أخبارتقارير

“المركزي” يرفع سعر الدولار لأكثر من 3000.. ما غرض حكومة دمشق من ذلك؟

في ظل التدهور الاقتصادي الذي يعاني منه البلاد، زاد “مصرف سورية المركزي” التابع لحكومة دمشق معاناة السوريين عبر رفع سعر صرف الدولار الأميركي إلى 3015 ليرة، في خطوة عدها خبراء اقتصاديون دليلاً على تواطؤ الحكومة مع التجار والمتمولين بسحب ما في جيوب المواطن عبر رفع الأسعار وزيادة الضرائب، ودليل على فشلها في تقديم الحلول الاقتصادية والسياسية للبلاد.

رفع “مصرف سورية المركزي” التابع لحكومة دمشق، في نشرة رسمية، الإثنين 19 أيلول، سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة السورية إلى 3015 ليرة للدولار بعد أن كان 2800، كما رفع سعر صرف دولار تسليم الحوالات الخارجية من 2800 إلى 3000 ليرة، في تعديل هو الثاني من نوعه خلال هذا العام.

كما طال الرفع أيضاً النشرة المخصصة لدفع البدل العسكري، إذ حدد سعر صرف الدولار فيها بـ 2800 ليرة سورية، بدلًا من 2525 ليرة.

وأثار هذا القرار استهجاناً واستياءً شعبياً، لاسيما وأنه جاء بالتزامن مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء وتجاوزه حاجز الـ 4500 ل.س، وسط غلاء فاحش في أسعار السلع والمواد الغذائية.

واعتبر الدكتور في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق أيمن ديوب نقلاً عن صحيفة “الوطن” التابعة لحكومة دمشق أن “تحريك المصرف المركزي لسعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية ببطء لمصلحة الاقتراب نحو سعر السوق الموازية هو قرار صحيح ويخدم خفض الهوة والهامش بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازية وبالتالي هو جزء من الوصول لسعر صرف واحد والتخلص من تعدد أسعار الصرف في السوق المحلية الذي يربك العملية الاقتصادية في البلد”، بحسب ديوب.

“المصرف المركزي” تحول إلى تاجر

وشكك اقتصاديون سوريون في جدوى رفع مصرف سورية المركزي سعر الدولار مقابل الليرة بحجة “اقتراب السعر الرسمي من سعر السوق”، إذ يرون أن هذا الإجراء سيحقق فوائد للمصرف المركزي باعتباره “أصبح تاجراً بدلاً من أن يكون راسماً للسياسات النقدية في البلاد”، ودعموا رأيهم باستمرار تعدد أسعار الصرف وانعكاس خطوة “المركزي” الأخيرة على أسعار المستوردات والسلع بالسوق السورية، الأمر الذي سيزيد من أزمة التضخم وارتفاع الأسعار، وبالتالي زيادة تكاليف معيشة السوريين الذين يتقاضون أجورهم بالليرة.

من جهته، أعتبر “أمين سر جمعية حماية المستهلك” التابعة لحكومة دمشق، عبد الرزاق حبزه، أن “إجراء المركزي في تعديل سعر الصرف لم يكن في محله نظراً للظروف العامة وتدهور القدرة الشرائية لدى المستهلكين وعدم تحمل المستهلك أي قفزات جديدة في الأسعار خاصة أن الكثير من الباعة والتجار جاهزون لاستغلال مثل هذا الإجراء ويعتبرونه شماعة لرفع أسعار سلعهم في السوق وتحقيق أرباح إضافية سيما وأن الكثير من الباعة بات يسيطر عليهم الطمع وشعارهم في تحقيق أرباح إضافية (هل من مزيد) دون النظر لقدرة المستهلك وحاله المتدهور معاشياً”.

الأسعار تحلق والاستقالات من مؤسسات الحكومة تتحول إلى ظاهرة!

ورغم الوعود التي أطلقتها الجهات المعنية في حكومة دمشق بشأن ضبط أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية، بعد قرار رفع سعر صرف الدولار، إلا أن ذلك انعكس سلباً على الأسواق السورية، حيث شهدت الأسعار ارتفاعاً ملحوظاً تراوح بين 300-500 ليرة لأغلب السلع كالألبان والأجبان والمواد الغذائية المعلّبة في مؤشر على فشل الحكومة في ضبط السوق وأدواته.

وتحتاج العائلة المؤلفة من أربعة أفراد إلى ما يصل إلى 400 دولار لتأمين مستلزمات المعيشة الأساسية، في الوقت الذي يتراوح فيه رواتب العاملين في مؤسسات حكومة دمشق بين 60 ألف و150 ألف ل.س، أي ما يعادل 13 – 45 دولاراً أميركياً، وغالباً ما يتم اللجوء إلى عمل ثانٍ لسد الفجوة الهائلة بين الدخل والإنفاق، فيما تحول طلب التقاعد المبكر من الوظائف في المؤسسات التابعة لحكومة دمشق إلى ظاهرة، بعد أن أصبح راتب العامل فيها بالكاد يغطي أجور التنقل إلى مكان العمل، ليبلغ عدد العمال المتقدمين بطلبات استقالة من مناصبهم في اللاذقية وحدها منذ بداية العام وحتى شهر أيلول/ سبتمبر الجاري 516 عاملاً، بحسب رئيس اتحاد عمال اللاذقية، منعم عثمان.

“تعدد الأسعار”.. السياسة القديمة الجديدة

تستمر حكومة دمشق بوضع تقييمات وتبريرات غير منطقية لواقع السوريين وأزماتهم، عبر تأكيدها على أن قرار رفع سعر الصرف لن يؤثر على أسعار السلع في السوق بحجة أن “معدل التغير في سعر الصرف بسيط وهناك العديد من البرامج التي تنفذها الحكومة في التخفيف من أثر ذلك على السوق”.

وفي هذا السياق، بيّن الأستاذ في الاقتصاد وعميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة العربية الدولية (AIU) سابقاً، الدكتور مهيب صالحة، أن حكومة دمشق تتبع سياسية “تعدد أسعار الصرف” في تعاملها مع الأزمات الاقتصادية، قائلاً لوكالتنا في هذا الصدد: “سياسة تعدد أسعار الصرف في الأزمات الاقتصادية الخانقة سياسة قديمة جديدة اتبعها النظام السوري أكثر من مرة، في ثمانينيات القرن الماضي والآن لأنها تعطيه مساحة واسعة للتحرك ومرونة كافية للفوز بفروقات الأسعار على حساب الأفراد والمؤسسات، على حساب المدخرين والمتمولين والمستثمرين، وعلى حساب الجميع كمستهلكين”.

وأضاف صالحة: “لقد تمكن البنك المركزي في المرتين من تأمين احتياطي له بالعملات الأجنبية بواسطة شفط الفروقات السعرية بين مستويات سعر صرف الليرة المختلفة، تتراوح بين السعر الرسمي والسعر الرائج وأسعار إدارية ليس لها أساس اقتصادي كالسعر السياحي وسعر البدلات وسعر العلاج في الخارج والسعر الموازي.. علاوة عن استخدام وسائل قسرية أو قهرية من قبيل منع التداول بالعملات الأجنبية وتحديد سقوف الحوالات الداخلية وحساب الحوالات الخارجية بسعر صرف يقل كثيراً عن سعر سوق الصرف وأخذ عمولات كبيرة عن العمليات المصرفية الداخلية والخارجية”.

التحكم بسوق الصرف

وعن هدف “مصرف سورية المركزي” من رفع سعر الصرف مقابل الليرة ولمرتين خلال عام، يقول صالحة: “الغرض دائماً من هذه السياسة هو مزيد من التحكم بسوق الصرف ومزيد من التحكم بسوق السلع والخدمات لأن كل زيادة في أي مستوى من أسعار الصرف سيتخذها السوق حجة لرفع أسعار السلع والخدمات بغض النظر عن تأثيرها المباشر أو غير المباشر على أسعار السلع”.

ويتابع موضحاً: “فمثلاً سعر الصرف الرسمي أو سعر المركزي إذا ارتفع كما حدث الآن فإنه سيؤثر على أسعار السلع المستوردة المحسوبة على أساسه كالدواء وبعض مستلزمات الإنتاج ولكن الذي يحصل دوماً هو ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات مما ينعكس سلباً على القوة الشرائية لليرة وبالتالي تدني المستوى المعيشي لغالبية السكان الذين صار عددهم أكثر من ٩٠٪ منهم تحت خط الفقر وأكثر من ٧٥٪ منهم أيضاً تحت خط الجوع والعوز الغذائي”.

السياسة النقدية السورية.. من تثبيت سعر الصرف إلى تعويمها

“خلال السنوات الماضية وخاصة منذ تموز ٢٠١٩ تغيرت السياسة النقدية في سوريا من سياسة التدخل لتثبيت سعر الصرف إلى سياسة تعويم الليرة السورية وانعكس هذا التغيير على تدهور منتظم ومدروس لصرف الليرة مقابل العملات الأجنبية من مستوى الأربعمائة إلى مستوى الأربعة آلاف أي انخفضت قيمة الليرة عشرة أضعاف وبالمقابل زادت أسعار السلع والخدمات أكثر من عشرة أضعاف عن نفس الفترة والسبب يعود لتخوف التجار من تدهور الليرة وحساب أرباحهم على أساس سعر صرف أعلى من سعر السوق الرائج”، بحسب ما يوضحه صالحة.

ويرى أستاذ الاقتصاد الدكتور، مهيب صالحة، أنه في ظل غياب أي تصرف من الحكومة لضبط السوق عبر سياسات اقتصادية مالية ونقدية واضحة وشفافة تواطأت الحكومة مع التجار والمتمولين بشفط ما بجيوب المواطنين برفع الأسعار وزيادة الضرائب والرسوم وشفط فروقات أسعار الصرف المتعددة والوسائل القهرية مثل تصريف مائة دولار لكل سوري عائد إلى بلده بسعر البنك وهذا ما انعكس سلباً على تقييمات الحكومة لأوضاع السوريين الاقتصادية والمعيشية.

وختم صالحة بالقول: “بالرغم من أن الجميع يتحدث عن الفروقات الكبيرة بين معدل الأجور ومعدل التضخم لكن الحكومة لم تبادر لمعالجة الاوضاع الاقتصادية والمعيشية وتقليل الفارق لين الأسعار والأجور ولجأت في الأعم الأغلب لإجراءات بسيطة لا تغني ولا تسمن من جوع، كتقديم منح للموظفين المدنيين والعسكريين لمرة واحدة في مناسبات معينة، وإن دل هذا على شيء فهو يدل على عجز الحكومة عن تقديم الحلول الاقتصادية والسياسية التي تخرج الوضع السوري من عنق الزجاجة قبل أن يختنق ويتعفن في داخلها”.

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى