أخبارتقارير

إذا غزت روسيا أوكرانيا فما هي التداعيات على اقتصاد العالم؟

يجب أن نتمسك باحتمال ألا تغزو روسيا أوكرانيا، لكننا يجب أن نكون واقعيين إذ إنها قد تفعل. وإذا فعلت، ستكون التكاليف البشرية ضخمة والعواقب السياسية هائلة. وفي مقدور معلقين غيري أن يكتبوا أفضل مني حول هذين الجانبين. أما هنا، فما الذي نستطيع أن نقوله في شكل منطقي حول ما سيعنيه ذلك لاقتصاد العالم؟
إن روسيا وأوكرانيا اقتصادان صغيران تماماً، على الرغم من امتلاك روسيا أكبر مساحة كتلة برية في العالم وأوكرانيا أكبر مساحة برية (فيما خلا روسيا) في أوروبا. ووفق البنك الدولي، بلغ الناتج المحلي الإجمالي الروسي عام 2000 حوالي ألف و500 مليار دولار أميركي. وسجل الناتج المحلي الإجمالي الأوكراني عُشْر ذلك الرقم عند 150 مليار دولار. أما الناتج المحلي الإجمالي العالمي فقُدِّر بـ85 ألف مليار دولار، ما يعني أن الاقتصادين لا يولدان سوى اثنين في المئة تقريباً من مجمل الناتج العالمي. من هذا المنظور، بالكاد سيخلف أي تطور أثراً يعتد به في سائر العالم.
لكن هناك روابط معقدة في الاقتصاد العالمي تبطل هذا التوقع البسيط، والمريح على ما يبدو. إن روسيا مهمة في شكل غير متناسب كأكبر بلد مصدر للغاز وثالث أكبر بلد منتج للنفط والمنتجات النفطية. وأوكرانيا مهمة كبلد منتج للأغذية، ولا سيما الحبوب. فهي خامس أكبر بلد مصدر للقمح والذرة، وسادس أكبر بلد مصدر للشعير.
من السذاجة الافتراض أن غزواً في حال وقوعه لن يضر بصادرات البلدين، ومن المنطقي، إذاً، توقع ارتفاع أسعار النفط والغاز والحبوب. ويرجح وصول سعر النفط إلى مئة دولار للبرميل وإذا لم يرتفع كان وقعه وقع المفاجأة. وإذا حصل ذلك، سيؤثر في أسعار الوقود في المحطات حول العالم. لكن الحرب لن تعني فقط أننا سندفع مالاً أكثر لملء خزانات الوقود في سياراتنا. هي ستعني أيضاً زيادة في أسعار الأغذية في كل مكان، بما في ذلك في الاقتصادات الناشئة [النامية]، وسيتأثر الناس الأفقر أكثر من نظرائهم الأغنى.
هل تنجو الأسواق الدولية من تداعيات أزمة أوكرانيا؟
الاقتصاد العالمي تنتظره أوقات مملوءة بالتحديات
4 أسواق في مرمى نيران الأزمة الأوكرانية… النفط والغاز في المقدمة
وإلى جانب هذه الآثار المباشرة، ستقع سلسلة من الآثار غير المباشرة، بما في ذلك أثر أي عقوبات قد تفرضها الولايات المتحدة على روسيا. كقاعدة عامة، لا تكون إجراءات كهذه مؤثرة في شكل خاص. فلو توقف الغرب، مثلاً، عن شراء النفط الروسي، سيُبَاع ذلك النفط إلى الصين. ولا تستطيع أوروبا التوقف عن شراء الغاز الروسي، فهي تعتمد عليه على نحو ساحق بغرض التدفئة شتاء. والقلق هو من خلاف ذلك، أي أن تقطع روسيا الإمدادات.
وثمة حديث عن إقصاء روسيا عن نظام المدفوعات العالمي المعروف باسم “سويفت” (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين المصارف) والذي تسوي من خلاله المصارف تعاملاتها المشتركة في ما يخص التجارة والاستثمار العابرين للحدود، لكن هذا الاستثناء سيكون سيفاً ذا حدين. فكيف ستدفع أوروبا ثمن ذلك الغاز؟ وفي حال استثناء المدفوعات الخاصة بالغاز، سيكون ذلك ذريعة رائعة لروسيا لوقف الإمدادات. أما في مجال عزل روسيا عن أسواق رأس المال في شكل عام، فالواقع القاسي يفيد بأن روسيا لا تحتاج إلى الاقتراض. فحكومتها، على خلاف كل حكومة في أي بلد آخر تقريباً، تتمتع بفائض [في الموازنة].
وثمة مصدر قلق إضافي: قد يكون للغموض المتولد عن نزاع أثر أعم في الثقة الاقتصادية، ولا سيما في أوروبا. فالتعطل يكون مكلفاً دائماً، غير أنه سيأتي هذه المرة خلال وقت عسير على وجه التحديد. ويعود السبب جزئياً إلى أن معدل التضخم بلغ أعلى مستوياته في 30 سنة أو يشارف على بلوغها في معظم العالم المتقدم، بما في ذلك المملكة المتحدة وألمانيا، وبلغ أعلى مستوياته في 40 سنة أو يقترب منها في الولايات المتحدة. وهذا سيزيد الطين بلة. لكن السبب يعود أيضاً إلى أن تكلفة الاقتراض تزيد بالفعل رداً على ارتفاع معدل التضخم، ومن شبه المؤكد أن تتسبب حرب بدفع تكاليف اقتراض أعلى.
وثمة تفصيل أخير. كما هي الحال دائماً مع الاضطرابات الجيوسياسية، أخذت الأسواق المالية بعض المخاوف في الاعتبار. من الصعب تحديد الثمن المترتب على هذه الحال، لكنني أشتبه بأن بعض الزيادات التي طرأت في أسواق النفط والغاز هي نتيجة للمخاوف من حصول غزو. لكن قد يكون ثمة بعض الضعف في النظام المالي العالمي لم يلحظه أحد حتى أبرع الخبراء، ولن يظهر إلا حين تتفاقم الضغوط. وأخشى أن هذه الضغوط ستتفاقم في الأيام المقبلة.
ADARPRESS#

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى