مانشيتمقالات رأي

متى يعتذر الشرع للكرد والدروز؟

محسن عوض الله

في سوريا التي لطالما وقفت على شفا الحرب، وتقلبت بين شعارات الممانعة وتفاهمات المصالح، تبرز ملامح سلطة جديدة تنقلب على ما كان يعد ثوابت الأمس.

أحمد الشرع، الرجل الذي خرج من عباءة الجهادية، وصعد نجمه بخطابات التخوين؛ يعود اليوم بوجه دبلوماسي يلوّح بورقة التفاهمات الإقليمية، ويطرق أبواب التسويات الدولية، حتى وإن كانت عبر تل أبيب.

عندما سلّمت الحكومة السورية الجديدة وثائق الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين إلى تل أبيب، لم يكن الأمر مجرد إجراء بروتوكولي. كان الحدث إعلاناً ضمنياً بأن الخطوط الحمراء القديمة قد تم تجاوزها، وأن (العدو) لم يعد كذلك؛ حين تقتضي الضرورة السياسية، وأن من كان يوصف بالخيانة بات اسمه وسيلة للمقايضة في سوق النفوذ الإقليمي.

إيلي كوهين، الرجل الذي كان رمزاً لإسرائيل (العدو) في الذاكرة الأمنية السورية، تحوّل ملفه فجأة إلى ورقة “حسن نوايا” في طريق لا يخلو من محطات التطبيع أو التفاهم غير المعلن.

الفصائل التي لطالما استباحت أعراض الكرد والدروز، واتهمتهم بالعمالة والتقسيم، التزمت صمتاً لافتاً. لم يصدروا أي بيان، ولم تخرج فتوى، ولم تُرفع راية رفض. وكأن آلة التخوين قد تعطلت فجأة، أو أن معيار الوطنية بات يُقاس بمقدار الاقتراب من السلطة لا بمقدار الثبات على الموقف.

التحولات في دمشق لا يمكن فصلها عن المشهد الإقليمي. المنطقة تتجه نحو تفاهمات مع إسرائيل، سواء عبر الاتفاقات الإبراهيمية أو عبر قنوات خلف الستار.

تنازلات دمشق تجاه إسرائيل من أجل الحصول على الدعم والشرعية الدولية أمر منطقي في ظل التحولات التي تشهدها المنطقة، ولكن يبقى السؤال الجوهري: هل يمتلك أحمد الشرع الشجاعة السياسية للاعتذار للكرد والدروز؟ هل يملك الجرأة ليعترف بأن ما وُصِفَ بالخيانة لم يكن سوى مطالبات مشروعة؟ وهل يعيد تعريف الوطنية بعيداً عن الولاء للراية وحدها؟

هل يمتلك الشرع أو حكومته الجرأة السياسية ليعتذروا علناً للكرد والدروز، بعد سنوات من الخطاب التحريضي؟ لقد أثبتت الأيام أن الكرد والدروز لم يخذلوا وطنهم، بل خذلتهم خطابات التخوين والتكفير.

توجهات الشرع الجديدة توجب اعتذاراً رسمياً وعلنياً لكل من سبق ووُصف بالخيانة لمجرد ارتباطه في مرحلة ما بعلاقات دولية بحثاً عن حماية لم تحدث، وحفظاً لحقوق مهدورة، وما زالت تنتظر الاعتراف.

واليوم، حين يُصافح الشرع الأميركيين والإسرائيليين بحثاً عن شرعية مفقودة، يصبح الاعتذار ضرورة لا منّة ولا تفضلاً، فمتى يعتذر الشرع للكرد والدروز؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى