتزقة تحت اسم الحكومة السورية، وبتخطيط من أنقرة، لن تكون نزهة بالنسبة لهم، وكل الاعتقاد أن المواجهة مستبعدة وفق موازين القوى الراهن، وكذلك فإن المعادلات السياسية الجديدة في الساحة السورية، خاصة بعد زيارة “الشرع” لواشنطن، وتصريحات المبعوث الأمريكي “توم باراك” حول التوصل إلى اتفاقية مع قوات سوريا الديمقراطية قبل حلول رأس السنة، جميعها دلائل ومؤشرات على الجنوح نحو الحل السياسي والعودة إلى طاولة الحوار، فقط تركيا تسعى إلى خلط الأوراق لقناعتها أنها ستفقد نفوذها في سوريا. والدليل على ذلك أن القوات التركية التي تمركزت في مطار “كويرس” شرقي حلب، عادت وانسحبت منها في اليوم التالي. وذهب بعض المراقبين إلى وصف انسحاب القوات التركية إنما جاء بضغوط من قوات التحالف الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تخطط للتمركز في القاعدة الجوية قريباً، حتى ذهبوا بعيداً في تحليلاتهم، واعتقدوا أن التحالف الدولي سيتمركز في مطار النيرب العسكري قرب مدينة حلب أيضاً، في مسعى لملاحقة عناصر التنظيمات الإرهابية من أمثال “داعش” و”حراس الدين” وغيرهم. ومن شأن هذه الخطوة أن تترافق مع تمركز قوات سوريا الديمقراطية فيها أيضاً، ما يعني أن حلب برمتها أصبحت تحت سيطرة قوات التحالف الدولي وفق المنظور العسكري.
على العموم، عملية رفع العلم، والحديث عن قرب فتح معبر قامشلو – نصيبين، كلها مؤشرات قد تعيد ترتيب أوراق التفاوض بين حكومة دمشق والإدارة الذاتية، والتهديدات التي يطلقها المرتزقة ما هي إلا فقاعات سرعان ما تنفجر في الهواء، وما هي إلا لإضعاف موقف الإدارة التفاوضي مع دمشق، إلا أن الإدارة الذاتية تملك العديد من أوراق القوة بيدها، ولا يمكن لأحد أن ينزعها تحت الضغط والتهديد بالعدوان، على العكس من ذلك من المفترض أن تلجأ كل الأطراف إلى البدء بحوار هادئ وملتزم مع الإدارة الذاتية، لعلمها أن لديها القدرة على انتشال سوريا من أزمتها المستفحلة والوصول بها إلى بر الأمان.




