مانشيتمقالات رأي

فشـ ـل التطبيع الخليجي مع الأسد وعودة النقـ ـمة ضد الإمارات والسعودي

كما كنا توقعنا في مسار التطبيع الخليجي- السوري، لم يكن ليُكتب العمر الطويل لهذا التطبيع ”القيصري” (نسبة للعملية القيصرية في الولادات) لسبب أساسي هو عِلمُنا المسبق واليقيني بأن بشار الأسد أعجز من أن يستطيع الالتزام بالعهود والوعود تماماً كما أسياده في طهران الذين، وبعد أشهر على توقيع اتفاقهم مع السعوديين، لم يبادروا لإنجاز أي خطوة في أي من الملفات المعنية بالاتفاق إقليمياً.
بشار الأسد نفسه لا يستطيع المونة على الإيرانيين وقد أرسل منذ أيام وزير خارجيته فيصل المقداد الى طهران لطلب تزويد سوريا بالنفط والطاقة، لكن الإيرانيين لم يستجيبوا مع أنهم سحبوا من سوريا، بموافقة نظام الأسد، غالبية خيراتها وخيرات الشعب السوري، في مقابل لا شيء للسوريين وحتى لا شيء للنظام العميل نفسه.

الأيام والساعات بعد قمة جدّة أثبتت أن ما اعتبرته أبواق النظام السوري والتيار الإيراني في المنطقة انتصاراً مدوّياً لبشار الأسد لمجرد حضوره القمة، بأنه لم يعدُ كونه فخاً “مبشماً ” للأسد لعلم القيادات العربية وخصوصاً الخليجية بصعوبة التزام الأسد بالشروط العربية التي عاد وأكد عليها وزير الخارجية الأردني خلال زيارته الأخيرة لدمشق، خصوصاً في الشق المتعلق بإيران والكبتاغون.
صحف الممانعة، وعلى رأسها صحيفة الأخبار اللبنانية، فضحت المستور منذ أيام قليلة حين كشفت عن انزعاج أسدي كبير من تراجع التطبيع العربي مع نظام دمشق.

حصيلة ما نقلته “الأخبار” هو في اتهام الرياض وأبو ظبي بأنهما طعنتا نظام الأسد في الخاصرة بعدما توقفت عملية التطبيع، ومعها تدفّق المال والاستثمارات الضخمة الى سوريا.
ما تعكسه صحيفة الأخبار هو أن لا نتائج حتى الآن حول الانفتاح العربي على سوريا ونظامها، وأن الوعود التي تلقاها الأسد بقيت حبيسة القاعة في جدّة.
“الأخبار” اذاً أعلنتها صراحةً: تعويم الأسد عربياً يتراجع، وهي مستاءة من تراجع الانفتاح العربي عليه.
كل المساعدات العربية للنظام السوري أوقفت واقتصرت على مساندته خلال مرحلة الزلزال فحسب، فيما كل الوعود الإماراتية والسعودية لتفعيل الاستثمار في سوريا بقيت كلماتٍ على الألسن وحبراً على ورق، وبالتالي بدأ الاستياء يتسلل الى النظام في دمشق لعدم انعكاس الانفتاح العربي عليه إيجاباً، وقد ذهبت “الأخبار” الى حد اعتبار أن مسؤولية واشنطن في عرقلة التطبيع العربي لا تعفي دولاً كالإمارات والسعودية من مساندة نظام دمشق.

ثمة مشاريع استثمارية إماراتية موجودة بالفعل في سوريا لكن العمل مجمّد فيها بذريعة الأوضاع الأمنية غير المستقرة.
من الواضح اذاً أن الانتصار المزعوم الذي أُطربت لكذبته الآذان بحضور بشار الأسد قمة جدّة وإلقائه واحدة من مطولاته الخطابية حول “الحضن والأحضان” بقيت يتيمة لا تكملة لها لأن الأسد عندما عاد الى دمشق راهنَ على الهرولة الخليجية إليه، لكنه أخطأ في حساباته كما في كل مرة فإذا به يحاول التشاطر بالمماطلة والتسويف في تطبيق شروط القمّة، فما كان من دول القرار الخليجي إلا أن توقفت عن تقديم أية مساعدات أو تمويل، فوقع الأسد في المأزق الكبير.
كيف يمكن أن ينعكس الانفتاح العربي إيجابياً على الأسد ونظامه، وهو الذي وعدَ وتعهّدَ ولم ينفذ؟ أين أصبحت الخطوة مقابل الخطوة التي أسس اللقاء التشاوري لها في عُمان لتنفيذ برنامج يوصل الى الحل السياسي لسوريا؟
بشار الأسد ونظامه بدأا استشعار طعم الدم المتأتي من “لحس المبرد” الذي مارساه نهجاً مع العرب معتقدين أنفسهم أذكى وأحنك من العرب والخليجيين، إذ “بكلمتين” يمكن الاستحصال منهم على الأموال والاستثمارات.

طبعاً من الواضح أن نظام الأسد وأبواقه في لبنان وسوريا سيعاودون التهجّم على دول الخليج وبخاصة السعودية والإمارات، ويتهمونهما بالخضوع للقرار الأميركي بمنع التطبيع مع الأسد، ما سيعني عودة السلبية في خطاب أزلام النظام السوري و إيران.
وبحسب “الأخبار” دائماً، فإن روسيا غير متفرّغة لبشار الأسد حالياً هي الغارقة في حربها في أوكرانيا.
إيران التي تصدّر يومياً مليون برميل نفط الى الصين ترفض إمداد نظام حليفها الأسد بمساعدات نفطية، فيما واشنطن تؤكد أن لا رقابة ولا قيوداً على تصدير النفط الإيراني لأي دولة، وبالتالي لو أرادت طهران لغمرت نظام الأسد وسوريا بالنفط ومشتقاته فلا تتركه جائعاً وعاجزاً من دون نفط.
مهرداد بازرباش الوزير الإيراني للطرق والتطوير العمراني كان واضحاً منذ أشهر أثناء زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الى دمشق عندما قال إن لدى إيران ديون على الأسد، والأخير لا يملك ما يسدّد ديونه لنا إلا عقاراتٍ وأراضٍ، وهذا ما سنأخذه إيفاءً لتلك الديون”، وبالتالي فإيران ليست مستعدة لتمويل الأسد ولا إمداده بالنفط، وهي تناضل من أجل البقاء في خضم التحدّيات الإقليمية والدولية التي تحاصرها هي أيضاً، وبناءً عليه بقيت الورقة الأخيرة لنظام الأسد : العراق .
لكن ماذا بإمكان العراق أن يقدّم للأسد ونظامه؟
زيارة رئيس الوزراء العراقي الأخيرة محمد شياع السوداني الى دمشق جاءت على هذه الخلفية، لكنها لم تشفِ الغليل لا بل العطش والجوع الأسديين، فالعراق بحاجة بدوره الى مًن يساعده وقد حاصرته أيضاً العقوبات المصرفية الأميركية على خلفية تبييض أموال الحرس الثوري الإيراني، كما أن نفطه مُصَادرٌ لإيران.
اذاً مأزق نظام الأسد بدأ يتحوّل الى نقمة على السعودية والإمارات لأنهما توقفتا عن التطبيع المالي معه وضخّ المال في صناديقه، والغضب سيكون سمة المرحلة المقبلة حيث استخدام الشتائم والإهانات ضد الدولتين الخليجيتين على أشده، مع فتح باب تهريب الكبتاغون على مصراعيه ابتزازاً لهما وإلا الدفع.
البند المشترك السوري- الإيراني الذي وقّعه نظام الأسد مع النظام الإيراني يندرج في سياق الهروب الى الأمام والاستسلام الكلي لاستكمال الغرق في البحر الإيراني “الشافط ” لِمَا تبقّى من خيرات ومقدّرات الشعب السوري والدولة السورية.

جورج ابو صعب

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى