انخفاض منسوب دجلة يكشف قرى إيزيدية غارقة منذ 40 عاماً

كشفت موجة الانخفاض الأخيرة في منسوب مياه نهر دجلة، عن معالم لقرى ومواقع أثرية إيزيدية كانت قد غمرتها المياه قبل أكثر من أربعة عقود، في مشهد يعيد إلى الواجهة فصولاً منسية من تاريخ وثقافة المجتمع الإيزيدي في كردستان والعراق.
برزت في الأيام الأخيرة معالم لقرى إيزيدية كانت قد اندثرت تحت المياه، ومن بينها قريتا “خيرافا” و“خانكي” الواقعتان في ناحية خانك، إضافة إلى قرى ضمن مجمع بابيرا.
وتعد هذه القرى من المواقع الحيوية التي احتضنت حياة مجتمعية نابضة، وشهدت وجود مزارات دينية إيزيدية ومبانٍ تعود إلى فترات مختلفة من التاريخ، ما يعكس العمق الحضاري والديني للمجتمع الإيزيدي في هذه المنطقة.
من أبرز ما جرى رصده حتى الآن هو مبنى مدرسة خانكي القديمة، التي شُيدت في الفترة بين عامي 1958 و1959، والتي تظهر اليوم كصورة حية لحياة اجتماعية وتعليمية كانت قائمة قبل أن تُغمر بالمياه.
قرى غمرها نهر دجلة… لماذا؟
غُمرت هذه القرى في مطلع ثمانينيات القرن الماضي نتيجة تنفيذ مشاريع حكومية لبناء سدود وخزانات مائية على نهر دجلة، ضمن خطط تنموية لتوليد الطاقة وتوفير المياه للري.
أدى هذا إلى ارتفاع منسوب المياه في بعض المناطق، ما تسبب في غرق عدد من القرى والبلدات، دون أن يتم توثيق أو الحفاظ على المعالم الثقافية والدينية التي احتوتها.
يأتي هذا الانكشاف نتيجة تراجع مستويات المياه في نهر دجلة، وهو تراجع مستمر منذ سنوات، نتيجة عوامل مناخية أبرزها الجفاف، وتراجع كميات المياه الواردة من تركيا نتيجة بناء السدود على منابع النهر، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على البيئة والحياة الاقتصادية والتراثية في جنوب كردستان والعراق.
أهمية الاكتشاف وأبعادهيمثل ظهور هذه الآثار لحظة استثنائية للمؤرخين وعلماء الآثار، وقد يوفر مدخلاً لفهم أعمق لتراث الإيزيديين وتاريخ نشأتهم في المنطقة.
كما أن هذا الحدث يسلط الضوء على التحديات التي تواجه الحفاظ على الذاكرة الثقافية في ظل المتغيرات البيئية الحادة، ويؤكد على ضرورة اتخاذ خطوات لحماية ما تبقى من هذا الإرث، وتوثيقه قبل أن يُمحى مرة أخرى.
في ظل استمرار انحسار المياه، من المتوقع أن تكشف الأيام القادمة عن المزيد من المعالم، ما قد يُسهم في إعادة رسم صورة أوضح عن الماضي الغني الذي اختفى تحت سطح الماء لعقود طويلة.