مانشيتمقالات رأي

حسابات تأجيل المصالحة التركية-السورية

خلافا للتوقعات التي رجحت مصالحة تركية-سورية سريعة تطوي صفحة العقد الماضي بين البلدين، ثمة قناعة بأن هذه المصالحة تأجلت إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقررة في الرابع عشر من شهر مايو/أيار المقبل.

ولعل ما رسخ من هذه القناعة جملة تطورات، أهمها تأجيل اللقاء الرباعي (روسيا، تركيا، سوريا، إيران) الذي كان مقررا عقده في موسكو منتصف الشهر الجاري على مستوى نواب وزراء الخارجية إلى موعد غير محدد، والشروط التي حددها الرئيس السوري بشار الأسد لعقد لقاء

نظيره التركي رجب أردوغان.

شروط تتلخص بنقطتين، هما سحب تركيا لقواتها من المناطق التي تسيطر عليها في شمال سوريا، ووقف دعمها للفصائل السورية المسلحة، فيما التزمت أنقرة الصمت حتى الآن إزاء هذه الشروط، ولعل هذه التطورات أوحت بأن عقد قمة بين الرئيسين الأسد وأردوغان بات صعبا قبل الانتخابات التركية، دون أن يعني ما سبق توقف جهود المصالحة بين البلدين، لا سيما أن الراعي الروسي الذي له علاقات جيدة بالبلدين يواصل مساعيه لإحداث اختراق ما على مسار المصالحة بينهما.

السؤال الذي يطرح، ما حسابات كل طرف من تأجيل فتح صفحة جديدة بين البلدين؟ من دون شك يدرك الرئيس الأسد أن نظيره التركي أردوغان في معركة انتخابية مصيرية، وربما يعتقد أن انعطافته تجاه دمشق هي بهدف الاستحواذ على ورقة قوية في هذه الانتخابات، خاصة بعد أن رفعت المعارضة التركية هذه الورقة في وجهه، عبر تحمليه مسؤولية أعباء اللاجئين السوريين في الداخل التركي، في وقت تعاني البلاد من أوضاع معيشية واقتصادية صعبة على وقع تراجع قيمة الليرة التركية أمام الدولار، وحينما يرفض الأسد منحه هذه الورقة مجانا فهو يريد تحقيق أقصى شروطه، وهو عندما يفعل ذلك فإنه يتسلح أولا بانفتاح عربي تجاه دمشق، وتطورا في العلاقات مع العديد من الدول العربية، على رأسها دولة الإمارات التي تبذل جهودا كبيرة لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

وثانيا ينطلق من قراءة التطورات المتعلقة بالتحولات الجيوسياسية الجارية في المنطقة، لا سيما بعد الاتفاق السعودي-الإيراني برعاية صينية الذي يقضي باستئناف العلاقات بين البلدين، وتطور العلاقات الروسية-الصينية على

على وقع الأزمة مع أوكرانيا ومن خلفها الولايات المتحدة وحلف الناتو، إذ إنه يرى أن هذه التحولات الجارية ستشكل قوة جيوسياسية لموقف سوريا، وعليه يريد من هذه المصالحة تحقيق أقصى الأهداف، وهو لكل ذلك لا يبدو مستعجلا، وربما يريد انتظار معرفة هوية الرئيس الجديد في تركيا ليحدد بوصلته بشكل نهائي.

في المقابل، الرئيس أردوغان الذي حسن من علاقات بلاده مع دول الخليج العربي ومصر وإسرائيل في الفترة الماضية يبدو في سباق مع الوقت، إذ لم يبقَ على موعد الانتخابات سوى أسابيع، وتداعيات زلزال فجر السادس من شباط/فبراير الماضي فرضت عليه تحديات صعبة وكثيرة، وربما يعتقد أن صديقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أخفق في إقناع الرئيس الأسد خلال زيارة الأخير لموسكو بعقد لقاء قمة معه، حيث كان يعتقد أن صورة واحدة من هذا اللقاء كافية للقول إن قضية اللاجئين السوريين في بلاده انتهت للأبد، وعليه ربما أدرك بأنه لم يعد يتمتع بترف الوقت، وأنه قد يجد في تأجيل المصالحة مع دمشق ورقة مهمة في إدارته للسياسة حتى موعد الانتخابات، فهو هنا يستطيع القول لواشنطن إن رؤية بلاده للمصالحة مع دمشق، ولحل أزمة سوريا هي

في إطار القرارات الدولية الخاصة بهذه الأزمة وليست من مصلحة خاصة، إذ إنه يعتقد أن مثل هذا الخطاب يحظى بترحيب أمريكي، وربما يدفع روسيا للتحرك أكثر على خط دمشق ودفعها للمصالحة مع أنقرة.

في الواقع، من الواضح أن حسابات دمشق وأنقرة متباينة بخصوص المصالحة في المرحلة الراهنة، ومن الواضح أيضا أن الظروف لا تبدو مناسبة لتحقيق هذه المصالحة قبل الانتخابات التركية، دون أن يقلل ما سبق من أهمية هذه المصالحة للبلدين، فسواء كان الفائز في الانتخابات التركية أردوغان أم خصمه كمال كيلجدار أوغلو، فإنه سيمضي في قطار المصالحة مع دمشق، تطلعا إلى فتح صفحة جديدة بين البلدين لطالما أن حجم المصالح المشتركة باتت أكبر من الخلافات التي تراكمت بينهما خلال العقد الماضي.

خورشيد دلي/ العين الاخبارية

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى