أخبار

رغم تنازلات حكومة الشرع لم تحصد هي وحليفها التركي من البيدر الأمريكي غير الهواء

كمال حسين
في الوقت الذي ما انفك فيه مجلس سوريا الديمقراطية يكرر في بياناته صباح مساء حرصه الشديد على وحدة الأراضي السورية؛ وهو من وضع شارته الرئيسية منذ انطلاقته، خريطة سوريا الكاملة بما فيها الجولان ولواء أسكندرون بمثابة علم يرمز إلى أهدافه النضالية، هذا الجسم الذي خرج من معطف الثورة السورية التي انطلقت في العام 2011 كمولود موضوعي حمل همومها، وكان حاضراً في كل إرهاصاتها التي سبقت تفجرها، كما قد وضع في برنامجه القواعد الأساسية التي يجب أن تبنى عليها الدولة التي يجب أن تسوس الشعوب الواقعة تحت سلطتها، دولة تمثل جميع المكونات والأعراق والأديان والثقافات، الدولة الديمقراطية المدنية العلمانية واللامركزية.
وفي الوقت ذاته، وطوال فترة الصراع المحتدم بين قوى الثورة بتشعباتها المختلفة مع نظام الاستبداد والفساد والشمول؛ لم تنفك أيضاً قوى الإسلام السياسي الجهادية المتطرفة عن المزايدة في الوطنية وتوزيع الاتهامات بالخيانة والتفريط بالأراضي السورية يميناً ويساراً، ولأنها من جهة كانت تقتات بخلق الشعبية عبر اتهام نظام الأسد ببيع الجولان، والتعامل سراً مع إسرائيل، ومن جهة أخرى تكيل الاتهام لمجلس سوريا الديمقراطية بالعمالة لأمريكا وإسرائيل، والتحضر للانفصال عن الدولة السورية الأم.
في هذا المناخ بالضبط، والذي تتعارض فيه أقوال الإسلاميين مع أفعالهم بعد أن وصلوا إلى السلطة في دمشق بموجب الصفقة الممجوجة والمهزلة، والتي بات معروفاً للقاصي والداني إنها نتجت عن تقاطع مصالح دولية وإقليمية مؤقتة؛ تهاونت بموجبها إسرائيل بداية مع وجودهم ووجود الأتراك على حدودها مقابل الخلاص من الوجود الإيراني، ووجود حزب الله اللبناني الذي كان متجذراً في نظام بشار الأسد، وأيضاً لقاء الصمت والتسهيل في عمليات تفكيك وتدمير مقدرات الجيش السوري التي بنيت من جيوب المواطنين السوريين خلال عقودٍ من الزمن، وليس هذا وحسب، بل إن الفاتورة التي دفعتها سلطات الجولاني وستدفعها من أجل قبول بقائها على كرسي الحكم. كما هو حلمها لخمسة أعوام قادمة، وفي التفرد في إقرار الدستور، وفي التغطية على أعمال القتل والإرهاب وترويع الأقليات، فاتورة طويلة جداً كما تشير التطورات، وكما هي سيرورة التوغل الإسرائيلي في العمق السوري، وكما هي تصريحات ترمب يوم أمس.
إلى ذلك، وبالانطلاق من هشاشة وانعدام ردّات الفعل من قبل سلطات الأمر الواقع الجديدة؛ يستنتج المراقب أن كلامها وحديث رئيسها أحمد الشرع عن الحرص على وحدة الأرض والدولة، وفي وقوفه ضد الفدرلة، واعتبارها نوع من التقسيم؛ ما هو إلا لذر الرماد في العيون، ومجرد مزاودة وطنية، فهو ومجموعته المتطرفة لا يحملون أية أجندات وطنية تتعلق بصون الحدود، حيث لم تحرك طغمته أي ساكن حيال وصول الدبابات إلى مشارف العاصمة، وعلى نحو أشد خطورة؛ تسلم الأتراك مفاتيح المدن والمعابر والمطارات والمقدرات والمصير، فالشرع وفريقه لا يخجل من تقبيل أيدي نتنياهو أو ترامب مهما بلغ التغول أو التطاول على السيادة الوطنية والأحداث، وتراكم التنازلات خير دليل.
وفيما يعد موقفاً ذي صلة، ويفسر مواقف الإسلام السياسي تاريخياً، هو أنه فريق عابر للدول، لا يؤمن بالدولة الوطنية، وفي الحالة السورية مشروعه موجه للداخل لتطييفه، وتعميق أسلمته ثم تسنينه، ثم إعداده عبر التغيير الديمغرافي والمجازر؛ ليكون نسخة عن إمارة إسلامية خالصة تسلم لخلافة إسلامية عالمية كبيرة، ومن الطريف هنا الإشارة إلى رسم كاريكاتوري استبدل فيه اسم حركة تحرير الشام باسم حركة تسليم الشام.
أما عن فحوى الزيارة التي قام بها رئيس السلطة الانتقالية أحمد الشرع إلى واشنطن ونيويورك، وكلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولقائه مع الرئيس ترامب، وعن الضجة الإعلامية التي أحدثتها قاعدته الشعبية والإعلاميين المحسوبين عليها، وتصويرها على أنها إنجاز كبير غير مسبوق، ولم يتكرر منذ ستينيات القرن الماضي، وحيث جهدت الدبلوماسية التركية ما بوسعها للاستثمار بها وتوظيفها للعمل على رفع العقوبات المفروضة على سوريا، وعلى هيئة تحرير الشام، وكذلك لاستخدامها لنيل شرعية خارجية تعطى لسياسة حكومة الشرع، وتغطي على تخاذلها أمام إسرائيل، وعلى جرائمها بحق المكونات والأقليات السورية. لكن المجريات على الأرض أخذت مساراً آخر، وفي الغالب كان مخيباً للآمال التركية والإسلاموية بشكل كبير.
وثمة إحباطات ونكسات عديدة قد أصابت المهللين لنجاح الزيارة وللمروجين لها على أنها تكاد تكون نوعاً جديداً من الفتوحات والاختراقات التركية والإسلاموية إلى بلاد الغرب والعالم؛ سيما وأن حملة إعلامية معاكسة قد انطلقت لتعيب وتحقر الداعين إلى استقبال داعشي كالشرع وفريقه الإرهابي في الولايات المتحدة، كما ظهرت تغريدات ومقالات لصحفيين بارزين، ومنهم من هو مقرب من الرئيس ترامب تطالب بترحيل كل من احتفل وهلل للزيارة باعتباره نصيراً لداعش وأفكارها، ولذا لا يجوز أن يتواجد على الأرض الأمريكية، ثم يأتي الدور على الرئيس التركي أردوغان، وعلى السياسة التركية ليحصد أكبر قدر من معدلات الخيبة والفشل، والتي تجلت بتصريحات لترامب تقول أن الرئيس أردوغان تنقصه الشرعية، ثم مرة أخرى يقول فيها عن أردوغان هو شخص يمتلك مهارة فائقة بتزوير الانتخابات، ثم إنه المسؤول الذي يعود له الفضل الأول في إسقاط نظام بشار الأسد عبر التحكم بقوى وجماعات محسوبة عليه، وهي مصنفة على قوائم الإرهاب، وهو من يقوم بتوجيهها، في إشارة ذات دلالة على أنه هو المسؤول، أي أردوغان، عن الجرائم والمجازر التي ارتكبت بحق مكونات الشعب السوري. وإن مروحة الاحباط والانتكاس التي إصابت السياسة التركية والمراهنين عليها لم تتوقف عند هذا الحد؛ بل سجل ترامب لكمة دامية في جبين أردوغان حين رفض توسطه لرفع العقوبات عن حكومة الشرع، قائلاً سنفكر برفع العقوبات عن تركيا نفسها، بمعنى أنت معاقب ولست في موقع يخولك أن تتوسط لغيرك، بل جاءت الطامة الكبرى حينما رفعت إدارة ترامب العقوبات في اليوم التالي عن رموز وكيانات بارزة في النظام السابق تمثلت بـ 512 شخصاً وكياناً بينهم فقط ثمانية أسماء من الطائفة العلوية، في خطوة تحمل تكذيباً للدعاية الإسلامية والتركية التي درجت على التحريض ضد العلويين بشكل عام ودون تمييز بتهمة التماهي مع النظام السابق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى