مقالات رأي

ماذا يحتاج الشعب الكوردي لينتصر



من شبه المستحيل، أن ننقذ مجتمعنا، ونوقف النزيف المروع لثروات منطقتنا، المنوهة إليها سابقا، وأن نزيل الأوبئة الثقافية، والحزبية-السياسية، وأن نخطو بنجاح وإيجابية لتحرير كوردستان، الوطن الذي نطمح إليه جميعنا، ونحقق السلام والعدالة الاجتماعية مع المكونات السورية.
دون إعادة تركيبة حراكنا، وأساليب تعامل أطرافه داخليا وخارجيا، ودون أن نبلغ درجة من التقارب والتآلف الداخلي، ودون تغيير الذهنية التي نحن عليه من العناد والسذاجة، وإلغاء الأخر تحت مبررات متنوعة. فطرق حل الإشكاليات الداخلية ومع الخارج بالطرق السائدة، وما نحن عليه حاليا، نرسل بقضيتنا إلى الدمار، وربما الضياع.
أمامنا تجربة عفرين، وسري كانيه وكري سبي، والباب وجرابلس، وقد يكون القادم منطقة الجزيرة بمدنها، أخطاؤنا أسبابها من الداخل قبل أن تكون دولية، ولا يستثنى أي طرف، حتى ولو كانت قوى الإدارة الذاتية الأكثر مذنبة، لكن القوى الأخرى لا تبرأ. وهي ذاتها ما حصلت لكركوك، وشنكال، والمناطق الأخرى، بعدما كانت جزء من الإقليم الكوردستاني الفيدرالي. أثبتنا ولا زلنا أننا أمة على خلاف، لا تنقصنا الوطنية، ولا العزم، بل الوعي والإدراك في طرق حل إشكالياتنا الداخلية.
لا بد للقوى الكوردية من التفاهم والتكاتف على بعض نقاط التقاطع، لتملك إمكانيات إقناع الدول الكبرى بقضيتها، ومثلها في البعد الوطني تستطيع مع مكونات سوريا، من المعارضة أو غيرها، إقامة نظام ديمقراطي في سوريا؛ يكفل للجميع حقوقهم القومية والدينية، إذا رغبت القوى السورية المتصارعة إنقاذ الوطن الافتراضي من شبح التقسيم الجاري، ومن تشكيل الدويلات من المناطق المنفصلة عن بعضها حاليا، المحتلة تركيا، أو التي تحت السيادة الإيرانية.
وعليه يجب إحياء شعار إسقاط النظام، ومعها المعارضة الفاسدة والتكفيرية، وإقناع القوى الوطنية للعمل معا من أجل صياغة دستور يتلاءم والعصر، وهو ما أقدمنا عليه نحن مجموعة من الحراك الثقافي الكوردي، بتقديم عدة بنود عامة، كنا قد عرضناهم كمقترح للجان المجتمعة في جنيف، وممثل هيئة الأمم المتحدة (غير بيدرسون) والمنظمات الدولية المعنية بالأمر، بعدما وقع عليه المئات من الشخصيات والمنظمات الكوردية والوطنية، وتم عرضه بـ 13 نقطة، لخصناها فيما بعد بخمس بنود رئيسية، نشرت على بعض الصفحات والمواقع الثقافية، لا بد وأن تبنى عليهم النص الرسمي للدستور، فيما إذا أرادت القوى السياسية ومكونات سوريا القومية والمذهبية الحفاظ على سوريا موحدة، ووطن ديمقراطي، ويبعد عنها شبح القوى المتربصة، وإنقاذها من شبح التقسيم، أو الاحتلال، ويظل شعبها متحكما بمقدراتها السياسية والإدارية والاقتصادية، والتالي هي البنود المقترحة:
1- اسم الدولة: – الجمهورية السورية (الفيدرالية) الاتحادية.
أ- دولة ديمقراطية لا مركزية، تتكون من القوميتين العربية والكوردية، إلى جانب أقليات أخرى، وديانات وثقافات متنوعة.
ب- الدستور يكفل الحقوق القومية والحريات الدينية والعقائدية لكافة المكونات على قدم المساواة.
ت- إقليم كردستان الفيدرالية، وحدة جغرافية إلى جانب عدة فيدراليات، ضمن حدود الدولة السورية اللامركزية الفيدرالية، ويتم تحديد الجغرافية الكوردستانية وغيرها من الفيدراليات عن طريق لجان مختصة وضمن مهلة زمنية محددة وتحت إشراف دولي.
2- اللغة العربية هي اللغة الرسمية في الدولة.
3- اللغة الكردية لغة رسمية ثانية إلى جانب اللغة العربية في جميع دوائر الدولة، وتعتبر اللغة الرئيسية في إقليم كردستان الفيدرالية.
4- – جميع العلاقات بين المركز والأقاليم يتم تنظيمها بالتوافق، تراعي فيها مصالح الطرفين دون فرض أو إكراه.
5- – تحدد حصة إقليم كردستان الفيدرالي، والفيدراليات الأخرى ضمن الوطن، في جميع مرافق وسلطات المركز حسب النسبة السكانية.
دونها ستستمر سوريا على المنهجية العنصرية التي سادت طوال العقود الماضية، وستظل تحت سلطات وأنظمة استبدادية، يعيشون على الصراعات الداخلية، وبالتالي لن ترى الشعوب السورية أي استقرار وديمقراطية وتطور حضاري لوطنهم، ومآلها التقسيم.
ما العمل على مستوى كوردستان:
فيما إذا درسنا حاضرنا بعمق ودراية، فعلى الأغلب سنرى قادمنا بوضوح، والذي هو نسخة عن ماضينا الغارق في الخلافات الداخلية، والمؤدي إلى ترسيخ مركب النقص في مجتمعنا، والتعمق في الثارات من البعض. عندما يتقدمنا نزعة تقزيم الأخر، فمن شبه المستحيل أن نرى وطنا حراً، وسيظل المتربصون بنا يتحكمون بقدراتنا، وسنستمر في العيش كموالي راضخين لإملاءات القوى الإقليمية.
لم تحيدنا عن غايتنا سيطرة الإمبراطوريات الخارجية، أو الأنظمة التي حاولت تغييب تاريخ أمتنا الكوردية، أو تحريفها، وحافظنا على: الاعتزاز بماضينا النقي، دون التشوهات الناتجة عن خباثة الأعداء أو جهالة البعض منا. ولم نتخلى عن قيمنا الإنسانية، وثقافتنا النبيلة، لكننا مقابل كل هذا أصرينا على ديمومة شرخ الخلافات، والثأر من الأخر، بعدما نقلنا المبرر من منطق العائلة والعشيرة إلى الحزب، والكتل السياسية.
الموبقات تنبثق هنا وهناك وبشكل مستمر، والبيئة لا تزال أكثر من ملائمة، وما أخصب تربة المبررات. أضعفنا بعضنا إلى أن بدأنا نشك في قدراتنا، ونساهم في ترويج أحاديث عن شبه ضياع لكوردستانية المنطقة، أو تحولها إلى ما يشبه كوردستان الحمراء، سيبحث عنها الأجيال القادمة من المصادر، إن كانت على خلفية العمل على المنهجية الأممية، والتي يتم فيها إقصاء الكورد، قضية، والتي كانت من أول نتائجها الكارثية تدمير الديمغرافية الكوردية. أو الاكتفاء بحقوق المواطنة كمشروع وطني يتم فيه تغييب المشروع القومي عمليا، والتماهي مع القوى العروبية المتصارعة على السلطة، تحت منطقة المعارضة، أو الحصول على الشرعية الدولية من خلال منظمات مطعونة في وطنيتها ومصداقيتها، كمنظمة الائتلاف الوطني السوري، والتي تعارضها روسيا ولا تدعمها أمريكا وأوروبا، وتخلت عنها السعودية، وبقيت في أحضان تركيا وقطر كأداة لإضفاء الشرعية على احتلالهم لأجزاء من سوريا، وبالتالي في الطرف الكوردي المشارك معهم ليس إما بأمر من قيادات تحصل على مصالح ذاتية، أو راضخة للأجندات التركية.
يجب معالجة الأوبئة، ومن بينها، الحزبية والسياسية، المدعومة بسذاجة بلغت حد الاعتقاد على أنها مورثة كوردية، انتقلت من حقول العائلة والعشيرة…
يتبع…

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
21/3/2022م

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى