مقالات رأي

معـ ـركة إسطنبول وأوراق أردوغان المـ ـعقدة

يتطلع أردوغان إلى إستعادة رئاسة بلدية إسطنبول في الإنتخابات المحلية المقررة نهاية الشهر الجاري، لا لأنها أكبر المدن التركية فحسب، بل لأن لها رمزية سياسية تتعلق بهوية تركيا، فضلاً عن أنها العاصمة التجارية والاقتصادية والاجتماعية والسياحية للبلاد. ولأجل ذلك قيل كثيراً إن من يحكم إسطنبول يحكم تركيا، ومع أن التنافس على رئاسة بلديتها يكاد يقتصر على رئيس البلدية الحالي، مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض، أكرم إمام أوغلو، ومرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم، مراد قوروم، إلا أن تعقيدات المشهد السياسي خلط حسابات أردوغان، وجعل خياراته صعبة في الفوز بهذه المعركة المصيرية، خاصة أن هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على سياسته أولاً، وثانياً على استراتيجيته المستقبلية حيث يتطلع إلى دستور جديد، يتيح له الترشح لولاية رئاسية جديدة في ظل نفاد فرص ترشحه للانتحابات الرئاسية وفق الدستور الحالي، وعليه فُهم حديثه يوم الجمعة الماضي عن مغادرته السلطة نهاية ولايته بأنه ليس سوى حديث انتخابي لكسب التعاطف لصالح مرشحه قوروم. أكثر ما أثار فرحة أردوغان عشية هذه الانتخابات، هو تفكك تحالف الطاولة السداسية المعارض، ومن ثم الحديث عن ترشح السياسية الكردية باشاك ديميرطاش لرئاسة بلدية إسطنبول، لكن سرعان ما تحولت هذه الفرحة إلى ما يشبه الخيبة، إذ إن تراجع باشاك عن السباق الانتخابي زاد من تعقيدات المشهد بعد أن أعتقد أردوغان أن ترشحها سيكون بمثابة هزيمة مسبقة لإمام أوغلو في ظل الوزن الانتخابي للكرد في انتخابات إسطنبول والذي يقدر بنحو 17 بالمئة من سكان المدينة كما تقول التقارير، حيث كان الصوت الكردي السبب الأساسي في فوز إمام أوغلو في الانتخابات السابقة عام 2019 وهزيمة بن علي يلدريم مرشح أردوغان في هذه الانتخابات. جاءت الضربة الثانية من فاتح أربكان زعيم حزب الرفاه الجديد، عندما أعلن انسحابه من تحالف أردوغان، معلناً خوض هذه الانتخابات بقائمة مستقلة، فيما أكثر ما يثير قلق أردوغان هو خشيته من تحالف غير معلن بين حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب (DEM) وحزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، ولعل ما يؤكد هذا القلق هو إطلاق الصحافة التركية الواقعة تحت سيطرة نظام أردوغان مصطلح “تحالف قنديل” في إشارة إلى التحالف بين الحزبين، وهي حملة مدروسة، هدفها إبعاد الأصوات القومية عن التصويت لإمام أوغلو، ومحاولة ضرب حملته الإنتخابية عبر وسمها بالإرهاب، من بوابة التركيز على بلدية إسنيورت التي رشح فيها حزب الشعب الجمهوري مرشح مؤيد للمطالب الكردية، وحل القضية الكردية بالطرق السلمية. تعقيدات المشهد الانتخابي، دفعت بأردوغان إلى إشهار كل أوراقه، إذ على وقع خشيته من فوز إمام أوغلو مجدداً ببلدية إسطنبول، عاد إلى إسطوانة التلويح بتنفيذ عملية عسكرية جديدة في شمال شرق سوريا وإقليم كردستان العراق، بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني ومنع إقامة ما يسميه بـ “الممر الإرهابي”، بل وصل الأمر به إلى تهديد الدول المعنية بشرقي الفرات، أي الولايات المتحدة وروسيا، والتعهد مجدداً بإقامة منطقة أمنية بعمق 30 – 40 كم داخل الأراضي السورية، وكان هذا الملف من أهم الملفات التي بحثها وزير خارجيته، هاكان فيدان، مع نظيره الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال زيارته واشنطن، في ظل عودة المناخ الإيجابي إلى العلاقات التركية – الأميركية بعد موافقة أنقرة على ضم السويد إلى عضوية حلف الناتو، وموافقة الكونغرس على بيع تركيا مقاتلات إف – 16، ولعل أكثر ما يدفع أردوغان إلى التلويح بالتصعيد هو قناعته بأن القضايا التي تشغل الحملات الانتخابية، لاسيما التضخم الكبير، الأزمة المعيشية، إنهيار قيمة الليرة أمام الدولار، اللاجئون السوريون، وأزمة حرب غزة، وهذه المسائل جميعها ليست في صالح مرشحه قوروم، خاصة أن تصريحات الأخير بشأن غزة عندما قال “سيفرح المظلومون في غزة إذا جئنا إلى السلطة في 31 آذار” تحولت إلى فضيحة سياسية له، وكشفت عن حقيقة المتاجرة التركية بالقضية الفلسطينية، واستغلال معاناة أهل غزة في هذه الانتخابات، لاسيما أن أرقام التعامل التجاري بين تركيا وإسرائيل زادت خلال حرب غزة، وهو ما استثمره المعارضون لحكم أردوغان، وصل إلى حد الذهاب للقول إن أردوغان يستغل “الإبادة في غزة أداة للسياسة في هذه الانتخابات” وهو ما ساهم في اهتزاز صورة قوروم أمام الناخبين، حيث بدا رجلاً هشاً يفتقر إلى الحنكة السياسية، ولعل هذا ما دفع برئيس حزب الديمقراطية والتقدم، علي باباجان، إلى مخاطبته ومن خلفه أردوغان بالقول “إذا لا تستطيع مساعدة غزة، فعلى الأقل أعرف كيف تصمت”، واصفاً تصريحاته بالمخجلة. بين تلويح أردوغان القيام بعملية عسكرية جديدة في شمال شرقي سوريا لحشد التعبئة الشعبية في الداخل خلف مرشحه، وحقيقة إدراكه أن أصوات الكرد هي بوصلة الفوز في معركة إسطنبول، يحرص إلى جانب تحالفه مع حزب هدى بار الإسلامي “الكردي” على فتح قنوات التواصل مع الشخصيات الكردية السياسية والثقافية الوازنه والمؤثرة في المشهد الكردي الإسطنبولي على شكل اللعب على كل الحبال، وهي لعبة يريد منها تشتيت أصوات كتلة حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب (الموالي للكرد)، وعدم ذهاب أصوات الكرد إلى إمام أوغلو الذي يدرك هو الأخر أن هذه الأصوات هي سبب فوزه في الانتخابات السابقة، وأن فوزه مجدداً سيكون بفضل هذه الأصوات، مع أن خسارته في هذه الانتخابات ليست مشكلة الكرد، لطالما يحجم حزبه عن تقديم ورقة حل سياسي للقضية الكردية في تركيا، حل يكون مدخلاً للتغيير والديمقراطية في البلاد.

خورشيد دلي/نورث برس

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى