مقالات رأي

« ماذا لو فعلها الرئيس التركي ونفذَّ وصيّة بوتين ؟ »

  • عبدالوهاب احمد
    يعتبر ملف حزب العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي والإدارة المرتبطة بهم في سوريا من أهم مرتكزات الوحدة الوطنية في تركيا على المستويين السياسي والشعبي ، وسيبقى هذا الملف بالإضافة إلى ملفي إعادة اللاجئين السوريين ، والعلاقة مع نظام بشار الأسد من أولويات التنافس والصراع التركي ، سواءً من قبل حزب العدالة ورئيسه أردوغان ، أو من قبل المعارضة( تحالف الأحزاب الستة) التي بدأت تستثمر جيداً في المزاج والرأي العام التركي غير الموالي لسياسات حزب العدالة قبل بلوغ الانتخابات البرلمانية والرئاسية المرتقبة في حزيران ٢٠٢٣ .
    أصبحت الساحة السورية بعد إنطلاقة ثورة شعبها بوصلة لرسم السياسات التركية وبناء تحالفاتها مع القوى الإقليمية والدولية ، وباتت تشكل الميزان الذي تقيس بها تركيا حكومةً ومعارضة حساباتهما الخارجية و الداخلية . ولأن تركيا حققت في ظل حكومة العدالة والتنمية نمواً اقتصادياً واستقراراً سياسياً مستداماً، وتشظياً في علاقاتها الدبلوماسية والاستخباراتية خاصة في العقد الأخير من حكمها ، فإن المدة الزمنية التي تفصلها عن الانتخابات القادمة فرصة جيدة لهذا الحزب ورئيسه أردوغان للاستثمار في أوراقه الدولية و محيطه الحيوي خدمة لمصالحه الحزبية الداخلية ، لا سيما وأن وتيرة الصراعات والتناقضات الدولية والإقليمية بعد الأزمة الروسية- الأوكرانية ما زالت في تصاعد مستمر ، إلى جانب الاستثمار في الذاكرة الشعبية للشارع التركي، بأن تركيا من دون ” العدالة والتنمية” والرئيس أردوغان بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة ربما يعني العودة بها إلى ماقبل ٢٠٠٣ ، أي دولة الانقلابات ، أو الحكومات الفصلية ، والأزمات الداخلية .
    في الطرف الآخر ، تقرأ روسيا جيداً المشهد السياسي الداخلي التركي ورغبة رئيسها في تقويض فرص نجاح معارضيه قبل خوض الانتخابات ، وتدرك موسكو هذه البراغماتية الاردوغانية في التعاطي مع جميع الملفات الإقليمية والدولية الشائكة كملفات للتفاوض والمقايضة لحساباته الخاصة ، وتفهم مدى أهمية إفشال مشروع حزب العمال الكردستاني أو الاتحاد الديمقراطي و تفتيت إدارتهم في سوريا قبل الانتخابات القادمة بالنسبة للرئيس أردوغان، لذا فإن « وصيّة » الرئيس بوتين الأخيرة لنظيره التركي وحثّه على « إعادة العلاقة مع بشار الأسد » ، قد تبدوا محاولة لملامسة الحاجة التركية الداخلية ، وتحقيق للاستراتيجية الروسية في سوريا في الآن معاً. ولطالما لا توجد أي بوادر لتغيير سياسة الإدارة الأمريكية في سوريا قبل انتهاء ولاية الرئيس بايدن ، فإن الإعتراض على عملية عسكرية تركية واسعة النطاق شرق الفرات وغربها لحسم ملف العمال الكردستاني وإدارته في سوريا سيبقى مستمراً من أجل دفع تركيا للانتقال من ” الدبلوماسية الاستخباراتية” إلى الدبلوماسية السياسية مع دمشق ،والذي أن تحققت في ظل هذا الصمت الأمريكي « المشكوك » تجاه الأحداث الأخيرة في منطقة نفوذه ، ستتحقق للرئيس التركي ما يريد ، وتضع في صندوق حزب العدالة والتنمية مزيداً من الأصوات ، وتقرب موسكو أكثر نحو تحقق أهدافها . وعليه ، فإن إعادة العلاقة بين تركيا و نظام الأسد تفتح آفاقاً لحل جملة ملفات ، وقد تحدث تغيير في مسار الأزمة السورية ومنها :
    أولا، تعزيز موقع النظام السوري سياسياً من خلال إعادة الإعتراف الرسمي به من قبل أهم دولة إقليمية مثل تركيا ، والتي تملك ورقة المعارضة السورية المسلحة، والائتلاف ، والجماعات الإسلامية الجهادية، وملف الإخوان المسلمين، وتتحكم عسكرياً بمساحات واسعة من الشمال السوري خارج سيطرة النظام .
    ثانياً، الضغط على حزب الإتحاد الديموقراطي وقسد للارتماء في حضن النظام دون شروط مسبقة، أو القبول بالحد الأدنى من ” المكرمات ” التي قد يتصدق عليهم النظام لحمايتهم من تركيا من خلال تفعيل اتفاقية اضنا ودخولها حيز التنفيذ الفعلي .
    ثالثاً، التخفيف من النفوذ الإيراني وتواجده في المنطقة بعد إعادة سيطرة النظام السوري على كامل الشريط الحدودي مع تركيا وفي ذلك مصلحة إسرائيلية- أمريكية
    رابعاً، ابتزاز أوروبا مجدداً باللاجئين السوريين بعد أن تعمل تركيا على إجبارهم إما
    للعودة إلى الداخل السوري حيث النظام ، أو التوجه نحو أوروبا .
    خامساً، إفشال العملية السياسية عبر اجهاض القرار الدولي ٢٢٥٤ ، ووقف عملية التفاوض، وكتابة الدستور ، واغلاق ملف المعابر والمساعدات الإنسانية بعد أن يصار إلى دمج بعض الشخصيات أو الكيانات السياسية المعارضة في حكومة « الوحدة الوطنية » بضغط روسي على النظام و توافق مع تركيا .
    سادساً، جعل ورقة قوات سوريا الديمقراطية ( قسد) مهملة في التوازنات الداخلية السورية والدولية بعد أن يصار إلى تسوية وضعها ضمن أي إتفاق مع النظام .
    سابعاً، دفع الإدارة الأمريكية للتفكير بسحب قواتها من سوريا بعد ضرب تحالفها مع قسد ، وتنفيذ اتفاقية اضنا بالتنسيق مع النظام السوري وتركيا ، ثم العمل وفق منهج « المصالحات الوطنية » ، ثم إجراء انتخابات برلمانية على كامل الجغرافية السورية يضمن مشاركة بعض قوى المعارضة ، ومنحهم بعض الوزارات والمؤسسات ضمن عملية تغيير شكلية للنظام .
    لا يبدو خيار جنوح تركيا نحو إعادة العلاقة مع الاسد أمرا يسيراً في ظل وجود جماعات إسلامية راديكالية على حدودها مثل جبهة النصرة وغيرها ، أو رد فعل أمريكي غير متوقع في اللحظات الأخيرة، إلا أنه ليس مستحيلاً لطالما ينهي ملف حزب العمال الكردستاني وادارته الذاتية في سوريا قبل بلوغ الانتخابات القادمة في حزيران ٢٠٢٣ .
  • ADARPRESS #
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى