
أعلنت “اللجنة القانونية العليا في السويداء”، يوم أول أمس، الأربعاء، عن تشكيل مجلس تنفيذي مؤقت، لإدارة الشؤون الخدمية في المحافظة، وتكليف عدد من الضباط السابقين قادة لجهاز الأمن الداخلي، لتأمين الخدمات للمواطنين، وفق بيان صادر عن اللجنة.
وحسب المعلومات التي نشرها “المجلس التنفيذي” على حساب له في موقع فيسبوك، فإن اللجنة القانونية العليا في السويداء، التي تشكلت أواخر شهر يوليو/ تموز الماضي بإعلان من الرئاسة الروحية “حكمت الهجري”، إثر الهجمات التي شُنت على المحافظة من قبل قوات وزارة الدفاع والأمن السوري، وبمشاركة من العشائر الموالية لها، وارتكبت فيها مجازر، راح ضحيتها أطفال ونساء وشيوخ كبار في السن.
وأوضح البيان أن اللجنة تتألف من أربعة قضاة مستشارين، إضافة إلى ثلاثة محامين.
كما أعلنت اللجنة في بيانها عن تكليف “ماهر غالب العنداري” بمهام أمين عام محافظة السويداء (وهو بمثابة منصب المحافظ)، كما شكلت مكتباً تنفيذياً برئاسة المهندس “وليد فضل الله القضماني” يشرف على أعمال مجالس المدن والبلديات، وكذلك شكلت قطاع الشؤون الاجتماعية والعمل والهلال الأحمر والكوارث والتعليم العالي تحت إشراف المهندسة “فاتن إبراهيم جودية”.
كما تم توزيع مهام ومسؤوليات النقل، المواصلات، الكهرباء والاتصالات، وكذلك قطاع الصحة والثقافة والرياضة، إضافة إلى الاقتصاد والتجارة والصناعة وباقي القطاعات الخدمية الأخرى.
إلا أن اللافت كان تكليف العميد “شكيب أجود نصر” قائداً لقوى الأمن الداخلي في السويداء، وكان يرأس فرع الأمن السياسي في طرطوس لدى النظام السابق، وأيضاً تكليف العميد “أنور عادل رضوان” معاوناً له، وكان يشغل منصب قائد منطقة بانياس لدى النظام البائد.
اللجنة أعلنت في بيانها أن هدفها هو “إدارة الشؤون الخدمية، وتشكيل لجان فرعية تخصصية بالإغاثة وتقصي الحقائق والانتهاكات، متابعة شؤون المفقودين والمختفين قسراً”، وكذلك “متابعة شؤون الشهداء والجرحى، وقبول التبرعات وتوزيعها على المنكوبين، الحفاظ على المؤسسات الحكومية العامة والخاصة والمصارف والمنشآت الاقتصادية، ومتابعة القضايا الصحية والإنسانية وعمل المشافي العامة والخاصة، إضافة إلى مهام إنسانية واجتماعية”.
في حين أكدت مصادر مقربة من اللجنة في مدينة السويداء أن الإدارة التي جرى الإعلان عنها ما هي إلا “إدارة مجتمعية” للخدمات ولمتابعة الشؤون الأمنية في المحافظة.
في حين نقلت مصادر من السويداء أنه لم “يأتِ أحد على ذكر الإدارة الذاتية، ولا رئيس لهذه الإدارة، أو رئيس حكومة أو وزير، وكل ما في الأمر هي لجنة مؤلفة من قضاة ومحامين تشرف على لجان فرعية خدمية. كما أن الأمر ليس انفصالاً عن الجغرافيا السورية، وما جرى أن المجتمع سيدير نفسه لناحية الخدمات والأمن”.
خطوة السويداء أثارت ردود فعل رافضة لدى الحكومة السورية المؤقتة، حيث نقلت وكالة “سانا” الرسمية السورية عن مصدر في وزارة العدل أن “القضاة المذكورين ضمن اللجنة باشروا بأعمال تخالف الواجبات المفروضة على القاضي بموجب أحكام قانون السلطة القضائية، ولا سيما المواد 78 وما يليها من قانون السلطة القضائية، التي لا تجيز للقاضي الجمع بين الوظائف القضائية وبين مهنة أخرى أو أي عمل تبعي آخر، والتي حظرت على القضاة إبداء الآراء والميول السياسية أو الاشتغال بالسياسة”.
وأضاف المصدر أنه “بما أن العمل الذي باشره هؤلاء القضاة سياسي محض، ويتعارض مع المصالح الوطنية، ويثير دعوات التفرقة والتقسيم، تمت إحالتهم إلى إدارة التفتيش للتحقيق فيما يُنسب إليهم، واتخاذ الإجراءات المناسبة”، وفقاً لما نقلته “سانا”.
إلا أن مراقبين يعتقدون أن ما أقدمت عليه السويداء يعد تمهيداً لنوع من الانفصال عن الجغرافيا السورية، وإن لم يكن انفصالاً، فإنه على الأقل سيؤدي إلى فيدرالية أو أي شكل آخر غير تابع لحكومة دمشق. وحمّل الجميع حكومة دمشق المسؤولية فيما آلت إليه الأمور في السويداء، بعد الحملة العسكرية عليها، وارتكابها انتهاكات جسيمة ترقى إلى مصاف جرائم ضد الإنسانية، والدروز لجأوا إلى هذه الخطوة كارهين غير راغبين، كنوع من حماية أنفسهم ضد الهجمات التي تتوعد بها الحكومة السورية بشنها عليهم، وكذلك لإدارة أمورهم الخدمية وفق الإمكانات المتوفرة لديهم، إضافة إلى ضبط الأمن والسلم الأهلي في كامل المحافظة.
إن تمكنت اللجنة المكلفة بإدارة المجلس تحقيق نجاحات خلال فترة قصيرة، من المرجح أن تغدو أمراً واقعاً، يثقل كاهل دمشق، وستضطر في النهاية إلى قبول شروط أهالي السويداء، والجلوس مع ممثليهم حول طاولة حوار، على غرار الحوار مع الإدارة الذاتية، ويتوقع أن تكون هناك غداً طاولتان للحوار والمفاوضات، وتحت رعاية أطراف إقليمية ودولية. وربما ينحو الساحل السوري إلى اتخاذ قرار بإنشاء إدارة خاصة به على غرار السويداء، ما يجعل أمر الجمع بين الفرقاء المختلفين في التصورات والرؤى لمستقبل سوريا صعباً إن لم يكن مستحيلاً، في ظل تعنت الحكومة المؤقتة بموقفها المعتمد على لون واحد، وتشبثها بالخارج وتعويلها عليه في تثبيت أركان حكمها الذي يتعرض لهزات عنيفة على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية، وكأنه يعيد إنتاج النظام السابق، ولكن بصورة أخرى.
فمثلما أن الحكومة المؤقتة تراهن على علاقاتها مع الخارج، وهي التي أطلقت يدها في سوريا لترتكب انتهاكات جسيمة بحق مكونات الشعب السوري، فإن تلك المكونات الدينية والعرقية، أيضاً ستشكل تحالفاتها السياسية والعسكرية، بما يحفظ لها وجودها بالدرجة الأولى، لإنقاذ نفسها من الإبادة التي تتوعد بها الحكومة السورية تحت شعارات “الشرعية وسلطة وسيادة الدولة”. ما دفع أهالي السويداء إلى اتخاذ هذا القرار كان بالدرجة الأولى لحماية أنفسهم من القتل والمجازر.
اتهام الحكومة أهالي السويداء بطلب الحماية من إسرائيل، قوبل باستهجان من قبل العديد من المراقبين، واعتبروا أنه في حين أن الحكومة تعقد الاتفاقيات مع إسرائيل، من خلال لقاءات مستمرة بينهم، وبشكل مباشر، إن كان في الإمارات العربية المتحدة، أو باكو وباريس، وبشكل مباشر في تل أبيب، حسب بعض المصادر، فإن اتهاماتها للدروز بـ”العمالة” لإسرائيل تغدو حجة ممجوجة ولا معنى لها.
لا شك أن قطع الطريق على كل هذه المهاترات والجدل السفسطائي، يمر عبر فتح الأبواب أمام الحوار الوطني، ومشاركة جميع المكونات السورية في إعداد دستور وطني وديمقراطي للبلاد، للوصول إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية يكون الكل ممثلين فيها، إلى جانب نبذ لغة التخوين وخطابات الكراهية والترويج للطائفية والمذهبية المقيتة.