مقالات رأي

عن الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا

هيفيدار خالد

الإنسانُ بطبعه عنصرٌ اجتماعيٌّ، ولا يستطيعُ العيشَ منعزلاً عن الآخرين، فقد سمعنا عن تلكَ العبارةِ وقرأنا الكثيرَ عنها في المناهج الدراسية. نعم، الإنسانُ عنصرٌ اجتماعيٌّ لا يستطيع البقاءَ وحيداً، فهو بحاجةٍ – دائماً – إلى مَن يستند إليه أو يقضي أوقاتاً جميلةً معه أو يقصّ عليه أموراً تجبر خاطره. إنه دائماً يبحثُ عمَّن يسمع له أو يقرأ ما يكتبه أو حتى يتواصل معه؛ ليشعرَهُ أنه ليسَ وحيداً.

كان التواصلُ مع الآخرين والتعامل معهم ومشاركتهم في كل شيء، سواءٌ أكان في الأسرة أو العائلة أو المجتمع في فترة من الفترات؛ من أهم مقتنيات الحياة ومُقدَّساتها، بل كان مبدأً من مبادئ الإنسان والفرد الواحد، فالصداقة والروح الرفاقية كانت من أسمى متطلبات الحياة. ففي القديم كانت المنازل هي أكثرُ الأماكن التي تجمع الأقاربَ والأصدقاءَ، فتعزز لديهم الروابطَ الاجتماعية والأسرية. إلَّا أننا اليومَ نستفقد تلك الجلسات والمظاهر الجميلة التي كانت تبعث فينا روحَ الإنسان وروح الحياة.

إلا أنه مع مرور الوقت ومرور الإنسان بمراحل عديدة عبر التاريخ وبشكلٍ خاصٍّ بعد تطوّر التكنولوجيا والعلوم، وانخراطِ الأفراد في فلك العالم المفترض، تحت مُسمَّى التطور والعلم الحديث، ابتعدَ ذلك الإنسانُ عن ذاته الخيّرة وترسخَ لدى الأجيال الجديدة نوعٌ من الأنانية وحب الذات في التواصل مع مَن هم حولَه.

وبالطبع أدى دخولُ وانغماسُ أولئك الأفراد في عالم التكنولوجيا واستخدامهم لها بشكل خاطئ إلى خَلق جيلٍ مُختلفٍ تماماً عن الأجيال السابقة، فالانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي جعل من الفرد قَالباً من الجليد لا يشعر بآلامِ المحطين فيه، ولا يتقاسم أفراحَهم ولا أحزانَهم، ولا يستطيع حتى التواصُل معهم.

التكنولوجيا التي سُمِّيتْ بالحديثة، مثل: الهواتف الذكية والتطبيقات الكثيرة لها، أنتجتْ من رحمها جيلاً منعزلاً عاكفاً على نفسه، يوجد في المجتمع جسداً، ولكنَّه لا يعيشه روحاً وحضوراً.

نعم، باتتِ الأنانيةُ وحبُّ الذات تطغى على الأشخاص من حولنا، هؤلاءِ الأشخاصُ يشعرون وكأنهم مركزُ الكون ولا يولون أهميَّةً للروابط الاجتماعية التي كانت يوماً ما إحدى السمات الأساسية في حياة الجماعة.

ثم كان للانتشارِ الواسع لمنصات التواصل الاجتماعي وتعامل الأفراد معها طيلةَ أربعٍ وعشرين ساعة الأثرُ الكبيرُ في تفكّك وتشتّت الأسرة معها. وافتقدتْ تلك الأسرة بمفهومها الكبير علاقاتِ المحبة والصداقة الحميمة التي كانت تربط فيما بينهم، فخسرت بذلك كثيراً من الخِصال التي كان المجتمع الإنساني يتَّسمُ بها.

 نعم، لقد فكّكَ الاندماجُ مع عالم التكنولوجيا الحديثة وتطبيقاته وشبكات الأنترنيت الكثيرة أواصرَ الارتباط الأخلاقي والثقافي في الأسرة والمجتمع، وأصبحَ الفردُ مُجرَّداً من كُلِّ شيءٍ حتى من العواطف. إنسانُ هذا العصر أصبحَ إنساناً افتراضيَّاً، وكأنه لا يعيشُ في هذا الكون، بل يعيش في كوكبٍ آخرَ، كأنْ لا حول له ولا قوة.

فننسى أنَّ كُلَّ فردٍ في هذا المجتمع يستطيعُ أن يلعبَ دوراً فعَّالًا فيه، لأنَّ الكلَّ صاحبُ أفكارٍ ومعتقداتٍ وصاحبُ قِيَمٍ إنسانيَّةٍ وطاقةٍ إيجابية باستطاعتِه لَعِبُ دورِه على أكمل وجهٍ، وتحمُّلُ المسؤوليَّةِ في هذا الخصوص. وعليه كإنسانٍ الابتعادُ عن الإفراط الزائد في استخدام التكنولوجيا، بل عليه أن يستخدمَها في مجال تطوير المهارات الشخصية والمجتمعية.

آداربرس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى